“مصدر دبلوماسي”:
يعيد موقع “مصدر دبلوماسي” نشر هذه المقابلة مع سفير إسبانيا في لبنان خوسيه ماريا فيريه والتي نشرت في العدد الخمسون لمجلة “الأمن العام” لشهر تشرين الثاني 2017.
موقع المجلة هو الآتي:
http://www.general-security.gov.lb/uploads/magazines/50/11.pdf
مارلين خليفة
يتقاسم لبنان وإسبانيا طرفي حوض البحر الأبيض المتوسط، وتعتبر اللغة الإسبانية اللغة الاكثر شعبية في لبنان بعد الفرنسية والإنكليزية، وهي في طريقها لتصبح اللغة الثالثة رسميا وإن بشكل إختياري كما يكشف سفير إسبانيا في لبنان خوسيه ماريا فيريه في حوار مع مجلة “الأمن العام”.
يعرف فيريه لبنان جيدا، وهو متزوج من اللبنانية البيروتية جومانة طراد، ويصف البلد الثاني لولديه بأنه ” منفتح جدّا واللبنانيون محبون ولطفاء”.
في حواره يتطرق فيريه الذي كان يتحدث في “قصر شهاب التاريخي” مقر السفارة الإسبانية في الحدث، الى حادثة الدهس الدموية في برشلونة والى استفتاء كاتالونيا وانعكاساته، ويتكلم عن التعاون الأمني مع لبنان ضد الإرهاب وضمن المنظومة الاوروبية. ولعل أغرب ما يقوله فيريه إثر سؤال عمّا إذا كان يتخوّف من تدهور الوضع الامني في لبنان بأن ضحايا السير على طرقات لبنان “هي خطر داهم وأشد فتكا من انزلاق امني اتمنى الا يحصل”.
أخيرا، وابان العيد الوطني الإسباني في مدريد تم استعراض العلم اللبناني في العرض العسكري التقليدي الذي يحضره ملوك العالم، كلفتة امتنان وتقدير من السلطات الاسبانية لرفع جندي من الجيش اللبناني علم اسبانيا في جرود عرسال ابان المعرك الاخيرة ضدّ تنظيم “داعش” الإرهابي، وذلك إثرعملية الدهس في مدينة برشلونة التي حصدت 14 قتيلا واكثر من 100 جريح، والتي تبناها “داعش” في آب الفائت.
ويقول سفير اسبانيا في لبنان خوسيه ماريا فيريه:” ان هجوم برشلونة كان جدّ قاس، وبالتالي ان ردة الفعل اللبنانية اثرت كثيرا في الشعب الاسباني ولدى السلطات كما في السفارة هنا في لبنان، لذا تمت دعوة العلم اللبناني للمشاركة في العرض العسكري التقليدي في اسبانيا في 10 تشرين الاول الفائت، ولم يكن من علم اجنبي سواه، وهذه طريقة لاظهار امتناننا وشكرنا للبنان”.
*خدمت في لبنان كدبلوماسي بين عامي 1981 و1984، ثم عدت اليه عام 2011 وعيّنت سفيرا في بيروت في أيار 2017، كيف تقرأ هذا البلد؟
-يتمتع لبنان بشعب غني بتنوعه وبانفتاحه على العالم، شعب متوسطي لديه حس الحرية والتعايش وهذا ما يميزه ويجعله مختلفا عن بقية دول المنطقة.
*ماذا عن التعاون الثنائي الامني بين اسبانيا والقوى العسكرية والامنية اللبنانية من جيش وامن عام وقوى امن داخلي؟
-بالنسبة الى الناحية العسكرية، ثمة تعاون على مستوى “اليونيفيل” المعززة بعد عام 2006، وتشارك اسبانيا في هذه المهمة في جنوب لبنان بـ600 من جنودها. ويزور اسبانيا ايضا جنود لبنانيون يقومون بدورات اركان وبتدريبات حول ازالة الالغام، وثمة تبادل دائم في هذا المجال. امنيا ايضا هنالك تعاون مع وزارة الداخلية اللبنانية ومع الامن العام اللبناني ضد الارهاب. ثمة تعاون مع لبنان ايضا عبر الاتحاد الاوروبي في شأن حماية الحدود ومكافحة ترويج المخدرات. واذكر ان اسبانيا لديها ايضا تعاون في مكتب المحكمة الدولية الخاصة بلبنان حيث تشارك عبر متخصصين يعملون فيها. ثقافيا، هنالك المركز الثقافي الاسباني، “سرفانتس”، وقد انتقل المركز الرئيسي الى “المدينة الرقمية في بيروت”، وتشارك سفارة اسبانيا في مهرجانات سينمائية وفنية عدة.
