“مصدر دبلوماسي”
في ختام اعمال مؤتمر الدول الداعمة للبنان الذي انعقد في باريس اليوم عقد من وزير الخارجية الفرنسية جان ايف لو دريان ورئيس مجلس الوزراء سعد الحريري ونائبة الامين العام للامم المتحدة انيسة محمد مؤتمرا صحافيا مشتركا استهله الوزير الفرنسي بكلمة قال فيها:
لقد رغب الرئيس امانويل ماكرون في عقد اجتماع لمجموعة الدعم من اجل لبنان اليوم هنا في باريس بعد سلسلة من الخطوات التي عملت عليها فرنسا كثيرا لتلافي ازمة خطيرة، ونحن مسرورون بوجود رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري هنا، بعد أسبوعين من الزيارة التي قام بها إلى باريس بدعوة من الرئيس الفرنسي سابقا، وبعد بضعة أيام من تأكيده على تراجعه عن الاستقالة. كما كنت سعيدا باستقبال نظيري اللبناني جبران باسيل الذي أود أن أحييه وأحيي الجهد الكبير الذي بذلته الأمم المتحدة وأشكر بالمناسبة السيدة نائبة الأمين العام للأمم المتحدة على وجودها والتزامها.
وفي نهاية هذا اللقاء، أود أن ألخصه بكلمات ثلاث: الوحدة قبل كل شيء. إن الشركاء في المجموعة الدولية لدعم لبنان ذكّروا اليوم بحرصهم الكامل وبالإجماع على سيادة لبنان ونظامه القائم على التعددية واحترام التنوع الديني. وثانيا، العزم السياسي، ونحن التزمنا بدعم لبنان والجيش والقوى الأمنية اللبنانية في مواجهة المجموعات الإرهابية، وندعو مختلف الأحزاب اللبنانية ألا تنزلق أو تشارك في النزاعات الخارجية وان لا تسإلى جلب الى بلدها التوترات الإقليمية، وهذا ما نسميه النأي بالنفس. وأخيرا أذكر بالمساهمة الأساسية لقوات الأمم المتحدة العاملة في جنوب لبنان “اليونيفيل” في إرساء الاستقرار في الجنوب. إذا الوحدة والتصميم ثم تجنيد القوى. هذا الاجتماع سمح بإطلاق مبادرة جديدة للبنان، وأقصد تحديدا المؤتمران لدعم لبنان اللذان أعرب الرئيس الفرنسي عن أمله بعقدهما، وذلك خلال زيارة الرئيس عون إلى باريس: المؤتمر الاول مخصص لدعم الاستثمار في لبنان والذي توليه المانيا دعمها الكبير القيم و سيعقد في باريس في آذار المقبل وسيسمى مؤتمر باريس 4، وهو يأتي بعد اجتماعات سابقة تعنى بدعم الاستثمار في لبنان، والمؤتمر الثاني سيخصص لدعم الجيش اللبناني والقوى الأمنية مع المبادرة الإيطالية التي أحييها وأدعمها، وبدعم من الأمم المتحدة. وأخيرا سوف يكون هناك مؤتمر ينظم في بروكسل للاستجابة للاحتياجات الإنسانية ومساعدة لبنان على تحمل العبء الذي يمثله ملايين اللاجئين على أراضيه. وأود هنا أن أحيي العمل الذي تقوم به ممثلة الاتحاد الأوروبي في هذا السياق. هناك تماسك واتفاق فيما يتعلق بالثقة التي عبرنا عنها جميعا تجاه لبنان. هذا البلد بحاجة إلى مؤسسات متينة لمواجهة التحديات التي ذكرتها للتو، واجتماع اليوم سيقدم مساهمة قيمة على ما أعتقد لمواجهة هذه التحديات. هذا ما أقوله حول الاجتماع الذي دار في جو إيجابي للغاية.
