“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
ينعقد غدا الأحد إجتماع استثنائي في مدينة جدّة السعودية لوزراء خارجية “منظمة التعاون الإسلامي” لمناقشة مسألة إطلاق صاروخ باليستي من اليمن على العاصمة السعودية الرياض وقد اتهمت المملكة إيران تحديدا في إشارة ضمنية الى دعم طهران للحوثيين اليمنيين المناهضين لها.
وقد تلقى لبنان العضو في المنظمة دعوة رسمية للمشاركة نقلها الأسبوع الفائت السفير السعودي في لبنان وليد اليعقوب الى وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، وبحسب معلومات موقع “مصدر دبلوماسي” فإن باسيل لن يحضر الإجتماع شخصيا، بل سيمثل لبنان السفير اللبناني الحالي في الرياض عبد الستار عيسى(السفير المعيّن حديثا في المملكة فوزي كبارة لم يتسلم مهامه رسميا بعد).
ولعلّ هذا الإجتماع الثاني الذي تدعو اليه المملكة لمناقشة مسألة الصواريخ الباليستية بعد أول استثنائي ايضا في جامعة الدول العربية في القاهرة، يشير الى احتدام الأزمة بين السعودية وإيران على خلفية الأزمة اليمنية، ويؤكد معلومات دبلوماسية متداولة من أنّ الترسانة الصاروخية الإيرانية باتت في عين المجهر الأميركي والخليجي، ويتلاقى مع التقارير الدبلوماسية حول الإستمرار في “خنق” إيران اقتصاديا وماليا بغية الحدّ من قدراتها التي تستخدمها لمدّ نفوذها في الخارج وخصوصا في الشرق الأوسط، ويؤكد بأن كل هذا الضغط يسهم في اشعال الغضب الإيراني الداخلي من الأوضاع الإقتصادية الصعبة والقيود المصرفية التي لا تزال موجودة بشكل كبير.
كيف تنظر إيران الى اجتماع جدّة؟ وما مضمون الرسالة التي وجهتها الى “منظمة التعاون الإسلامي”؟ وما هو وقع الضغوط الإقتصادية والمالية على الصناعة والزراعة والتجارة؟ وهل ستخضع طهران لهذه الضغوط وتوقف اي ارتباط مع حلفائها أو “أذرعها” في المنطقة العربية والشرق الأوسط وفي مقدمتهم “حزب الله” كما يريد خصومها؟ وكيف تستثمر الولايات المتحدة الأميركية العقوبات الخاصة لتكبيل إيران؟
رسالة اعتراضية ايرانية الى “منظمة التعاون الإسلامي”
استبقت وزارة الخارجية الإيرانية اجتماع جدّة الذي سيحضره ممثل عن وزير الخارجية الإيراني لأن إيران هي عضو في “منظمة التعاون الإسلامي” بإرسال رسالة شديدة اللهجة الى رئاسة المنظمة تعترض فيها بشدة على الدعوة السعودية لهذا الإجتماع الإستثنائي.
وتساءلت الرسالة التي اطلع موقع “مصدر دبلوماسي” على مضمونها عن مدى جدوى عقد اجتماع استثنائي يتهم دولة عضوا في المنظمة باطلاق صواريخ على دولة أخرى من دون وجود أية وثيقة تثبت ذلك، واشارت الرسالة الى ان هذه الدعوة السعودية تؤدي الى تفسّخ في التضامن الاسلامي، واكملت التساؤل عما هو اجدى لعقد هذا الإجتماع: هل هي الطاقة الصاروخية اليمنية التي تدافع عن نفسها واقحام ايران فيها؟ ام الكارثة الإنسانية التي أدت الى موت أكثر من مليون يمني والتي تتهم فيها طهران الرياض؟ ودعت طهران في الرسالة المذكورة “منظمة التعاون الإسلامي” الى عقد اجتماع طارئ آخر يبحث كيفية ادخال المساعدات الإنسانية الفورية الى اليمنيين المحاصرين واستئناف المحادثات حول المسألة اليمنية والتحقيق في الكارثة الإنسانية التي تلحق بالشعب اليمني.
