“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة:
يعيد موقع “مصدر دبلوماسي” نشر مقابلة مع سفير مصر في لبنان نزيه النجاري نشرتها مجلة “الأمن العام” في عددها الـ53 الصادر في شباط 2018، لقراءة المقابلة ومواضيع المجلة المختلفة الضغط على الرابط الآتي:
http://www.general-security.gov.lb/uploads/magazines/53/12.pdf
بين مصر ولبنان أكثر من علاقة تاريخية بين دولتين واعمق من ودّ عادي بين شعبين، بينهما مشتركات ثقافية وعلاقات اجتماعية وروابط قربى عائلية.
ومع تطور المصالح الدولية تبدو ادارتها أولوية لدى البلدين وخصوصا مع مؤشرات ايجابية لارتفاع معدلات السياحة والاستثمارات المتبادلة.
ظهر هذا النمو جليا اثناء نقاشات الطاولة المستديرة التي استضافتها السفارة المصرية نهاية كانون الثاني الفائت والتي جمعت نخبة من رجال الاعمال بين البلدين. ويطمح السفير المصري في لبنان نزيه النجاري الى احداث نوع من الربط بين المصالح الاقتصادية المشتركة وبين العلاقة السياسية الوطيدة ليقوي كل منهما الآخر وبرأيه أنهما يرتبطان ارتباطا وثيقا.
في البعد العربي والاقليمي، تبقى فلسطين المحتلة قبلة المصريين. وفي مقابلته مع مجلة “الأمن العام” يبدد السفير النجاري اوهاما جمة انطلقت خصوصا بعد قرار الرئيس الاميركي دونالد ترامب اعلان القدس عاصمة لاسرائيل، وما نشر من تحليلات عن اقتراحات غربية بجعل سيناء وطنا بديلا للفلسطينيين. يقول السفير النجاري في هذا السياق:” (…) الفلسطينيون اصحاب حق تاريخي وقانوني ومثبت في اراضيهم المحتلة ولن يقبلوا باي بديل عنها. بينما سيناء هى ارض مصرية خالصة لا علاقة لها باية تسوية او حل مستقبلي للقضية الفلسطينية واتصور ان دور مصر في مجلس الامن كان واضحا في الدفاع عن الحق الفلسطيني خلال عضويتنا في المجلس واتصالا بموضوع القدس تحديدا”.
في ما يأتي نص الحوار كاملا:
*كيف تقيم مصر ما يجري على الساحة الداخلية اللبنانية منذ ازمة استقالة الرئيس سعد الحريري في 4 تشرين الثاني والعودة عنها وتداعياتها؟
– تعلمون بداية ان مصر تحترم لبنان ولا تتدخل اطلاقا في شؤونه الداخلية وان كنا موجودين دائما للنصح وللمساعدة الهادفة للاستقرار والحفاظ على امن لبنان متى طلب منا ذلك استنادا الى العلاقات الاخوية التاريخية بين البلدين والشعبين.
انتم تعلمون ان الوضع الداخلي في لبنان مركب بطبيعته والقراءة فيه والتعامل معه يتطلب حذرا كبيرا وتفهما كاملا لخصوصيته ولبنان معتاد على التعامل مع الازمات والتقلبات السياسية وعوّدنا دوما على الخروج منها اقوى وبتجارب سياسية واجتماعية اكثر نضجا بما يفيد في التعامل مع المستقبل. واستقالة الرئيس الحريري تندرج في هذا الاطار، ونحن كنا قريبين منها وقت حدوثها وتابعنا تطوراتها وشهدنا خلاصاتها واتفاق القوى اللبنانية المختلفة على كيفية تجنب تكرارها وسنتابع مع المجتمع الدولي والعربي تطور الامور مستقبلا في هذا الاطار مع ثقتنا في قدرة الاطراف اللبنانية المختلفة على التعامل والتعاون الايجابي للحفاظ على استقرار لبنان على مصالحه الوطنية في اطار لبناني لبناني، كما ندعو دوما.
*لعبت مصر دورا محوريا في تلطيف التعامل الخليجي مع لبنان ابان الازمة وخصوصا خلال الاجتماع الطارئ للجامعة العربية، وجال وزير الخارجية سامح شكري على 6 بلدان عربية لمنع انفجار الموقف، هل مساعي مصر مستمرة في اطار تجنيب المنطقة العربية المزيد من الانقسامات والحروب؟
– ينطلق تعامل مصر مع محيطها العربي من الشعور بالمسؤولية ومن ايماننا بتشارك المصير مع اشقائنا فى كافة الدول العربية ومن ثم تتحرك مصر في اطار محددات ثابتة وواضحة على راسها بذل كل الجهود الممكنة للحفاظ على استقرار المنطقة وامن شعوبها. من هنا جاءت تصريحات السيد رئيس الجمهورية وقت ازمة الاستقالة للتاكيد على ضرورة الحفاظ على استقرار المنطقة، ثم تحركات السيد وزير الخارجية ومنها الجولة العربية التي تشيرون اليها ومساعي وزير الخارجية الأخرى المستمرة في كل التجمعات العربية والدولية لتحقيق هذه الاهداف.
