“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة:
ببرودة إنما بفضولية من يكتشف لعبة جديدة وغريبة ينظر الإيرانيون الى الحركة السعودية الأخيرة التي أتت من خارج سياق المواجهة بينهما والمتمثلة بطلب رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري الى الرياض وحثّه على تقديم استقالته عبر قناة “العربية”، ما أدخل لبنان في مناخ من الإنتظار الممض لما ستؤول إليه الأمور.
يعي الإيرانيون بأنهم دخلوا في عصر سعودي جديد منذ تسلم الملك سلمان بن عبد العزيز السلطة في السعودية خلفا للملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، ويعون ايضا أنه بتحوّل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز الى الرجل الأقوى في السلطة، فإن تبدّلا جذريا حصل في نمط تعاطي المملكة العربية السعودية في السياسة الخارجية، إذ انعتقت هذه السياسة كليا من الوقار والمحافظة والإعتدال التي عرفت فيها تاريخيا، الى سياسة أخرى لا يمكن توصيفها لغاية الآن” لكنها بحسب أوساط إيرانية واسعة الإطلاع تحدثت الى موقع “مصدر دبلوماسي”: سياسة بلا سقف ومتوترة وبعيدة من الواقعية”.
النصيحة الى ولايتي
يصحّ القول في الإيرانيين بأنهم يعتصمون بالصبر والترقب والمراقبة حيال ما يجري على الساحة اللبنانية، وربّما هي المرة الأولى منذ زمن التي تجري فيها حوادث في هذه الساحة من دون موافقة إيران ما دحض مقولة الرئيس الإيراني حسن روحاني بأن أي قرار في لبنان يتخذ بموافقة إيرانية.
واللافت أن الإيرانيين كانوا يتهيبون أكثر من اللبنانيين -بحسب الأوساط الإيرانية الواسعة الإطلاع- الغضب السعودي المتصاعد، وهم قرأوا بدقة سياسية متناهية الرسائل التي بعثها وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج ثامر السبهان في تغريداته في غضون الشهرين السابقين، ولعلهم كانوا شديدي التنبه لخطر تصاعد مناخ التوتر المتأتي من الزيارات الرسمية الإيرانية المتوالية الى لبنان منذ انتخاب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قبل عام.
من هنا وبحسب رواية إيرانية موثوقة رويت لموقع “مصدر دبلوماسي” بأن ثمة أوساط دبلوماسية إيرانية نصحت مساعد المرشد الأعلى علي أكبر ولايتي بعدم شمول لبنان في جولته الأخيرة على سوريا بسبب دقة المرحلة وحراجتها بين البلدين والنقاش المتوتر حول اعادة العلاقة السياسية بين لبنان ونظام بشار الأسد.
لكن المسؤول الإيراني آثر إتمام الزيارة، ولسوء حظه أنه ما إن خرج من السراي الحكومي مجتمعا مع الرئيس سعد الحريري حتى تمّ طلب الحريري الى السعودية لموعد هام. ومنذ السبت الفائت حين أعلن الحريري استقالته الغامضة من الرياض ولبنان يعاني من بلبلة سياسة متواصلة.
وتشير أوساط عليمة بما دار بين ولايتي والحريري الى أن اللقاء لم يكن عاصفا كما حاول البعض الترويج بل عاديا، صحيح بأن الرئيس الحريري تحدث عن أزمات المنطقة الخلافية من اليمن فسوريا وأشار معترضا الى التدخل الإيراني في شؤون المنطقة وانتقد تصريحات الرئيس حسن روحاني الأخيرة حول نفوذ إيران في القرار اللبناني، لكن المسؤول الإيراني كان يعرف موقفه مسبقا ولم يفاجأ به.
وبرأي الأوساط الإيرانية الواسعة الإطلاع، فإن الموقف السعودي الحالي ليس تكتيا يتعلق بزيارة ولايتي بحد ذاتها، بل هو موقف جذري يتعلق بالإستراتيجية الجديدة في السعودية تجاه لبنان.
