“مصدر دبلوماسي”: مارلين خليفة:
إختلط الأمر على اللبنانيين: هل زيارة رئيس حكومتهم سعد الحريري الى المملكة العربية السعودية اليوم هي زيارة دولة؟ أم أنها مجرّد زيارة عائلية بغلاف سياسي لن تكون لها أبعاد ولا تداعيات؟
لم يتأكد اللبنانيون بعد هل أعادت زيارة الحريري ولقائه الملك سلمان بن عبد العزيز الإعتبار اليه كزعيم للسنة اللبنانيين وكإبن السعودية المدلل؟ أم أنها مجرد زيارة لكسر الجليد المتراكم بين الرياض وبيروت منذ 4 تشرين الثاني الفائت؟ وهل انعكست هذه الزيارة ايجابا على موقع لبنان وصورته العربية الخليجية والدولية؟ أم أن لبنان لا يزال على اللائحة السوداء السعودية الخليجية بسبب تسوية كرّست تحالفا بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري و”حزب الله” بينهما؟
إختلط الأمر على اللبنانيين: هل الزيارة هي زيارة دولة؟ ام زيارة رفع عتب؟ أم زيارة لـ”رؤية الأولاد” كما أسرّ الحريري في برنامج “دق الجرس” للتلامذة الذين كانوا يسألونه عن ظروف استقالته من العاصمة السعودية؟
ويرتسم سؤال: لماذا استقبل الحريري على المطار دبلوماسيون كانوا في أساس الأزمة بين البلدين لسوء تقديرهم للواقع اللبناني. وبما أن الشكل يدلّ غالبا على المضمون، فإن استقبال وزير شؤون الخليج ثامر السبهان (لم يرد إسمه في الخبر الرسمي الذي وزعه المكتب الإعلامي للرئيس الحريري) للحريري ومعه “يده اليمنى” الوزير المفوّض وليد البخاري، ذي دلالة على أن الخطّ السعودي المتصلب الذي أودى بالعلاقة اللبنانية السعودية الى واد سحيق لا يزال فاعلا وذي صوت مسموع، أما تعيين المستشار في الديوان الملكي نزار العلولا مسؤولا على الملف اللبناني فحوله علامات استفهام كبرى، ولا سيما حول قدرة العلولا على الإستقلال بقراره عن سلطة السبهان والبخاري.
هذا في الشكل، أما في المضمون فلا يمكن الجزم قبل عودة الحريري الى لبنان، مع أن المراقبين يضعون أهمية كبرى على الموضوع المالي ومدى استعداد المملكة للقيام بتسوية أوضاع الحريري المالية وله مبالغ طائلة وخصوصا في “أوجيه” التي لا يزال موظفوها ينتظرون تسوية ما، فضلا عن مدى استعداد المملكة تمويل الحملة الإنتخابية المقبلة لحلفائها، وقد نقل أحد السياسيين اللبنانيين كلاما عن السفير السعودي وليد اليعقوب يقول فيه في مجلس خاص أن لا تنتظروا تمويلا كما في انتخابات 2009 وربما لن تجدوا ربع هذا التمويل.
مما لا شك فيه بأن زيارة الحريري للسعودية ولقائه مع خادم الحرمين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان رطّبت الاجواء المبلدة بين البلدين إثر أزمة الإستقالة، لكنّ يبدو من الصعوبة عودة المياه الى مجاريها قبل تاريخ 4 تشرين الثاني الفائت. فلا السعودية عادت واثقة بأن الحريري هو صوتها في لبنان، ولا الحريري سينسى في عمقه التخلي السعودي عنه وكيفية التعامل معه سواء في السياسة أو في المال أو في محاولة نسف زعامته وهي محاولة باءت بالفشل نتيجة التفاف الشعب اللبناني حوله ودعمه المطلق من قبل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون.
فالمياه لا تسير الى الوراء، وعلوّاه أن تعود العلاقة بين الحريري والسعودية الى ما كانت عليه من حميمية وثقة متبادلة.
يبقى السؤال: ماذا فعل الموفد السعودي نزار العلولا في لبنان؟
بحسب المراقبين فإنّ العلولا حاول من جهة استكشاف كم أن سعد الحريري لا يزال في فريق 14 آذار؟ ومن جهة اخرى هل لا يزال وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل في فريق 8 آذار بعد واقعة “الفيديو المسرّب” الذي أوجد شرخا بينه- وهو رئيس “التيار الوطني الحر”- وبين رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وتشظّى جراء ذلك تفاهم مار مخايل بين “التيار” و”حزب الله”.
والزيارة بحسب المراقبين هي كناية عن جسّ نبض سعودي حول إمكانية تطوّر أداء الأطراف اللبنانيين ومدى استعدادهم للسير في السياسات السعودية التي لم تتغير قيد أنملة، لا بمضمونها ولا برجالاتها.
وشكلت الزيارة استكشافا ميدانيا للواقع السني في لبنان وكم يمكن الرهان على القوى السنية المختلفة، فالسعودية منذ زمن بعيد لم تعد ترغب بوجود “حصان” سنّي واحد اي زعيم أوحد للطائفة السنية، وتحاول شبك علاقات مع بقية الاطراف السنية بدءا من نجيب ميقاتي رئيس الحكومة السابق ومن اللواء أشرف ريفي وصولا الى اية شخصية لبنانية سنية تتوسّم فيها القدرة على تحقيق مكتسبات سياسية للسعودية والنطق بسياستها.
لعل الإنتخابات النيابية في أيار المقبل هي الشغل الشاغل للسعوديين اليوم كما لحلفائهم الخليجيين، فهذه الدول تدرك تماما بأن كفّة ميزان الفوز ستكون مرجحة لمحور ما يعرف بالممانعة أي “حزب الله” وحلفائه الذين سيمسكون بناصية التشريع للأعوام الستة القادمة فضلا عن أنهم سينتخبون رئيس الجمهورية المقبل، وهذا ما لا يعجب المحور الخليجي البتة، ومعه دول غربية وازنة كالولايات المتحدة الأميركية التي لم بعد أحد يسمع صوت سفيرتها اليزابين ريتشارد محذرة من أي تأجيل للإنتخابات لأنها “استحقاق ديموقراطي”!
من هنا فإن أحد الأهداف الأساسية لزيارة العلولا هي محاولة السعودية ترشيح صقور في لوائح الحريري وحلفائها يؤمنون بسياساتها، ولعّل ابعاد رئيس “كتلة المستقبل” النيابية فؤاد السنيورة عن البرلمان لعدم ترشيحه من قبل الحريري في دائرة جزين صيدا لم ينزل بردا وسلاما على قلوب السعوديين الذين يدركون بأنّ البرلمان المقبل سيضمّ صقورا من محور الممانعة نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر اللواء جميل السيد وألبير منصور وإيلي الفرزلي، وبالتالي ثمة شخصيات يجب أن توازيها في صوتها العالي وفي قدرتها على المشاكسة.