“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة:
تمارس مصر برئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسي سياسة اقليمية تقوم على 3 ركائز رئيسية: الحفاظ على التضامن العربي، منع الخارج من العبث بالشؤون الداخلية للدول العربية وتجنيب المنطقة العربية المزيد من الإنقسامات والحروب.
وتبدو الدبلوماسية الهادئة والهادفة التي تقودها مصر وكأنها ناقوس إنذار لمخاطر جديدة تتهدد العالم العربي، ودليلا عمليا لحل المشاكل بمزيد من العمل الدبلوماسي الدؤوب والهادئ.
وهو ما برز جليا في جولة وزير خارجيتها سامح شكري في الأسبوع الفائت والتي شملت 6 دول بينها 5 دول خليجية هي: السعودية، الكويت، الإمارات العربية المتحدة والبحرين وعمان والأردن.
وشكلت الأزمة اللبنانية جزءا رئيسيا من محادثات شكري. وكانت مصر أعلنت موقفا ذي مغزى قبل بدء شكري بجولته، إذ أعرب الرئيس عبد الفتاح السيسي أمام رئيس المجلس النيابي نبيه بري، الذي كان يزور مصر مشاركا في “منتدى شباب العالم” عن “اهتمام مصر بالحفاظ على امن لبنان واستقراره، ووقوفها الى جانبه، ودعمه في مواجهة التحديات الراهنة. كما أكد الرئيس المصري بحسب المتحدث بإسم الرئاسة المصرية السفير بسام راضي، “على أهمية تجنّب جميع أشكال التوتر والتطرّف المذهبي والديني، ورفض مساعي التدخل في الشؤون الداخلية للبنان، مؤكدا على أن اللبنانيين فقط هم المعنيون بالتوصل الى الصيغة السياسية التي يرتضونها وتحقق مصالح الشعب اللبناني الشقيق، التي يجب أن تحتل الأولوية القصوى”. ونوه السيسي “بأهمية تحقيق التكاتف بين مختلف فصائل الشعب اللبناني”، معربا “عن ثقته في وعيه وقدرته على صون لبنان”. وقد نزل هذا الموقف المصري كنقطة المياه العذبة في الصحراء نظرا الى السياق الضاغط الذي خيم على لبنان إثر اعلان رئيس الحكومة سعد الحريري استقالة مفاجئة من المملكة العربية السعودية في الرابع من الجاري.
مبادئ السياسة الخارجية المصرية راهنا
وتتخذ مصر هذا الموقف حيال لبنان، إنطلاقا من المبادئ الثلاثة التي ذكرناها في البداية، لكنّ ذلك لا ينفي بحسب أوساط دبلوماسية مصرية أن “مصر ترى بوضوح ان للسعودية مخاوف مشروعة، ومطالب ضرورية على صعيد الوضع الإقليمي حتى يتحقق توازن يحمي مصالح المملكة العربية السعودية والشعب السعودي من تدخلات إقليمية خارج النطاق العربي، وقد كان هذا الأمر واضحا في بيان وزارة الخارجية المصرية عقب زيارة الوزير سامح شكري الى الأردن.
وتذهب مصر أبعد في موقفها معتبرة بأن توسّع نفوذ أي طرف إقليمي غير عربي يصبّ في غير مصلحتها شخصيا.
ولتحقيق هذا المبدأ الأساسي في السياسة المصرية لا بدّ من إيجاد تضامن عربي عميق في مواجهة التحديات الإقليمية وتلك القائمة على الساحة الدولية على تنوّعها بشكل مشترك عربيا، ولا سيما ضمن حالة التضامن بين مصر والمملكة العربية السعودية، وهما الثقل الأكبر في العالم العربي ولا سيما اتصالا بالأوضاع في المشرق العربي وبالتنسيق مع دور غربية أخرى.
أما المبدأ الثالث للدبلوماسية المصرية فيتمثل بعدم اللجوء الى الوسائل العسكرية لحل الخلافات، وبحسب الأوساط الدبلوماسية المصرية التي تحدثت الى موقع “مصدر دبلوماسي”، أنه كلما اتخذ هذا التنسيق والعمل المشترك الشكل السياسي لإنتاج ضغوط تحقق توازنا وتراعي مصالح الدول العربية –دون اللجوء للوسائل العسكرية التي اسفرت عن إضعاف وتدمير البنية التحتية على مدى الأعوام الماضية في دول عربية بشكل أساسي- كلما كان ذلك أفضل لنا، لأن الخسائر المالية وسواها من الخسائر هي خسائرنا كعرب.
ويعتمد المبدأ الرابع بعد أن يقوم العرب “بواجباتهم”، على وضع كتل الدول العربية مجتمعة في ميزان القوى الإقليمي لحماية أمننا القومي وإلا فلن تتحقق مصالحنا وستتمكن القوى الإقليمية خارج الإطار العربي من تحقيق مصالحها على حسابنا، وعندها لا ينفع اللوم.
وتشير الأوساط الدبلوماسية المصرية الى أن الهدف ليس معاداة أي طرف إقليمي أو تحقيق مصالح عربية على حساب هذه الأطراف، ولكنّ الهدف النهائي هو التوصل الى تفاهم واسع تقبل بمقتضاه كل القوى الإقليمية بالعيش والحركة داخل حدود الدّول التي تتمتع بعضوية الأمم المتحدة على أساس المبادئ التي تضمنها ميثاقها والتي تشمل مبادئ حسن الجوار واحترام سيادة الدول والتعاون مع هذه الدّول وحكوماتها، وليس مع أطراف داخل هذه الدّول.
وتختم الأوساط الدبلوماسية المصرية بقولها أن تجربة الأعوام الماضية أثبتت بما لا يترك مجالا للشك انه لا مجال لحسم صراع القوى بالوسائل العسكرية حسما نهائيا بحيث يصبح هناك غالب ومغلوب لأن المغلوب يسعى لتغيير وضعه، ويستعين في ذلك بأي طرف راغب في مساعدته (لأسباب تخصه) وهو ما يجعل الصراع والحروب في منطقتنا مسألة أبدية تستخدم وتوظف فيها الولاءات المختلفة بمعناها الأضيق المذهبي والعرقي وكل ما يبعدنا عن مفاهيم المواطنة التي حملت الدول المتقدّمة بعيدا، وكان تغييبها وبالا على منطقتنا، ودولنا العربية التي صرفت أموالا طائلة بهدف تأمين تعديل موازين القوى فما كان إلا أن دمّرت بناها وبات السؤال كيف يعاد الإعمار بعد كل هذا الدمار؟ بحسب ما تسأل الأوساط المذكورة.