الحريري
ثم تحدث الرئيس الحريري فقال: “أتوجه بالشكر للرئيس ماكرون ولفرنسا على عقد هذا المؤتمر. هذا الاجتماع شهد إجماعا على استقرار لبنان، والجميع ينتظر أن يطبق قرار الحكومة النأي بالنفس من قبل كل المكونات السياسية ، وأنا أرى أن كل الأفرقاء السياسيين، من خلال وجودي في الحكومة، يريدون تطبيق هذا القرار، كما تحدثنا عن الاستقرار الاقتصادي والأمني وعن خارطة طريق للتوصل إلى هذا الهدف. هناك مؤتمر سيعقد في روما لمساعدة الجيش وكل القوى الأمنية، وهناك مؤتمر اقتصادي للاستثمار بكل البنى التحية، وسيعقد في باريس وسيكون مهما للاقتصاد اللبناني.
نحن ملتزمون بإجراء الانتخابات في وقتها المحدد كما نص عليه القانون، وهناك برامج للإصلاحات علينا القيام بها في لبنان لكي نحسن اقتصادنا خاصة فيما يتعلق بالقطاع الخاص، لأنه في مؤتمر باريس سيكون للقطاع الخاص جزء كبير من تنفيذ هذا البرنامج”.
وأضاف: “الأزمة الكبيرة التي نعاني منها في لبنان هي أزمة النازحين، ولبنان يدفع ثمنا كبيرا جدا نيابة عن العالم. فالنازحون يدخلون إلى لبنان، ونحن كدولة اتخذنا موقفا واضحا وصريحا بالنسبة لهؤلاء، والحل الوحيد بالنسبة لنا هو أن يعود هؤلاء النازحون إلى بلدهم، ولكن في نفس الوقت أن تكون عودتهم الى بلدهم آمنة . وحتى ذلك الحين لبنان يدفع هذا الثمن، وعلى العالم أن يتفهم كم يتحمل لبنان من اعباء. نحن نشكر كل الدول التي تساعد لبنان، لكننا جميعا نعلم أن هذه المساعدة ليست كافية. لقد كلف النزوح اقتصادنا الوطني ما يزيد عن عشرين مليار دولار منذ نشوب هذه الأزمة، كما أن لدينا مشاكل اجتماعية واقتصادية وصحية وبيئية، إضافة إلى التحديات الأمنية التي يواجهها اللبنانيون. لذلك فإن مساعدة لبنان لحل هذه الأزمة أمر مهم جدا وأساسي. ما يحل هذه الأزمة هو عودة هؤلاء النازحين، ولكن حتى تحقيق ذلك، على المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤولياته تجاه لبنان وتجاه هؤلاء النازحين”.
وختم قائلا: “أود أن أشكر فرنسا على الجهود التي تقوم بها لمساعدة لبنان وإحلال الاستقرار فيه، إن كان على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الأمني. هذا المؤتمر اليوم يؤكد على الاستقرار السياسي، مؤتمر روما سيؤكد إن شاء الله بنتائجه الإيجابية على دعم الجيش اللبناني والقوى الأمنية، بما يساعد في إحلال الاستقرار الأمني. أما بالنسبة للاستقرار الاقتصادي، فإن مؤتمر باريس سيكون لمساعدة لبنان على مواجهة التحديات الاقتصادية الماثلة. من هنا أشكر وزير الخارجية الفرنسي وأشكر الأمم المتحدة على كل الجهود التي تقوم بها. مشوارنا طويل معكم وسنواصله سويا إن شاء الله”.
الأمم المتحدة
ثم تحدثت نائبة أمين عام الأمم المتحدة أمينة محمد فقالت: “لقد كان يوما عظيما فعلا بالنسبة للبنان، وهذه الفرصة نقدرها حق قدرها ونشكر الرئيس ماكرون والحكومة الفرنسية على توفير هذا الإطار لنا لنجتمع ونلتقي ونتحدث حقا عن هذا الزخم المطلوب نظرا للأحداث الأخيرة. علينا أن نحافظ على تضامننا مع لبنان وأن نحافظ على استقراره باحترام الالتزامات، ولكن هناك أيضا الدعم الذي يجب أن نقدمه له. فلا يمكن أن نحافظ على هذا التضامن ونراهن على الاستقرار إلا إذا كانت هناك تنمية اقتصادية. الشباب والنساء، هذه مواضيع لا نتحدث عنها كثيرا عندما نخرج من هذه الاجتماعات، لكن إذا تحدثنا عن الاستدامة وعن تعزيز هذه المكاسب، فإن هذا يعتبر نجاحا. لكن الأمر لا يتوقف هنا، فعندما يعود الرئيس الحريري إلى لبنان، هناك سوف يبدأ العمل للسلام والاستقرار. لكن انظروا مثلا إلى ما يمكن أن تكون عليه المنطقة. صحيح أننا في أيام عصيبة، ونحن بحاجة لأن نرى ما نراه في لبنان، ونشكر ونهنئ فرنسا ونهنئ أنفسنا على نصّ البيان المشترك الذي توصلنا إليهن وأتمنى النجاح في العمل في الأشهر المقبلة.
