“مصدر دبلوماسي”:
نظّم “الحزب اللبناني الواعد” ندوة حوارية حول “القدس- عاصمة عالمية”، تهدف الى شرح مكانة هذه المدينة في الوجدان المسيحي اللاهوتي والاجتماعي والقانوني، تحدث خلالها: الأرشمندريت اغابيوس ابو سعدى راعي كنيسة مار الياس للروم الملكيين الكاثوليك في حيفا- فلسطين، الأب الدكتور يوسف نصر رئيس مدرسة المخلص في جعيتا، الدكتور انطوان صفير الأستاذ المحاضر في القانون الدولي، الأستاذ فارس فتّوحي رئيس “الحزب اللبناني الواعد”، وأدارها رئيس “نادي الصحافة” الاعلامي بسام أبو زيد، وذلك في نادي الصحافة- الشفرولية.
تحدث الأرشيمندريت أبو سعدى عن القدس في الوُجدان المسيحيّ، كما في الوُجدان الوطنيّ والقوميّ، البُعد الكنسيّ وخصوصا مساهمات كنيسة الروم الملكيّين الكاثوليك.
وفي خلاصته دعا رئيس دولة فلسطين محمود عباس أن يُصدر تعليماتِه بوضع رمز كنيسة القيامة بجانب قبّة الصخرة الذهبيّة على اسم فلسطين. فالمسيحيّون الفلسطينيّون عامّة والمقدسيّون خاصّة يشعرون بأنّهم غرباء أو متغرِّبون عن ما يحدث في القدس وكأنّ الصراع بات يهوديًّا – إسلاميًّا. إنّ المستفيد الأوّل والأخير من تحويل الصراع على القدس إلى صراعٍ دينيّ هي إسرائيل، التي تعتبر نفسها الأحقّ تاريخيًّا ودينيًّا في القدس، وإنّ إقصاء المسيحيّين الفلسطينيّين عن القدس يخدم مصلحة إسرائيل ولا يخدم القضيّة الفلسطينيّة.
وقال: لا بدّ من اتّخاذ خطواتٍ عمليّةٍ في موضوع مناهج التاريخ، بحيث يَظهر فيها دور المسيحيّين المشرقيّين عامّة والفلسطينيّين خاصّة في كتابة تاريخ وطنهم وتأثيرهم فيه وهم يكادون لا يُذكَرون في المناهج الدراسيّة. فالطبقة النُخبويّة تَعِي تمامًا أهميّة الوجود المسيحيّ في المشرق وفلسطين، ولكنّ المشكلة تكمن في الطبقة الشعبيّة التي باتت غير قادرة على التّمييز بين المسيحيّ القوميّ وذلك المستَعمِر، ممّا يزيد من حِدّة التعصّب والرفضيّة للشريك المسيحيّ لا بل وتهميشه باعتباره من “بقايا الصّليبيّين”.
وأكد أنّ المسيحيّة المشرقيّة ليست أقليّة ولا تُقاس بالأرقام، وليست الحلقة الأضعف بل هي ملح الأرض، ومذود النهضة الفكريّة الحضاريّة، ولا تقبل الدُونيّة، أو التقوقع أو الإنعزاليّة أو الإحباط بسبب بروز التيار التكفيريّ الأصوليّ الذي يقتل ويخطف ويُهجِّر، ويحرق الكنائس والأديار. فالصوت المسيحيّ الوطنيّ يؤكّد على الحضور المسيحيّ الأصيل على هذه الأرض، والذي بدوره ينادي بالمواطنة، والمساواة، والعدالة، والكرامة، والمشاركة في صناعة القرار الوطنيّ دون مِنّةٍ من أحد.
التاريخ والدين
من ناحيته، تحدث الأب نصر عن الناحيتين التاريخية والدينية وعن مفهوم أرض الميعاد من الناحية الدينية، كما تطرق الى موقف الكنيسة من القضية الفلسطينية مؤكدا أن “القدس، التي مرّ عليها حكّام من كلّ الأديان ومن كلّ الشعوب، آن الأوان ليفهم الجميع أنّه لا يمكن أن يحتكرها أيّ شعب ولا أيّ دين ولا أيّ دولة. إنّها مدينة مقدّسة لجميع المؤمنين بالله من يهود ومسيحيّين ومسلمين، المدعوّين إلى أن يعيشوا فيها معًا بسلام ويبنوا في العالم سلام الله.
ألا ينبغي أن تكون القدس الحاليّة، في أمنها وسلامها، صورة لأورشليم السماويّة حيث سيلتقي جميع المؤمنين من مختلف الأديان ويسبّحوا معًا الله الواحد خالق جميع الناس؟”
الوضع القانوني
وتحدث الدكتور صفير عن الوضع القانوني لمدينة القدس وفند القرارات الدولية من هذه المسألة: وهي قرارات الجمعية العامة:
- ١٨١/١٩٤٧: أقرّ تقسيم القدس مع وصاية دولية على الأراضي المقدسة.