وترى الأوساط الإيرانية بأن السعودية تريد استخدام لبنان كأداة ضغط في سياستها في المنطقة بسبب تعثرها في الساحات الإقليمية في سوريا واليمن وقطر، وهي تبحث الآن عن ساحة اشتباك جديدة ووجدت في لبنان ساحة ملائمة.
برأي الإيرانيين أن الرئيس سعد الحريري إستخدم في عام من عمر حكومته سياسة متوازنة ما لم يرض السعودية، وهو تمكن من نيل التفاف الطوائف اللبنانية كلها حوله. ينظر الإيرانيون بعين الثقة الى الخطاب الأخير لأمين عام “حزب الله” السيد حسن نصر الله، لأنه وفّر الفرصة للحريري للعودة الى السلطة، فإيران تفضل سعد الحريري على أي شخصية سنية أخرى لأنه مارس سياسة متوازنة، صحيح أنه لم يعط إيران ما تريده لكنه أيضا لم يخذل السعودية.
وبما أن المسرح اللبناني الحالي “غامض جدا” بحسب التوصيف الإيراني، تنتهج إيران سياسة الصبر وهي لم تقرر بعد سياسة محددة في انتظار انقشاع الأوضاع.
أسئلة إيرانية
أما أبرز الأسئلة التي يطرحها الإيرانيون حاليا فهي: هل سيعود الحريري الى لبنان، وهل ستنسحب الإستراتيجية السعودية الجديدة على السياسة والأمن وأيضا على الوضع العسكري؟
وخصوصا في ظل آراء تشير الى أن السعودية وصلت الى قناعة بأن الفرصة متاحة للضغط على محور إيران و”حزب الله” في المنطقة بدءا من لبنان؟
في إجابة على هذه التساؤلات فإن الأجواء الدبلوماسية المتواترة التي تتتبعها إيران تشير الى أن توتير لبنان ليس أمرا مطلوبا دوليا وأوروبيا، وأن المظلة الأمنية التي كان لبنان يتمتع بها طيلة أعوام الحرب السورية بتوافق أميركي خليجي أسهم بإخراج الجماعات الإرهابية من أراضيه، وليس من السهل نزع هذا الستاتيكو. وربما تكون سياسة عدم جرّ لبنان الى انزلاق أمني وزعزعة إستقراره قد انتهت سعوديا لكنها بالتأكيد لم تنته أوروبيا.
من هنا أهمية التركيز من وجهة النظر الإيرانية على موقفي الولايات المتحدة الأميركية والإتحاد الأوروبي، لأنه لا يمكن للسعودية أن تدخل في الساحات الأمنية في لبنان من دون موافقة أميركية وأوروبية، وإذا لم تحصل عليها فإن سياسة الهجوم التي تنتهجها ضدّ لبنان سوف تنحسر ضغطا سياسيا على مستوى تشكيل الحكومة فحسب، أو تشديد العقوبات ضدّ “حزب الله” وضد الأحزاب المتحالفة معه.
وتشير الأوساط الإيرانية الواسعة الإطلاع بلا مواربة الى أن المجال الأمني لن يكون من مصلحة السعودية، ومن الأفضل للرياض القبول بتقسيم النفوذ بينها وبين إيران في منطقة الشرق الأوسط، وتحديدا في العراق وسوريا ولبنان.
وتشير الأوساط ذاتها التي تحدثت الى موقع “مصدر دبلوماسي” الى أن طهران ليست مهتمة بأي نفوذ في دول مجلس التعاون الخليجي، ولم تكن يوما مهتمة بالموضوع اليمني وجاءت الورقة اليمنية كنوع من الضغط على السعودية في الساحة السورية.
وفي لبنان ترى إيران بأن التعاون ممكن كما حصل في عهود عدة سابقا حيث تم تعاون سعودي ايراني مثلا في اختيار رئيسي الحكومة السابقين نجيب ميقاتي وتمام سلام وذلك عبر سفارتي البلدين. وتدرك إيران بحسب تعبير الأوساط بأنها لا يمكن أن تتفرد بلبنان وأن تزيح منه السعودية وبرأيها أنه على السعوديين أن يفكروا بالطريقة ذاتها.