وثمة مشروع نقوم به بالتعاون مع وزارة التربية اللبنانية لكي تكون اللغة الاسبانية اللغة الثانية في المناهج المدرسية الرسمية (بشكل اختياري).
اما المشاريع التنموية التي تشارك فيها اسبانيا في لبنان فهي تتم عادة عبر الاتحاد الاوروبي.
*هل ترون انه يوجد خطر حرب في جنوب لبنان تبعا لما يجري في المنطقة؟
-أتمنى الا يكون من خطر من هذا النوع. الوضع معقد في المنطقة وثمة تداعيات على لبنان بسبب المشاكل المحيطة وخصوصا في سوريا، وهذا الامر يستمر طالما انه لا يوجد استقرار هناك. وثمة انعكاس ايضا للعلاقات بين الولايات المتحدة الاميركية وايران، وهي متوترة، وهنالك الضغوط الاسرائيلية. و قياسا لكل ما ذكرته اعتقد بان لبنان يتمتع باستقرار قوي. واعتقد بان المشكلة الرئيسية التي تسبب ضحايا في لبنان اليوم هي حوادث السير التي تؤدي الى الكثير من القتلى والجرحى. اما بالنسبة الى الوضع الامني فاتمنى الا يحدث اي انزلاق خطر.
*عانت اسبانيا من الارهاب كما لبنان، وشكل هجوم الدهس الإرهابي في برشلونة في آب الفائت حدثا مأسويا، كيف تحللون هذه الضربات الارهابية التي تضرب اوروبا من لندن الى برلين فبروكسيل فبرشلونة وسواها من البلدان؟
-عانت اسبانيا من الارهاب منذ اعوام ولوقت طويل، كان ارهابا من منظمة داخلية لاحقها القانون وقوات الامن في الدولة كما القضاء، وقد انتهت الان. اليوم ثمة نوع اخر من الارهاب الذي يضرب اسبانيا، ظهر للمرة الاولى عام 2004، ثم اخيرا في برشلونة في آب الفائت، وهو ارهاب يضرب في انحاء العالم، وليس في اوروبا فحسب. يستهدف هذا الارهاب بلدانا تتميز بنمط حياة معين، انه يريد يريد زعزعة استقرار اوروبا ويمنع التعايش بين المجموعات المختلفة، وهو ارهاب يريد ضرب حرياتنا وهدم الثقافة الاوروبية المنبثقة من الافكار اليونانية والرومانية ومن المسيحية.
*هل من استراتيجية وقائية جديدة ضد هذا الارهاب في اسبانيا وفي الاتحاد الاوروبي؟
-هنالك عمل نقوم به منذ اعوام في الاتحاد الاوروبي وفي الدول الاعضاء. في الاتحاد الاوروبي التعاون قائم بين القضاء ووزارات الداخلية للدول الاعضاء، واسبانيا جزء من هذا التعاون. كما تنسق الدول الاوروبية على المستوى الاستخباري وعبر القوات الامنية لكي تكون العقوبات القضائية مطبقة في جميع البلدان.
بالطبع ثمة استراتيجيات وقائية، وهي حساسة، لانه في اوروبا ثمة حيز واسع لتطبيق القانون وللحقوق الانسانية، ولا يمكن التحرك ضد شخص لم يقم باي عمل مشبوه او باي جريمة. لكن بالطبع يمكننا سلوك منحى وقائي عبر مراقبة بعض السلوكيات المشكوك بها والغير مقبولة، ويمكن التدخل في مسائل الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وايضا نعمل على مستوى تطوير الاندماج، لان بعض المجموعات الارهابية تستغل هذا الموضوع، فضلا عن التنبة الى بعض الخطب الدينية لان ثمة رجال دين لا يتكلمون من منطلق الدين بل يعتمدون خطاب الكراهية وهو امر دقيق لان اوروبا تحترم الحرية الدينية. اعتقد انه يجب التركيز على ضرورة حماية نمط عيشنا، وقد تطلب ما الامر قرونا وجهودا واستوجب حروبا حتى توصلنا الى هذه الطريقة الاوروبية في العيش، سواء في الدولة وحق التعليم وحق الطبابة للجميع وسواها من الامور.
