بيروت-مارلين خليفة:
يرى “حزب الله” بأن لبنان استوعب الصدمة الأولى التي أحدثتها استقالة الحريري منذ اليوم الثاني لها، وتمكّن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والسياسيين في لبنان من استيعاب الإستقالة في 3 مراحل رئيسية، الأولى، عبر إجماع الأجهزة الأمنية برمّتها مع الجيش اللبناني على عدم وجود أي مخطط لاغتيال رئيس الحكومة سعد الحريري، وعبر المصرف المركزي الذي بقي ممسكا بالوضع المالي، وسياسيا عبر لمّ الشمل من قبل أمين عام “حزب الله” السيد حسن نصر الله الذي استوعب الهواجس سواء لدى عائلة الحريري أو لدى الطائفة السنية اللبنانية واللبنانيين جميعهم.
تريد السعودية تشكيل حكومة جديدة من دون وجود وزراء فيها لـ”حزب الله”، ويجمع رئيسا الجمهورية والمجلس النيابي ومعهما وليد جنبلاط و”حزب الله” على إعادة الرئيس سعد الحريري الى سدّة الحكومة باعتباره هو الرئيس الحالي.
بنظر هؤلاء الأفرقاء السياسيين بأن التسوية التي جاءت بسعد الحريري رئيسا للحكومة لا تزال قائمة، كون الحريري أرغم على الإستقالة من وجهة نظرهم، وقد أبلغ وزير الخارجية والمغتربين ورئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل مدير مكتب الرئيس الحريري الشيخ نادر الحريري بأن التعامل سيكون على أساس أن التسوية قائمة إذا رغبتم ونعتبر الإستقالة غير مقبولة. لكن انقطاع الإتصالات مع الرئيس سعد الحريري بسبب احتجازه يؤخر بتّ الأمور.
من استقالة “قنبلة” الى استقالة عادية
بعد استيعاب الصدمة الأولى وتحويل الإستقالة من “استقالة قنبلة” الى “استقالة عادية”، سينتقل البحث لدى رئيس الجمهورية وفريقه الى البحث عن إسم السني الذي يرغب الرئيس سعد الحريري بتسميته لرئاسة الحكومة.
لا يبدو بأن السعودية مستعدّة بالقبول بهذا السيناريو –بحسب مناخات “حزب الله”- وهي مصرّة على رفض أي تمثيل سياسي لـ”حزب الله” في داخل الحكومة.
ولا يبدو”حزب الله” مستعدّا للخروج من الحكومة، ويقول العارفون بمناخ الحزب بأن خروج “حزب الله” من الحكومة الحالية أو اية حكومة مقبلة غير وارد إطلاقا، فهو لن يعطي انتصارا مجانيا للسعودية.
يقول لسان حال “الحزب” بأنه مكوّن لبناني أساسي في التركيبة السياسية اللبنانية ولن تشكّل أية حكومة من دونه.
ماذا عن التريث الذي قد يزعج البعض لدى الطائفة السنية؟
برأي “حزب الله” أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون هو الذي حافظ على المركز السنّي، والمطالبين بالإسراع بتشكيل الحكومة يريدون معرفة من سيرث سعد الحريري. في حين أن عون يحافظ على بقاء المركز السنّي في بيت الحريري الذي لا يزال يتمتع بالغالبية النيابية.
“حزب الله” على قناعة بأن السعودية ستدفع الأمور الى التأزيم في لبنان وليس الى الحلّ. في مناخات “الحزب” بحسب أوساط مقربة منه أنه متمسك ببقاء الرئيس سعد الحريري رئيسا للحكومة لأن التسوية التي أوصلته الى الحكم مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لمّا تزل مفاعيلها قائمة. وبرأي “حزب الله” أن الحريري حاول تحقيق انجازات عدة في عام من عمر حكومته، وهو هيأ لقانون انتخابات جديد وكانت الأمور بينه وبين “حزب الله” على ما يرام، وهو بطبيعة الحال الشخص الأكثر تمثيلا وزعيم أكبر كتلة برلمانية في لبنان.
