“مصدر دبلوماسي”- باسكال دياب:
انطلقت “معركة الرئاسة الاولى” كما درجت تسميتها من قبل البعض في دائرة الشمال الثالثة التي تضم البترون والكورة وزغرتا وبشرّي وتعتبر أكبر الدوائر الإنتخابية وتضمّ 10 نواب (7 من الموارنة و3 أرثوذكس).
تشمل هذه الدائرة كتلا سياسية مسيحيّة اساسية وهي أحزاب: “تيّار المردة” و”القوّات اللبنانيّة” و”التيّار الوطني الحر” و”حزب الكتائب” و”تيّار المستقبل” و”الحزب السوري القومي الاجتماعي” وشخصيات وازنة أبرزها: النائب بطرس حرب وميشال معوض…
هذا التنوع يصعّب تحديد طبيعة التحالفات لغاية اليوم.
وتبرز أسئلة الناخبين عن النتيجة المحتملة لهذه الإنتخابات ولعلّ أبرزها يتمحور حول هوية هو “زعيم” الموارنة الجديد. من سيكون؟ هل هو رئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع؟ أم رئيس “التيّار الوطني الحر” جبران باسيل؟ أم رئيس “المردة” النائب سليمان فرنجية؟
لا شك ّ بأن تقسيم الدوائر الانتخابيّة في القانون النسبي جعل من دائرة الشمال الثالثة ” أمّ المعارك”، وهي لن تحدد النواب المقبلين فحسب، بل تشكل معركة إثبات وجود للزعامة المسيحية، أو “معركة القائد المسيحي الأقوى”، وبتعبير أوضح هي “منازلة” حقيقية حول الزعيم الماروني المرشح لخلافة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بعد 6 أعوام، أي عام 2022!
فالقانون الانتخابي الجديد سلب كسروان معقل موارنة “جبل لبنان” لقب تحديد الزعيم الماروني وهي تعد 132 ألف ناخب وأهداها لدائرة الشمال الثالثة التي تعدّ 162 ألف ناخب.
بشري: العائلات تتحدى “القوات”
في هذا التقرير، سنركز على خصوصية مدينة بشري على أن يتبعه تحقيق لاحق عن خصوصية بقية الأقضية التي جمّعها القانون النسبي الحالي بشكل غريب، وذلك لما لمدينة بشري من ثقل ماروني تاريخي ولما تحمله من تنافس شديد بين الزعامات المارونية كونها مسقط رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع.
والأمر سيان في زغرتا والبترون حيث سنعرض خصوصيتهما لاحقا بالإضافة الى الكورة.
تتجّه الانظار تحديداً الى قضاء بشري حيث يحاول البعض توجيه صفعة الى “القوّات اللبنانيّة” في عقر دار قائدها سمير جعجع، وفي ظل قانون يسمح لخصوم “القوّات” إن توحدوا التمكن من نيل مقعد من اصل اثنين كانا من نصيب “القوات” في دورتي 2005 و2009.
تحتل “القوّات اللبنانيّة” المرتبة الأولى لجهة حجم الأصوات في قضاء بشرّي، تليها في الدرجة الثانية العائلات و”التيّار الوطني الحر” الذي وبحسب مصادره يؤكد “أن نسبة المؤيدين للتيّار في بلدات القضاء مرتفعة جداً مما يشكل توازناً مع بشري المدينة، واذا اضفنا التمثيل العائلي في بشري- المدينة تصبح القوى متوازنة ويصبح الخرق ممكنا”.
من جهتها، تؤكد أوساط من “القوات اللبنانية” أنّ النجاح سيكون حليفها في 6 ايار، مؤكدة بأن “القانون النسبي أعطى للانتخابات طابعا تنافسيا حضاريا وقد أثبتت “القوات اللبنانية” وستثبت مجددا قدرتها على خوض المعركة بشكل حضاري، محترمة بالتالي خصمها السياسي في المنطقة وخارجها”. أما فيما يخص التحالفات في الدائرة “فإن الأمر لا يزال قيد التداول وسيعلن عنه في الوقت المناسب” بحسب الأوساط القواتية.
بالعودة إلى قضاء بشرّي فلوائح الشطب تضم أكثر من 45 ألف ناخب، يتواجد 14 ألفا منهم في مدينة بشير، ويتوزع 31 ألفا على قرى القضاء وبلداته التي لم يترشح عنها تاريخيا أحد باستثناء ترشح خجول لانطوان معربس (الكتائب اللبنانية) عام 1972.
وكانت “القوات اللبنانية” قد وعدت سابقاً هذه البلدات بضمّ مرشحا عنها إلى لوائحها وهذا ما حصل في هذه الدورة حيث أعلنت من حيث المبدأ لائحة تضم النائب ستريدا جعجع ونقيب المهندسين السابق في الشمال جوزيف اسحاق من بلدة حصرون ما ارضى البلدات وأثار اعتراض عدد من أبناء بشرّي المدينة.
بشري المدينة التي لطالما تميّزت بخصوصيتها الانتخابيّة، تتكون من تجمع عائلات كبرى اساسية أبرزها: جعجع وطوق ورحمة وكيروز وسكر وفخري والشدياق. وقد أوصلت هذه العائلات نوابا منذ عام 1934 بقوانين أعطت أبناء طرابلس من ثمّ عكار الفضل الأول بإيصالهم الى سدة البرلمان، وهذا ما اثار امتعاض أبناء المدينة.