*في مواجهة السلطات الكاتالونية التي اعلنت في الأول من تشرين الأول الفائت ان 90 في المئة من سكان كاتالونيا يريدون الانفصال عن حكم مدريد، حركت الحكومة المركزية المادة 155 من الدستور التي تمنحها حق ادارة هذا القطاع، كيف تقرأون هذا الاستفتاء؟
– ان لدى اسبانيا دستور يعود الى عام 1978، صحيح ان اسبانيا عضو في الاتحاد الاوروبي لكن لديها دستورها ونظامها البرلماني المستقل، وسيادة تعود الى الشعب الاسباني برمته وليس الى الكاتالونيين فحسب. توجد 17 منطقة، واي حديث عن منزلنا المشترك لا يعود الى فئة واحدة بل لجميع الاسبان ان يقولوا كلمتهم، وهذا ما نص عليه الدستور الذي اقر بعد استفتاء شارك فيه الشعب برمته. وبعد ذلك كانت استفتاءات واستشارات في شأن الاتحاد الاوروبي. من هذا المنطلق، اقول ان لدينا نظاما لامركزيا بامتياز مع حكم ذاتي لكل منطقة، وأشير الى أن المناطق ومنها كاتالونيا لديها الكثير من الكفاءات التربوية والصحية والاجتماعية وسواها.
بالطبع ثمة برلمان في كاتالونيا وحكومة مناطقية ودستور معين خاص، لكن يجب التنبه الى ان الحكومة المحلية تمثل الدولة المركزية في المنطقة، وبالتالي حصل نقص في تطبيق الكثير من الاصول، وتوصلوا الى تنظيم استفتاء غير قانوني.
في كاتالونيا، كما في اماكن عدة من اسبانيا ثمة مجموعات راديكالية تفتعل مشاكل حول مواضيع عدة. لكن ينبغي التنبه اذا ما كانت هذه الاستشارات تتوافق مع القانون، وفي كاتالونيا ممنوع اجراء استفتاءات تفيد من الانتخابات المحلية. نحن نتبع خطوات قانونية في معالجة هذا الموضوع، ويمكن ملاحقة اشخاص بجنح وهذا الذي حصل. أما الارقام الذي أعطيت ونشرها الاعلام حول الاستفتاء فهي غير قانونية وغير دقيقة، ومن الصعب التحقق من قيام استفتاء لان ثمة اخبار كاذبة نشرت وصور غير حقيقية من التظاهرات الاخيرة تعود الى اعوام خلت، وبالتالي لا قيمة البتة للارقام التي اعطيت، ولم يكن توجد لوائح لمقترعين، حيث كان يمكن لاي شخص الانتخاب مرات عدة. الى ذلك ثمة امر واقع يجب الحفاظ عليه، وثمة مجموعة راديكالية جدا دخلت على الخط، وهي منظمة واجتاحت الشوارع هي ” الترشح للوحدة الوطنية”،
UPE
وكانت حركات خرجت في الشوارع في كل مكان في اسبانيا، ويجب التنبه الى حركات مماثلة علما بانها لم تكن تطالب بالاستقلال وهذا امر استجد، وبالتالي هي تجد في الحراك الذي حصل فرصة لكي تحصد مكاسب.
*كيف تقرأون حركة الاستفتاءات وخصوصا لدى الاقليات في المنطقة من كردستان العراق وصولا الى اسبانيا؟
-نحن لا نعتبر الكاتالونيين اقلية، ولم تكن كاتالونيا يوما مستقلة عن اسبانيا. لا توجد اقليات في اسبانيا، يوجد تنوع لغوي وثقافي، ان النسبة الاكبر من الناس الذين يعيشون في كاتالونيا وعددهم 7 ملايين ونصف نسمة ليسوا مستقلين عن اسبانيا.
وبالتالي ثمة امور تعود الى الحرب العالمية الاولى، بالنسبة للعراق يوجد ايضا دستور ولدى كردستان استقلالية واسعة، والكرد يعملون في الاقتصاد ولديهم حرية والامر سيان في كاتالونيا وهي من اكثر مناطق اسبانيا ثراء، ولعل المسألة تتعلق لدى البعض بعدم دفع ضرائب ولكي يكونوا اقل تضامنا مع بقية المناطق في اسبانيا، وبالتالي هي ثورة للاغنياء اذا صح التعبير وليست ثورة للفقراء، وبالتالي اننا نحافظ على مبادئ اوروبا الدائمة وهي مبادئ التضامن.