- ٢٠٣/١٩٤٩ : لا اعتراف باعلان القدس عاصمة لإسرائيل.
- ٢٢٥٣/١٩٦٧ : تطبيق القانون الإسرائيلي على القدس الشرقية غير شرعي.
- ١٠/١٤/٢٠٠٣ الطلب من محكمة العدل الدولية اصدار فتوى حول الجدار الفاصل.
- /٩٦/٧١//٢٠١٦ التأكيد على أن اتفاقية جنيف (حماية المدنيين وقت الحرب) تطبق على الأراضي المحتلة بما فيها القدس الشرقية.
وقرارات مجلس الأمن:
- ٢٤٢/١٩٦٧ طلب انسحاب اسرائيل من أراضي ما قبل حرب ١٩٦٧.
- ٢٥٣/١٩٦٨ دعوة اسرائيل الى إلغاء إجراءاتها لتغيير وضع الرتبة.
- ٤٧٦/١٩٨٠يعلن بطلان الإجراءات الإسرائيلية لتغيير طابع القدس.
- ٤٧٨/١٩٨٠ عدم الأعتراف بالقانون الإسرائيلي بشأن القدس ودعوة الدول الى سحب بعثاتها من المدينة.
- ٦٧٢/١٩٩٠يؤكد أن القدس محتلة.
- ٢٣٣٤/٢٠١٦ لا شرعية قانونية لانشاء المستوطنات في القدس.
وأكد أنه لم يحصل أي اعتراف قانوني باحتلال القدس الغربية ولكن حصل اعتراف سياسي ضمني بالواقع القائم (اتفاقية الهدنة مع الأردن ١٩٤٩). ومن البديهي القول إن وضعية القدس القانونية منفصلة عضوياً وقانونياً عن بقية الأراضي المحتلة. كما أن إدعاء اسرائيل السيادة على القدس ليس له مستند قانوني حاسم.وختم بالتأكيد على أن لبنان دفع ثمناً باهظاً للقضية الفلسطينية وأن السلاح في لبنان ليس ضرورياً على الإطلاق وحق العودة مطلب استراتيجي لبناني رفضاً للتوطين.
أهمية القدس مسيحيا
وقال رئيس “الحزب اللبناني الواعد” فارس فتّوحي في كلمته “نحن هنا اليوم لأن قضية القدس تهمنا كلبنانيين أولاً، وكمسيحيين ثانيًا. نعم، هذه قضية وجودية ومصيرية، على عكس ما يعتقد البعض بأنها مشكلة بعيدة بالجغرافيا والسياسة، ولنتترك باب الريح مقفلاً! أبدا نحن في عين الريح والعاصفة! لا يمكن الهروب من أزمات المنطقة وإلتزام الحياد عن النزاعات الإقليميّة… ولا يمكن التصرف ملوكيين أكثر من الملك، بعدما طبّع الفلسطينيين والسلطة الفلسطينيّة علاقتهم مع اسرائيل منذ العام 1993، تاريخ توقيع إتفاق أوسلو… ولكن لا بد من التنبه للمخاطر يالتي قد توصلنا اليها هذه التطوّرات.”
أضاف: “وهذا سبب دعوتنا الى الندوة للتوضيح أمام الرأي العام بأن القدس قضيّة عربيّة فلسطينيّة ولكنها أيضًا تعني لبنان وتؤثر عليه بشكل أساسي ومباشر. وهنا قضيتنا. الأكيد أن قرار دونالد ترامب إعتماد القدس كعاصمة اسرائيل خطير جدًا إذا سلّمنا بنتائجه، ولكن بداية لنسلّط الضوء على التفاعل الأممي مع هذا القرار الذي يدل بوضوح على أن الدول الكبيرة والصغيرة متنبهة لخطورة هذه الخطوة الأحادية، ونتائجها الاعتباطية. 8 دول فقط من بينها اسرائيل أيدت واشنطن في معركتها في الأمم المتحدة مقابل 128 دولة رفضت المس بوضع القدس القانوني والديمغرافي، علما بأن المعركة الحقيقية هي عند المجتمعات العربية وحكوماتها، وهي بالأخص في الداخل الفلسطيني حيث نأمل أن يشهد انتفاضة جديدة”.
وأشار الى “أن تغييرا جذريا حصل عندنا، اذ صار اللبنانيون متأكدين أن أهداف اسرائيل ضرب الفكرة اللبنانيّة التي تشكّل نموذجاً للتعدديّة وقبول الآخر والتي تؤكد على أن التعايش الإسلامي المسيحي معقول لا بل ضرورة. لبنان الرسالة، كما سمّاه البابا يوحنا بولس الثاني بشكّل تحدّياً، وينسف المفهوم الإسرائيلي للدولة الدينيّة، وضرب النموذج اللبناني هو خدمة لإسرائيل، من خلال تقسيم لبنان والمنطقة لدويلات عرقيّة ودينيّة حسب الحاجة والخصوصيّة. وفق القاموس الإسرائيلي والأميركي لا مكان للمسيحيين في لبنان المقسّم، وقد حاولتا التخلّص منهم عبر اقتراح السفير براون بترحيلهم بسفن وتوطين الفلسطنيين في أرضهم”.