العقوبات لتغيير النظام الإيراني
تدرك إيران بأن اعتراضها لن يجدي نفعا في الوقت الراهن وسط تحالف أميركي سعودي متين ضدّها، وتشير أوساط دبلوماسية متابعة لموقع “مصدر دبلوماسي” الى أن الصواريخ هي إحدى الحجج الأميركية التي تخيف بها الولايات المتحدة دول المنطقة لابتزازها بالمال والسلاح. أما السبب الثاني والأهم فيتمثل بأن النظام الإسلامي في إيران هو الوحيد الذي يواجه إيديولوجيا للولايات المتحدة الأميركية. ففي الحرب الباردة واجهت أميركا الإيديولوجيا الماركسية والآن تعتبر النظام الإيراني منافسا إيديولوجيا جديا لها بسبب تأثيره في مناطق عدة من العالم.
برأي ايران أن الترسانة الصاروخية الإيرانية ليست سوى إحدى الذرائع التي ترفعها الولايات المتحدة الأميركية كل مدة في وجه إيران ومن ضمنها اتهامها بالإرهاب وبعدم احترام حقوق الإنسان والملف النووي وسواها، وهذه الذرائع والحجج تسهم في تحقيق الهدف الأول للولايات المتحدة الأميركية وهو الإبقاء على العقوبات الإقتصادية والمصرفية ضدّ إيران والتي أثبت الحراك الشعبي الإيراني الذي حصل مطلع السنة الحالية واستمر قرابة الثلاثة أسابيع أن سلاح العقوبات مهم وقادر على أن يصب في هدف تغيير النظام.
المصارف أداة الحصار الأولى
منذ انجاز الإتفاق النووي بين إيران ومجموعة الدول المعروفة بالخمسة زائد واحد عام 2015، تمت ازالة كل العقوبات المندرجة ضمن قرارات أصدرها مجلس الأمن الدولي، أي العقوبات الدولية. لكن ما لم يحسب له الإيرانيون حسابا هو عدم احترام الولايات المتحدة الأميركية لالتزاماتها الدولية مع بدء عهد الرئيس دونالد ترامب، فلم تلغ الولايات المتحدة الأميركية عقوباتها الخاصة التي وضعتها على إيران والموزعة على مستويات عدّة، وهي قادرة على تكبيل الإقتصاد الإيراني بشكل كبير.
وأبرز الأمثلة التي يمكن سوقها في هذا المجال تتعلق بشركات الطيران.
توجد في إيران شركتين للدولة هما: “الخطوط الجوية الإيرانية” وشركة “آسمان”، ومنذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979 منعت الولايات المتحدة الأميركية تزويد هاتين الشركتين بأية طائرات مدنية جديدة ولا حتى بقطع غيار للصيانة.
وبعد الإتفاق النووي، لم تسمح الولايات المتحدة لشركة “بوينغ” وهي عملاق الطائرات الأميركية ببيع أية طائرة للشركتين الإيرانيتين بعد بدء مفاوضات كادت أن تؤدي الى توقيع عقد شراء ضخم. كذلك قامت أميركا بالضغط على شركة “إيرباص” الأوروبية التي زودت إيران بطائرتين مدنيتين فحسب من أصل مئة طائرة تم الإتفاق على استيرادها.
في الشأن المصرفي، فإن الولايات المتحدة الأميركية التي رفعت العقوبات الدولية عن ايران ابقت على عقوباتها المصرفية تحت مظلة البنك الفيديرالي الأميركي الذي هدد المصارف الأوروبية والروسية والصينية وحتى الهندية بأن أي تحويل للأموال من والى المصارف الإيرانية سيؤدي الى قطع اية علاقة بالمصارف الأميركية، وهو مما أدى الى امتناع هذه المصارف العالمية عن أي تعاون مع نظيراتها الايرانية خوفا لأن أي تعامل بالدولار أو باليورو يجب أن يمر بالبنك الفيديرالي الأميركي.
وهذا يعني عمليا، وبحسب الأوساط الدبلوماسية المتابعة للشأن الإيراني بأن الولايات المتحدة الأميركية سمحت برفع العقوبات الدولية أي رفع الحظر عن “السويفت” أي نظام التحويل المصرفي من والى المصارف الإيرانية، ولكنها عمليا منعت أي مصرف من تطبيق تحويل الأموال تحت مطرقة إزالة أي علاقة مالية له مع مصارفها.
وهذا الأمر يعني عمليا بأن أي شخص إيراني يعيش خارج إيران لا يمكنه ايضا فتح اي حساب في مصرف البلد الذي يعيش فيه ولا يمكنه تحويل الأموال.