حوار
سئل الوزير الفرنسي: هل تواصلتم مع المملكة العربية السعودية؟ وهل كانت هناك التزامات منها باحترام استقرار لبنان؟ وكيف يتم دعم الجيش اللبناني عمليا؟
أجاب: علاقات فرنسا مع السعودية هي علاقات ثقة وشفافية كبيرة جدا، فيما يتعلق بالقرارات والنوايا ومبادرات الطرفين، وبالتالي فإن هذا الاجتماع حصل بعلم كل الأطراف والفعاليات، بما في ذلك السعودية.
أما بشأن دعم الجيش والقوى الأمنية، فإن هناك اجتماع سيعقد في روما لحشد الإمكانات لتعزيز قوى الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي، وآنذاك سوف نحشد الإمكانات تحت مسؤولية الرئيس ميشال عون والرئيس سعد الحريري.
سئل الوزير الفرنسي: ما هي رسالتكم من تنظيم هذا المؤتمر؟ وما هي الرسالة التي توجهونها للفعاليات اللبنانية والإقليمية والدولية في ظروف إقليمية متوترة؟
أجاب: الرسالة واضحة وبسيطة، وقد تحدثت عنها في كلمتي كما أن الرئيس ماكرون تكلم عنها في خطابه الافتتاحي. نحن نلاحظ بارتياح كبير وحدة الأسرة الدولية حول مبدأ سيادة واستقلال لبنان ومبدأ النأي بالنفس عن كل الأزمات والتوترات الإقليمية. نحن جديون ونكرر ثقتنا بهذا البلد وبالنموذج اللبناني المتعدد الطوائف القائم منذ فترة طويلة والذي مر بفترات عصيبة ولكنه اليوم عاد إلى الطريق الصحيح.
سئل الرئيس الحريري: ما هي الضمانات التي حصلتم عليها من الأطراف المحلية والإقليمية والدولية لكي يحترموا سياسة النأي بلبنان عن الصراعات الإقليمية، علما أن هذا البند كان موجودا في إعلان بعبدا قبل 4 سنوات؟
أجاب: نحن اليوم اتخذنا قرارا في الحكومة، وقد تكون المرة الأولى التي يتم الحديث فيها عن قرار حكومي بالنأي بالنفس بهذا الشكل، وكل الأفرقاء السياسيون أجمعوا على موضوع النأي بالنفس، وكل فريق سياسي جالس على طاولة مجلس الوزراء مسؤول عن النأي بالنفس. الضمانة أن هذا القرار اتخذ بالإجماع، وهناك تفاهم سياسي في البلد على أن هذا القرار يجب أن يحترم، وأنا قلت أننا نريد قرارا فعلا وقولا، وأرى أن الجميع واعٍ للتحديات والمخاطر التي نعيشها في المنطقة ومصلحة لبنان تقتضي أن يحترم الجميع هذا القرار بشكل واضح وصريح. أي خرق لهذا القرار يضع لبنان في دائرة الخطر في المنطقة. أنا سأكون جديا جدا في هذا الموضوع، وأعلم أن فخامة الرئيس سيتابعه بشكل واضح وصريح، لأن مصلحة لبنان العليا تقتضي أن ينأى الجميع في لبنان بنفسهم. التشكيك بهذا الموضوع قبل حصول أي شيء غير مجدٍ، يجب أن نرى العبرة في النتائج، وستروون أن لبنان سيلتزم النأي بالنفس وسيقوم بواجبه في هذا الشأن. نحن نتمنى على الجميع المشاركة في هذه المؤتمرات لتدعيم الدولة اللبنانية، لانه في النهاية من مصلحتنا تقوية الدولة والحكومة والجيش وكل المؤسسات في لبنان، وهذا المؤتمر كان داعما للاستقرار في لبنان، والمؤتمرات الأخرى ستدعم الأمن والاقتصاد في لبنان. ما نريده هو أن تكون لدينا دولة ديمقراطية وقوية، وهذا ما نسعى إليه فخامة الرئيس وأنا ورئيس مجلس النواب نبيه بري، وإن شاء الله سترون أن هذا ما سيحصل على الأرض.