بكل تأكيد مصر تضع أمن واستقرار المنطقة نصب أعينها، ويمكنك تتبع ذلك في الموقف المصري من الازمة السورية ومن العراق والدور المصري الراهن مع الاشقاء في ليبيا، كما تسعى مصر لتعزيز مفهوم ودور الدولة مرة اخرى في المنطقة لتكريس الاستقرار والتنمية التي تحتاج اليها شعوبنا.
*تسلمت منصبك كسفير لمصر في لبنان منذ قرابة العامين، ما هي الأمور الجديدة التى تحققت وخصوصا اثر زيارات الرؤساء اللبنانيين الثلاثة إلى القاهرة ولقائهم الرئيس السيسي؟
– منذ تسلمت منصبي هنا في لبنان في ايلول 2016 تتالت الزيارات المتبادلة بين مسؤولي البلدين، ففور انتخاب فخامة الرئيس ميشال عون في نهاية تشرين الاول 2016، قام السيد وزير الخارجية بزيارة بيروت في تشرين الثاني 2016 لينقل اليه دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي لزيارة مصر وهى الزيارة التى تمت بالفعل في شباط 2017.
اعقب ذلك زيارة دولة الرئيس سعد الحريرى لمصر في آذار 2017 ثم زيارة دولة الرئيس نبيه برى لمصر في تشرين الثاني 2017.
في المقابل استقبلت بيروت في الفترة نفسها عدة وفود وشخصيات مصرية رفيعة المستوى منها السادة وزراء الاستثمار والتعاون الدولي والصحة والري والتضامن الاجتماعي إضافة إلى محافظ البنك المركزي المصري.
هذه كلها شواهد على متانة العلاقة بين البلدين والحرص على تنمية المصالح المشتركة سواء سياسيا أو اقتصاديا.
من المهم ان اشير في هذا الصدد إلى ان التبادل التجاري بين البلدين متنوع وضخم ويقترب حاليا من المليار دولار سنويا تقريبا، وقد شهد قطاع السياحة تطورا مهما في العامين الأخيرين حيث ياتي السائح المصري في المرتبة الثانية في عدد السياح الاجانب في لبنان، كما ان السياحة اللبنانية إلى مصر شهدت نموا ملحوظا في العام الاخير، فعدد التاشيرات التي تمنحها السفارة مثلا ارتفع بما يقارب الـ 15في المئة في عام 2017 مقارنة بعام 2016، كما شهد موسم عيد الربيع اقبالا كبيرا من اللبنانيين على مدينة شرم الشيخ التي باتت مقصدا رئيسيا للسياحة اللبنانية، وتشير الاحصائيات الواردة الى السفارة إلى وصول نحو 100 رحلة طيران بنظام “الشارتر” من بيروت الى شرم الشيخ خلال تلك الفترة فحسب. وتعمل السفارة حاليا على تشجيع السياحة اللبنانية إلى مقاصد متنوعة في مصر مثل الاقصر واسوان والجونة وسواهم.
عقدت كذلك نهاية الشهر الماضي طاولة مستديرة حول العلاقات الاقتصادية المصرية واللبنانية والفرص المشتركة وحضرها عدد كبير من رجال الاعمال اللبنانية، وكانت فرصة هامة لدراسة طبيعة العلاقات التجارية والاستثمارية بين البلدين وكيفية الاستفادة من العلاقات السياسية المميزة والقوية في تعزيز وتطوير العلاقات الاقتصادية.
بالمناسبة من ضمن الارقام اللافتة ان لبنان يحتل مرتبة متقدمة على جدول الدول المستثمرة في مصر، فلبنان ترتيبه التاسع من حيث حجم الاستثمارات الخارجية في مصر، وهو دليل على أن الاستثمار في مصر مجز ومتاح لرجل الاعمال اللبنانيين وهو ما نحاول البناء عليه مستقبلا.
