“مصدر دبلوماسي”-فيينا- مارلين خليفة:
المؤلف الموسيقي وعازف العود الفلسطيني مروان عبادو يكرّس جزءا من وقته في العاصمة النمساوية فيينا من أجل مساعدة اللاجئين القادمين الى النمسا على التأقلم مع الحياة الجديدة التي تنتظرهم.
عبادو هو مؤلف موسيقي مشهور في العالم العربي عمل على تطوير الموسيقى مازجا بين الأشكال الموسيقية الشرقية وعناصر الموسيقى الغربية وآلاتها.
ولد في بيروت، ولكن أصله من فلسطين وتحديدا من بلدة كفربنعام في قضاء صفد القريبة من الحدود اللبنانية وجارة يارون ورميش.
تهجرت عائلة عبادو من فلسطين للمرة الأولى، وكان التهجير من نصيب الصبي اليافع للمرة الثانية من مخيم الضبية للفلسطينيين في بداية حرب عام 1975 على يد الميليشيات المسيحية، وبعد أعوام قليلة قرر أهله ارساله الى فيينا عام 1985.
يتذكر عبادو هذه التجارب الصعبة في يفاعه، وهو يحب مشاركتها ولا يغفلها في أحاديثه كونها جزء أغنى حياته في مكان ما. حين انتقل للعيش في فيينا واجه معاناة يتركها الحنين الى البلد الذي نشأ فيه أي لبنان، ولكن أيضا الى بلده الأم: فلسطين، وكان بالرغم من عدم تخطيه الـ18 من العمر منضويا في الحركة السياسية اليسارية في لبنان وفلسطين وقد بدأ عزف الموسيقى في فرق عدة.
في فيينا التي عمل فيها طويلا، وبعد موجات المهاجرين المتتالية وجّه عبادو مهنته كمؤلف موسيقي يعزف على العود ويغني القصيدة العربية لمساعدة الوافدين. لم تكن الفكرة جديدة، فقد بدأها أولا مع ابنته حنين حين كانت طفلة، إذ ألف لها أغنيات مرسومة من الأرقام تشغّل خيالها وتستخدم الكلمات بلغة عربية فصحى تتميز بالسلاسة.
من حضر مؤتمر “آكت-ناو” في اليومين الأخيرين بعنوان “تشكيل المستقبل:التماسك الإجتماعي في مدننا” تسنّى له مشاهدة أكثر من 40 طفلا وطفلة هم لاجئون من بلدان مختلفة يؤدون بتميز وفرح أغنيات عبادو، وقد نالوا تصفيقا حارا من الجمهور النخبوي الآتي الى فيينا من 30 بلدا ويتجاوز الـ150 مدعوا.
عام 2015 جاءت الى النمسا أفواج هائلة من اللاجئين والمهجرين وكان بينهم عدد هائل من الأطفال ومراهقين يفتقدون الأهل.
قام المؤلف الموسيقي عبادو بزيارة المخيمات التي تأوي هؤلاء في النمسا وراح ينظم ينظم ورشات عمل للشبيبة وللأطفال.
يقول لموقع “مصدر دبلوماسي”: “رافقني موسيقيون يتقنون بعض لغات المهاجرين، مثل الأفارقة، فرؤية اللاجئ الوافد حديثا لشخص يحكي لغته يمنحه شعورا بالطمأنينة ويعطيه أملا بإمكانية تحسن أحواله مستقبلا”.
أي فائدة أن نعزف للاجئ ونغني له؟
يقول مروان عبادو:”عندما نعزف في مكان معين يسود نوع من الهدوء والصمت، وكان همي الوحيد في بدايات زياراتي لمخيمات اللاجئين ان يتحرر هؤلاء ويقومون بعمل جماعي مشترك فيحصل اختلاط بين بعضهم البعض عبر المشاركة في عمل فني واحد، ولا أنفي أن الأمر سيف ذو حدين لأن هذا الهدوء يعيد للشخص شريط الذكريات الممض الذي عاشه في بلده، لكن العودة الى هذا الشريط مهمة أيضا لأنها تسمح بتجاوز الألم”.
ويروي عبادو عن أطفال “مدرسة أوسكار شبيل” لمؤسسها الذي تحمل إسمه وهو مربي نمساوي كان لديه الكثير من تلامذة فرويد وقد أولى الجانب النفسي أهمية في شؤون التعليم. يقول عبادو أن “غالبية الأطفال الذين شاركوا في الحفلة الموسيقية ضمن مؤتمر “آكت-ناو” هم أجانب لكنهم يأتون من أوضاع اجتماعية صعبة أو لاجئين”.
يضيف:” أزورهم أسبوعيا وأعمل على أن يعيشوا الموسيقى في حياتهم دون امتلاك آلة موسيقية وذلك عبر الإعتماد على أصواتهم وعلى حركة أجسادهم وعلى إحساسهم، لذا أركز على استخدام الأصوات الغريبة ذات الإيقاع الموسيقي، وقد علمتهم ايضا على طريقة للتحرك بحسب الألوان التي تنبثق منها أصوات، وهم صاروا يقومون بتشكيلات خاصة بهم مبنية على هذا النظام المرتبط مع الصوت”.
كبر الأولاد في غضون 6 أشهر، يقول عبادو، وصار لكلّ واحد منهم قصة، “طالما كان إسم الولد مفتاحا لي، أسأله لم اختار أهله هذا الإسم؟ أحيانا يعرف واحيانا يفتش ويسأل، وبعدها صار لكل واحد قصته الخاصة. هذه الثقة بالنفس دفعت هؤلاء الأطفال الى بدء رواية قصصهم بشجاعة وشغف، وهم لا يوفرون يوفروا التجربة التي مروا بها، لقد تغيروا وصاروا مجموعة متماسكة ولديهم شيء مميز يفتخرون به”.
يأتي هؤلاء في معظمهم من العراق وسوريا وأفغانستان والصومال،
” ثمة ولدان من سوريا بكيا حين سمعا صوت العود” يروي عبادو.
هذه إحدى تجاربه، أما في لبنان فقد عاش صدمة حقيقية حين زار أكثر من خمسة مخيمات فلسطينية مع مؤسسة “النجدة”، “اكتشفت أولا أن روضات الأطفال برمتها لم تعد مقتصرة على الفلسطينيين بل صار هنالك الكثير من السوريين، وبعد أن احتكيت بحوالي الـ 350 طفلا لم يعرف أحد منهم اسم الآلة التي احملها وهي العود!”. يضيف:” بالنسبة إلي كانت المجزرة الكبرى حين سألت الأولاد: ما هي هذه الآلة؟ فأجابوا: طن طن!
يعلّق عبادو:”ثمة جهد هائل يجب بذله في المخيمات وفي كل المدارس والتركيز على المفردات، فالعود هي آلة الشرق والعرب وهي الناطق الرسمي بأي ثقافة عربية، كذلك يجب التركيز على اللغة لأنها مهمة، وأنا اشجع كثيرا على استخدام القدرات المحلية وعدم التعويل على الأجانب فحسب، وهنا أشير الى أن الأطفال في المخيمات اللبنانية ظنوا بداية انني اجنبي ثم اكتشفوا انني كنت اعيش مثلهم في مخيم، وهذا ما منحهم شعورا بالطمأنينة مفاده بأن العلم يوصلهم الى النجاح الذي ويغير حياتهم حياتهم ومستقبلهم”.