سئل الوزير الفرنسي: هل أنتم تلعبون دورا مع إيران لأن دورا كهذا سيسمح للبنان أن يتجاوز أزمته؟
أجاب: جوابي بسيط. النأي بالنفس يطبق في الداخل كما في الخارج.
سئل: ما مدى الفرصة التي ستعطونها لتطبيق النأي بالنفس، بعد موقفكم من تصريح نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم من طهران؟
أجاب: لقد أجبت عن مسألة النأي بالنفس، وهذا الموضوع أعالجه في لبنان ولن أتحدث عن هذا الأمر من على هذا المنبر، لكن الجميع ملتزم بالنأي بالنفس، وأنا أؤكد أنكم سترون إن شاء الله النتائج الإيجابية في لبنان.
سئل الوزير الفرنسي: كيف تحمون لبنان من الانزلاق مجددا في براثن النزاع بين لبنان والسعودية؟
أجاب: أكرر أن النأي بالنفس يفرض نفسه على الجميع. هذه مبادئ التزمنا بها وتعهدنا بتنفيذها على أساس قرارات الأمم المتحدة السابقة، أكانت المملكة العربية السعودية أو إيران أو اي لاعبين آخرين، وهذا يطبق على الجميع من خلال احترام الالتزامات التي أكدنا عليها صباح اليوم في هذا المؤتمر. وقد كان علينا أن نذكر بذلك بقوة وشدة وقد فعلنا ذلك. وهذا يجب أن يتواكب مع تعزيز للدولة اللبنانية وسيشهد مبادرات وقد اتخذت المبادرات، وأصبحنا اليوم على الطريق الصحيح.
سئل: هل تخافون من مشروع توطين جديد للفلسطينيين في لبنان بعد إعلان الولايات المتحدة القدس عاصمة لإسرائيل؟
أجاب: التوطين مرفوض ودستورنا واضح وصريح في هذا الموضوع وحق العودة اساسي بالنسبة إلينا ومن حق الفلسطينيين كذلك ان يعودوا الى أرضهم. لا شك أن القرار الأميركي يؤجج المنطقة كلها في حين أن المنطقة بحاجة إلى هدوء وحلول حقيقية ولأن يتم تحريك عملية السلام مجددا على أساس حل الدولتين، وأن تكون القدس عاصمة الفلسطينيين. الإعلان يشكل تحديا كبيرا للجميع، لكننا في لبنان واعون ونتصرف على هذا الأساس.
أود أن أكرر أن النأي بالنفس هو لمصلحة لبنان العليا. وأؤكد أنه لا أزمة في العلاقات مع المملكة العربية السعودية بل على العكس نرى أن علاقتنا مميزة مع المملكة وحريصون على العلاقات معها كما نحن حريصون على العلاقات مع كل الدول العربية وكل دول العالم. ما يهمنا بالنسبة لاستقرار لبنان هو أن تكون هناك مواقف واضحة بالنسبة لاستقرار لبنان، وهذا ما حصل في مجلس الوزراء، ولبنان هو قدوة في العيش المشترك الذي نعيشه، وسترون أننا سنخرج إن شاء الله من كل هذه الأزمات التي نمر فيها وأصدقاؤنا سيكونون معنا وسيواكبوننا في كل هذه المراحل.