*ماذا عن التعاون المصري-اللبناني وخصوصا في مجال مكافحة الارهاب وتحديدا مع الجيش والاجهزة الامنية وفى طليعتها الامن العام؟
– العالم كله بات يدرك ان معركة الإرهاب هى معركة دولية، ومصر كانت في من طليعة الدول التى تحدثت عن الارتباط بين المجموعات الإرهابية الدولية المختلفة وضرورة المواجهة الشاملة والكلية لها، ومن ثم فلا بديل عن التعاون الوثيق بين مختلف الدول في هذا المجال. ومصر ولبنان تحديدا يواجهان تحديات متشابهة على راسها المجموعات المتطرفة العاملة في سوريا وشبكات تمويلها وتدريبها وخصوصا وان كثيرا منها مرتبط بالجماعات الارهابية في سيناء وفى ليبيا حيث تهدد حدودنا الغربية.
ويهمني هنا التاكيد على أن التعاون القائم بين الاجهزة الأمنية في البلدين ممتاز، ولا سقف لترفيعه وخصوصا مع جهاز الأمن العام، وتحديداً برعاية المدير العام للجهاز اللواء عباس إبراهيم، فهو شخص دمث ومميز وتحظى كل برامج وجهود التعاون بين البلدين باهتمامه ورعايته المباشرة.
كما احب ان انوه بالجيش اللبناني ودوره الهام والفعال، فهو خط دفاع صلب امام الجماعات الارهابية كما راينا خلال معارك جرود عرسال والقاع الصيف الماضي.
*ماذا عن الوضع الامني في مصر بعد التفجيرات الاخيرة في سيناء وهل لعبت الازمة السورية دورا في تاجيج الهجمات الارهابية؟ ام ان الازمة الليبية كان لها دور اساسي؟
– الوضع الامني في مصر مستقر. دعينا نتفق على ان لا دولة في العالم كله محصنة ضد الهجمات الارهابية، وراينا ان كل مدن العالم الكبرى تضربها هجمات واستهدافات خسيسة، الا ان الحوادث الامنية في مصر رغم ذلك تكاد تنحصر في مربع صغير للغاية في شمال شرق سيناء، بعدما حصرت القوات المسلحة والشرطة المصرية نطاق وجود هذه المجموعات الارهابية هناك، وانزلت بهم خلال الاعوام الثلاث الماضية خسائر ضخمة.
نحن متفائلون، ونعلم اننا نسير على الطريق الصحيح لمواجهة هذه الظاهرة ونعمل مع مختلف الدول لمواجهتها من جذورها والتصدي للدول التي قدّمت ولازالت تقدم دعما ماليا وغير مالي لهؤلاء المجرمين.
بالتاكيد كان للازمة السورية دور، كما هو الحال مع الازمة الليبية، فكلما تاجج الصراع في المنطقة مع التطرف وجاء على حساب الدولة الوطنية ومؤسساتها انفتحت مساحات اوسع امام الجماعات المتطرفة للعمل والتجنيد والتدريب.
*برغم اتفاقية السلام كيف تحدد دور مصر في القضية الفلسطينية؟ وماذا عن مسالة الوطن البديل في سيناء؟
– القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للعرب ومصر تحديدا خاضت 4 حروب بخلاف حرب الاستنزاف التي مهدت لنصر اكتوبر 1973، وقدمت عشرات الآلاف من الشهداء من اجل القضية الفلسطينية، بخلاف التضحيات الاقتصادية الهائلة في هذا الصدد، ايمانا منا بعدالتها وبانها قضية مصر وكل العرب. وقد فسر البعض خطأ اختيارنا للسلام كاختيار استراتيجي لمصر والعرب على أنه تخلٍ عن القضية الفلسطينية، في حين أنه كان انخراطا من نوع آخر وله اهدافه وادواته وغرضه النهائي الوصول إلى دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية وضمان الحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني داخل فلسطين وخارجها ونحن نعتبر انفسنا في قلب هذا الانخراط، بل وفي صدارته لحين تحقق اهدافه، وليس ادل على ذلك من اتفاق المصالحة الذى نجحت مصر في تحقيقه اخيرا بين الفلسطينيين.
موقفنا الاخير في مجلس الأمن كان مبنياً على هذا الأساس، ودالا على الموقف المصري التاريخي الثابت من القضية الفلسطينية، حيث قادت مصر مفاوضات القرار الخاص بالقدس فخرجت نتيجة التصويت كما شاهدنا باغلبية 14 عضوا لصالح القرار وهي رسالة دولية قوية بدعم الموقف العربي، تعززت حينما انتقل القرار إلى الجمعية العامة فحصدنا الاغلبية التي شهدها العالم لصالح قرار دولي يعزز وضعية القدس الدولية ولا يعترف بالقرارات بالمواقف الخارجة عن اطار القانون الدولي في هذا الصدد.