عانت المنطقة طيلة هذه المرحلة من حرمان على الصعيد السياسي والخدماتي فالانتخابات كانت على صعيد المحافظة والوصول إلى البرلمان كان بواسطة أصوات بقية الاقضية لاسيما السنية منها التي كانت تملك القدرة على ترجيح كفة الميزان، إلى أن أتت إنتخابات 2009 والتي جرت على صعيد القضاء ما أتاح لأهالي قضاء بشري فرصة إيصال ممثليهم الحقيقين وفازت يومها لائحة “القوات اللبنانية” بفوز ساحق.
أما اليوم وفي ظل هذا القانون النسبي” و”الغريب” بتقسيماته، لا تزال” القوات” الرابح الاكبر في بشري المدينة الذي يتوحد معظم أبنائها حول ابن بلدتهم قائد القوات الذي لطالما اعتبروه المنقذ من إقطاع الزعامات المحلية وصاحب مشروع وطني.
وهنا لا يغفل عن أحد سعي رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل تقوية حلفائه في المدينة أي المرشح سعيد طوق الذي يجاهر علناً بتوظيفه ل8 مياومين في قاديشا من القضاء بمساعدة باسيل الأمر الذي أدى إلى رد فعل مبالغ به من النائب جعجع بحسب هؤلاء ما يعكس إصرار القوات على مرور كل ما يخص المنطقة بمعراب اولا بحسب المناخ الشعبي السائد هناك.
وبدراسة للواقع الانتخابي في بشري فالترشيحات لن تقتصر على جعجع واسحاق وطوق فحسب بل برز أيضا اسم نجل النائب السابق جبران طوق، ويليام طوق الذي لم يخف رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية في مقابلة تلفزيونية له نيّته بترشيحه ضمن لائحته كحليف أساسي.
وهنا لا بدّ من ذكر محاولات ويليام طوق اكتساب أصوات أبناء المنطقة مرة من خلال شراء محصول التفاح من بعض المزارعين مرة أخرى بدعم بطاقات التزلج فضلا عن توزيع قسائم المازوت ومحاولته الاخيرة دعم نادي قنوبين وكانت محاولة فاشلة بحيث طلب منه تأجيل الموضوع الى ما بعد الانتخابات. هذا فضلا عن المعارض البشراوي روي عيسى الخوري(رحمة) والذي لن يتخلى عن حقه بالترشح بسهولة مشدداً على وجوده في المنطقة منذ 40 سنة.
تقول المصادر في بشري هنا أن “المردة” وحليفها طوق يفضلان التحالف عيسى الخوري أما هو فلا يزال يجري مفاوضات جدية مع “التيار الوطني الحر”. كذلك يبدو أن المرشح الاعلامي رياض طوق المستقل(من أبرز أعمدة لائحة “بشري موطن قلبي”) سيعزف عن نيته بالترشح وسينضم للماكينة الانتخابية للمرشح ويليام طوق بعد أن عجز عن إقناع الأطراف المعارضة من الاتفاق على مرشح واحد.
لا يمكن الحديث عن الانتخابات في بشري المدينة من دون المرور بمجموعة” بشري “موطن قلبي” معظمهم مرّ سابقاً في القوات وانشق عن الحزب لاعتبارات عديدة. هذه المجموعة استطاعت زرع الامل بتوجيه ضربة قوية للقوات في عقر دارها بعد أن حصدت 38 في المئة لائحتها المنافسة للقوات في الانتخابات البلدية الأخيرة. لكن التجارب السابقة قد أثبتت أن الناقمين ورغم عتبهم لن يصوتوا ضد الحزب عند الاستحقاقات الكبرى وهنا يحاول بعض المسؤولين في “القوات” إعادة لمّ شمل هؤلاء واقناعهم بالعودة إلى صفوفها. هذه المجموعة تؤكد أنها لم تفوّض أحدا للحوار تحت رايتها متخذة قرارا بعدم “ترشيح اي شخص حتى الساعة”. ومن الواضح أن ” بشري موطن قلبي” تغيب عن الساحة الانتخابية في الآونة الاخيرة، بعد أن فشل رئيسها جو خليفة رحمة من إقناع زعماء العائلات في هذه المنطقة التنحي وتسمية مرشح مستقل.
واللافت أيضاً بروز اسم مرشح لحزب “سبعة” هو المصرفي فؤاد رحمة وهو قوّاتي منفصل عن الحزب منذ قرابة السنة. الأمر الذي نفته أوساط بشراوية مؤكدة على استحالة الأمر لأن حزب “سبعة” لا يزال ضعيفاً في المنطقة حتى الساعة.
عائلات مدعومة من تيّارات في مقابل “القوّات اللبنانية” هذا هو حال القضاء الذي ينتظر تبلور صورة التحالفات في الدائرة التي إمّا ستكرّس ملكية القرار “للقوات اللبنانية” أو ستحقق حلم كثر بإمكانية خرق “الحصن المنيع ” لهذا الحزب.
وهل ستشهد هذه الدائرة، التي اتفق المحللون انها شديدة التعقيد تحالفاً بين “التيّار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية”؟ الأمر غير واضح حتى الساعة بحسب مصادر قوّاتية أكدّت انها تتحضّر لمناسبة 14 آذار حيث ستعلن عن أسماء مرشحيها بطريقة جديدة ومميزة.