وأعاد التذكير بأنّ “مسائل القدس واللاجئين والمستوطنات رحلت من النص الأساسي لاتفاقية أوسلو، وهذا الترحيل لم يحصل عن عبث، واليوم بتنا نفهم سبب هذا الترحيل بعدما أثبتوا أنهم يريدون القدس عاصمة لإسرائيل وقد صار الاستيطان خارج اطر التفاوض. الخطورة بالنسبة لنا تكمن في مسألة اللاجئين حيث سيتم التخلي عن حق العودة بالتالي سيصار الى توطين الفلسطينيين في لبنان. ما يهمنا هو أن هذه القضايا الثلاثة هي سلسلة مترابطة ويتم التفريط بحلقاتها الواحدة تلو الأخرى، وخوفنا من نتائج هذا التفريط فيصار الى فرض التوطين”.
وقال: “إنطلاقًا من هذا الربط الموثّق بإتفاقية أوسلو، نعتبر أن معركة تثبيت القدس عاصمة لفلسطين هي معركتنا، مسلمين ومسيحيين ومعركة كلّ عربي شريف وكل لبناني وطني، وإنّ مناهضة التطبيع، هو واجب كلّ لبناني حريص على سيادة دولته ووحدتها من مخطط التقسيم وإعادة إحياء الحرب الأهليّة من جديد”.
اضاف: “كما أنه ومن منطلق مشرقيّتنا المسيحيّة، لا بد أن نعود الى أساس المشكلة وأوّل ردّة فعل مسيحيّة، ونعني به بيان الفاتيكان الذي جاء في اطار الرّد على المؤتمر الصهيوني في بازل عام 1897 وورد فيه: “إن بناء القدس كي تصبح مركزًا لدولة اسرائيل يتناقض مع نبوءات المسيح نفسه“. ومن ثم تأكيد البابا بيوس العاشر عام 1904 الذي رفض بشكل عام بعد لقائه مؤسّس الحركة الصهيونيّة تيودور هرتزل إقامة الوطن اليهودي لأنّه: “يتناقض مع المعتقد المسيحي“. ومن ثم البابا بندكتوس الخامس عشر الذي قال: “لا لسيادة اليهود على الأراضي المقدّسة“.
ولفت الى أن “المعركة تتجدّد اليوم، وهي معركة حياة أو موت، والقدس هي خطّ الدفاع الأوّل والذي إذا سقط، ستنهار معه مدن ودول. القدس هي خط الدفاع عن حق العودة، وهي متراس حمايتنا من التوطين. واذا سقطت زهرة المدائن، فُرض التوطين علينا. على كل مسيحي وقبل أي مسلم ان يعتبر معركة القدس معركته وأن اسرائيل تستهدفه قبل المسلم، وإنّ التعايش المسيحي العربي مع المسلم العربي في دولة واحدة هو تهديد لمعتقدات الاسرائيليين وفلسفتهم لتكوين الأوطان. الإسرائيليون يسعون لإنهاء فكرة التعايش ضمن وطن تعدّدي ويعملون على فرض التقسيم، ويريدون تهجير المسيحييّن بشكل نهائي من منطقة الشرق الأوسط، لإسقاط فكرة الدول التعدّدية والتعايش الإسلامي المسيحي”.
وقال: “القدس عاصمة فلسطين، القدس عربيّة، لمسلميها ومسيحييها ولكلّ الديانات السماويّة. وحين تسقط هذه الفكرة ستسقط كل القضية. علينا أن نكون أكيدين أن طريق رفض التوطين وطريق المحافظة على النموذج اللبناني، تمرّ بالقدس. السكوت عن صفقة القرن هو جريمة، والحياد عن هذا الموضوع استسلام. وهنا بصحّ قول المسيح: “مرتا مرتا، تهتمين بأمور كثيرة والمطلوب واحد”. المطلوب من الجميع اليوم وقفة مع الحق نصرةً للعدل والسلام، وإلاّ علينا وعلى الدنيا السلام”.
وحضر الندوة ممثل قائد الجيش العقيد الركن سليم علي أحمد، ممثل مدير المخابرات المقدم زياد رموز، ممثل مدير عام أمن الدولة المقدم نبيل الذوقي، ممثل مدير عام الأمن العام العقيد ايلي الديك، عضو المجلس السياسي في “حزب الله” الحاج محمد سعيد الخنسا، ممثل السفير الفلسطيني ناصر الأسعد، ممثل المطران ميشال عون الأب اميل داغر، ممثل نقابة المحامين المحامي فادي بركات، أمين عام المركز اللبناني للدراسات الاستراتيجية عبد الله ريشا، وحشد من المهتمين.