أما على صعيد الدولة الإيرانية فثمة صعوبة بقبض عائدات تصدير النفط، وقد حصرت علاقة إيران المصرفية ببعض المصارف الأوروبية الصغرى التي لا تفي بغرض الكميات الهائلة من الصادرات الإيرانية.
هذا الأمر أدى الى التأثير السلبي على القطاعات الصناعية والزراعية واقفل مشاريع عدة وزاد نسبة العاطلين عن العمل في ايران بسبب عدم القدرة على استلام عائدات النفط وتعطل ركيزة أساسية من التعامل التجاري بين الدول وهي الوسيط المصرفي الضامن لهذه العلاقات.
خطة الإقتصاد المقاوم
إزاء هذا الواقع، وبعد الحراك الشعبي الأخير الذي انطلق من شعارات اقتصادية ومعيشية قررت الحكومة الإيرانية إعادة تفعيل خطة “الإقتصاد المقاوم” أي الإعتماد على الطاقات الداخلية الإيرانية بعد استشعار خطورة الأمر، ما سيؤدي بحسب الحسابات الإيرانية الى زيادة الطاقة الإنتاجية الإيرانية وخصوصا في القطاعين الصناعي والزراعي، مع العلم بأن الرئيس الإيراني حسن روحاني رفض إضافة أية ضرائب جديدة على الشعب في الميزانية الجديدة وهو عامل رئيسي في التظاهرات التي نشأت، فضلا عن قرار الحكومة الإيرانية التعويض على جميع من خسروا أموالهم في مؤسسات مالية أفلس أصحابها أخيرا.
الإستراتيجية الخارجية مستمرة: لا تخلّ عن “حزب الله”
لكن، كيف ستتعامل إيران مع الشعارات التي رفعها الشارع الإيراني ضد سياستها الخارجية لا سيما شعار:” لا غزة ولا لبنان روحي فدى إيران”، وشعار آخر يقول “أتركوا سوريا ساعدونا”، وهل ستستمر طهران بدعم حلفائها وخصوصا “حزب الله”؟ أم أنها ستنكفئ للإهتمام بالداخل الإيراني؟
ترى الأوساط الدبلوماسية المتابعة بأن الشعارات التي رفعت في الحراك الأخير لم تكن معممة بل محصورة في تظاهرة أو اثنتين، وبحسب اوساط متابعة أنه تمّ اقحام هذه الشعارات بشكل مصطنع من من جهات خارجية لإحراج إيران من جهة ولإحراج حلفائها والضغط عليهم معنويا من جهة ثانية. وتشير الأوساط الى أن ما أرادت هذه الجهات تصويره للدول أو للجهات المتحالفة معها يتمثل بأن إيران ليست حليفا موثوقا وقويا يمكن الرهان عليه الى ما لا نهاية، وعليكم بالتالي تغيير وجهة تحالفكم الى جهات أخرى بسبب المعارضة الشعبية الإيرانية لسياسة الحكومة الخارجية. وتلفت الأوساط المذكورة الى أن الهدف من ذلك خلق حالة من اليأس لدى حلفاء إيران. وماذا ستكون سياسة إيران تجاه “حزب الله” بعد الحراك المذكور؟ تشير الأوساط المذكورة والمتابعة للشؤون الإيرانية الى أن سياسة إيران واستراتيجيتها تجاه “حزب الله” والمقاومة مبنية على مبادئ تلقى دعما جذريا من الحكومة ومن الشعب الإيراني بسواده الأعظم. وتلفت الى أن المعلومات تشير الى إن شهداء إيران في سوريا هم في معظمهم من المتطوعين الذين قدموا الى سوريا للدفاع عنها وليسوا من الحرس الثوري. ما يعني أن الناس في إيران يحبون المقاومة من لبنان الى فلسطين. وبحسب تقدير الأوساط أن لا تأثير للشعارات التي رفعت على استراتيجية إيران حيال حلفائها في المنطقة وفي مقدمتهم “حزب الله” لسببين: الأول أن دعم إيران مبني على مبدأ أساسي إذ ترى إيران في اسرائيل كيانا عدوا للمنطقة وعامل تخريب للأمن فيها، لذلك هي تدعم كل من يواجه اسرائيل والثاني أن ايران لن تتراجع عن سياستها الإستراتيجية لحلفائها في المنطقة ولن تتخلى عن قضية فلسطين.