ومن السيناريوهات المطروحة حاليا تسمية النواب التابعين مباشرة للسعودية شخصية سنية متطرفة كأشرف ريفي أو ربما تتم تسمية سعد الحريري، وحين يكلف الحريري ويصبح رئيس وزراء تصريف الأعمال يطلب منه تشكيل حكومة بلا “حزب الله”، وبما أن الأمر غير وارد يحصل فراغ في البلد من الآن ولغاية إجراء الإنتخابات النيابية . ولكن يؤكد مناخ “حزب الله” بأنّ إجراء الإنتخابات النيابية غير مرتبط بالحكومة بل يكفي وجود وزير داخلية في حكومة تصريف الأعمال لكي تجري الإنتخابات النيابية في موعدها، ويجمع الأفرقاء السياسيون على إجراء الإنتخابات في مواعيدها الدستورية وبعدها يصبح تلقائيا تشكيل حكومة جديدة بعد الإنتخابات وهذا له آلياته القانونية والدستورية المعروفة.
قراءة “حزب الله” في المشهد الدّولي
يرى “حزب الله” أن ما ينشر عن حرب عسكرية سعودية ضد لبنان بمباركة أميركية هو نوع من المبالغة والتهويل. فقبل أن يهاجم لبنان على الأمير محمد بن سلمان أن يخرج سالما من حرب اليمن المستمرة منذ 3 أعوام.
برأي “حزب الله” أن التصعيد السعودي وبجزء منه استقالة الحريري، هو جزء من الرد غير المباشر على الإنتصارات التي حصلت في سوريا. بعد القضاء على “داعش” في سوريا، وبرز الى الساحة عنصر يتمثل بفشل موضوع التقسيم عن طريق كردستان، فلجأ خصوم “الحزب” الى خيارين إما الحرب الإسرائيلية ضده أو توتير الساحة اللبنانية، ووجدوا أن السيناريو الثاني هو الأسهل والأقل خطرا.
لذا دفعت السعودية الى استقالة الحريري بهدف الوصول الى أزمة سياسية حقيقية في لبنان، وتأليب الشعب اللبناني ضدّ “حزب الله”، وهذا لم يحصل بل انقلب السحر على الساحر.
بالنسبة الى “حزب الله”، فإن احتمالات الحرب الإسرائيلية موجودة دوما بغض النظر عن نسبة إمكانية حدوثها، لكن لا يمكن لإسرائيل أن تشن حربا إلا من أجل كيانها ووجودها وليس كرمى لعيون السعودية. ما تفعله السعودية هو تهيئة المسرح للحرب، عبر ضخّ كمية معلومات من أن المنطقة مقبلة على حروب. لكن السعودية لا يمكن أن تكون طرفا يقود معركة لا ضد “حزب الله” ولا ضدّ إيران وهي تدرك هذا الموضوع جيّدا.
الى ذلك فإن نصف النفط السعودي يخرج عبر مضيق هرمز ولا إمكانية لأن تخوض السعودية حربا لا عسكريا ولا موضوعيا.
بالملخص يرى “حزب الله” بحسب مناخاته أن السعوديين “تلبّكوا” بقصة بسيطة مثل استقالة الرئيس سعد الحريري وما خلّفته من تداعيات مستهجنة على الساحة اللبنانية، وبالتالي هم ليسوا قادرين على تحمّل تبعات أي عمل غير محسوب النتائج في لبنان لأن الساحة اللبنانية محصّنة وقوية اكثر مما يعتقدون.
وبرأي الحزب أن السعوديين لم يكسبوا من حركتهم غير المحسوبة أية نتيجة إيجابية، فهم حاولوا نسف التسوية الإقليمية التي أتت بعون رئيسا للجمهورية وبالحريري رئيسا للحكومة بعد مرور 5 أعوام على بقائه خارج السلطة. وما فعلوه هو ضرب عودة ممثل السعودية الى السلطة. في المرة الماضية اقاله “حزب الله” عن طريق استقالة 11 وزيرا من حكومته (عام 2011) من مقر عون في الرابية، لكن من أقاله اليوم هو محمد بن سلمان، لكن ما هي النتيجة التي حصل عليها؟ لا شيء. بنظر “حزب الله” أن السعودية قامت بخطوة غير مدروسة، ولو لم يكن يوجد وعي في لبنان لكانت نسبة المخاطر عالية جدا.
وأخيرا، وسط التصعيد السعودي الجديد يتوقع “حزب الله” أن تقوم السعودية بكل شيء لمواجهته. وبالتالي يتوقع الأسوأ، أما دخولها الى الساحة المحلية اللبنانية فسيتم التصدي له بحسب ما يتظهر، فالأجهزة الأمنية اللبنانية على أهبة الإستعداد لاي تطور مخل بالأمن، وهي حذرة جدا تجاه أية مخططات تضرب الإستقرار.