اما فيما يخص مسالة الوطن البديل فهذا امر مستحيل ونتعجب من الاثارة المتكررة لهذه المسالة والزج بسيناء فيها، فضلا عن نقل البعض لانطباعات خاطئة، ولاشك مغرضة اننا قد نقبل به. الفلسطينيون أصحاب حق تاريخي وقانوني ومثبت في اراضيهم المحتلة ولن يقبلوا باي بديل عنها. بينما سيناء هى ارض مصرية خالصة لا علاقة لها باية تسوية او حل مستقبلي للقضية الفلسطينية واتصور ان دور مصر في مجلس الامن كان واضحا في الدفاع عن الحق الفلسطيني خلال عضويتنا في المجلس واتصالا بموضوع القدس تحديدا.
*ماذا عن ملف المصالحة الفلسطينية وما هو مآلها؟
– المصالحة الفلسطينية ضرورة حتمية لا بديل عنها، وهي الضمانة الحقيقية لتحقيق الاستقلال الفلسطيني وانهاء الاحتلال واقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية. هذا موقفنا الذي اعلناه مرارا ونقلناه الى الفصائل كافة وعملنا معهم على تقريب وجهات النظر وتصفية الاجواء، الى ان توجت هذه الجهود بالاتفاق المبدئي بين حركتي “فتح” و”حماس” في تشرين الثاني الماضي.
كل الاطراف الفلسطينية ومعها مصر تدرك منذ البداية اننا امام استحقاق معقد ويتطلب التعامل معه بعض الوقت والتعامل بحكمة مع ما قد يعتريه من صعوبات، لكن المهم هو الحفاظ على انطلاقة قطار المصالحة الفلسطينية التى بدات من القاهرة الى ان تصل الى الاراضي الفلسطينية كافة.
يساعدنا في هذا وجود ادراك فلسطيني لضرورة اتمام المصالحة وانجاحها ومن ثم تتكرس الجهود حاليا لتجاوز كل التفاصيل المعوقة او محاولات التخريب او تكريس الوضع الانقسامي الحالي.
*شاهدنا حشدا دوليا كبيرا في مصر لحضور مؤتمر “نصرة القدس” برعاية الازهر الشريف نهاية شهر كانون الثاني الماضي ما الرسالة من وراء ذلك؟
– الرسالة واضحة وبسيطة: برغم كل الادعاءات ومحاولات التشويش على موقف مصر وتصويره على غير حقيقته، لا زالت القضية الفلسطينية هى القضية المركزية لنا. وها نحن تابعنا كيف أتت استجابات الشخصيات السياسية والدينية البارزة حول العالم لدعوة الأزهر الشريف لحضور المؤتمر، فحضر من لبنان على سبيل المثال رموز كبيرة كمفتي لبنان والبطريرك الماروني وسواهم من الشخصيات والكتاب البارزين. هذه كلها دلائل متجددة على دور مصر الثابت من القضية ومن الاوضاع الاقليمية بشكل عام وعلى التفاف العرب حولها وثقتهم فيها في هذا الصدد.
*التحالف المصري مع السعودية والامارات العربية المتحدة اين يساعد القاهرة واين يكبلها في الساحات العربية من فلسطين الى سوريا الى اليمن الى ساحات اخرى؟
– السعودية والامارات دولتان عربيتان شقيقتان، تجمعنا معهما علاقات تاريخية عريقة ومعروفة، وفى الوقت الراهن هناك مشتركات عديدة بيننا حول قراءة المشهد الراهن وتحدياته، وخصوصا تلك التي تهدد العالم العربي وما تبقى من منظوماته المشتركة وهي تحديات تستدعي تقوية العمل العربي المشترك وتوحيد الجهود لمواجهة مخططات انهاك وتفكيك دول المنطقة لصالح دول غير عربية طامحة في النفوذ او جماعات ارهابية مجرمة لا تعترف بالاساس بالدول الوطنية.
ومن المهم ان نلفت إلى ان هذه المحددات لا تنحصر في علاقتنا بالسعودية والامارات فحسب بل تجمعنا باغلب الدول العربية الاخرى حيث نعمل جميعا للصالح العربي المشترك وفي مواجهة تحديات ندرك فداحة اثمانها علينا جميعا في حال فشلنا في التصدي لها.
*ماذا عن العلاقة مع قطر وتركيا؟
– باختصار، نحن نحترم ونعتز بالشعب القطري العربي الشقيق وكذلك بالشعب التركي، وتربطنا بهما روابط تاريخية وعلاقات طيبة، لكننا بكل تاكيد وعلى مدار الاعوام الماضية على خلاف مع حكومتي البلدين ويرجع ذلك الى الاصرار على اتخاذ مسلك مناهض لمصر وعلى ما نعتبره استخداما لورقة التطرف كاداة ضغط في السياسة الخارجية وهو ما يخالف القانون الدولي ويزعزع استقرار المنطقة.