“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة:
فاجأت إستقالة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري في 4 الجاري الطبقة السياسية واللبنانيين جميعهم لأنها جاءت من خارج سياق التسوية الداخلية المستمرة منذ انتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية منذ سنة.
ولم تكد حكومة الحريري تطفئ شمعتها الأولى بعد أيام، حتى تفجرت بفعل احتدام الصراع السعودي الإيراني في الساحات كلها وخصوصا في اليمن وسوريا.
وبعد قرار السعودية إعادة ترتيب البيت اللبناني على طريقتها ليكون متلائما مع حربها ضدّ “حزب الله” الذي تتهمه بقصف أراضيها من اليمن كما أبلغ الملك سلمان بن عبد العزيز الحريري أمس أثناء زيارته له في قصر اليمامة، تحولت حكومة لبنان الى “حكومة حرب” ضد السعودية كما أعلن بدوره وزير الدولة لشؤون الخليج ثامر السبهان.
فهل انفجرت التسوية الداخلية ومعها الإستقرار؟ وهل الرقص اللبناني على حافة الهاوية سيشجع إسرائيل على الإنقضاض عليه؟ واين لبنان من أولويات العهد الأميركية برئاسة دونالد ترامب؟ وما صحّة ما يشاع عن تعددية مواقع اتخاذ القرار في الحكومة الأميركية؟
يجيب المحلل السياسي الأميركي نيكولاس نو والمؤسس الشريك في موقع “ميديست واير” والكاتب في كبريات الصحف الأميركية والبريطانية عن هذه الأسئلة في حوار مع موقع “مصدر دبلوماسي”.
*بعد الصفعة التي تلقاها لبنان باستقالة رئيس مجلس الوزارء سعد الحريري من الرياض، هل من تخوّف على التسوية الداخلية التي يبدو بأنها تدمرت؟ وهل ينعكس ذلك لاإستقرارا في لبنان؟
-إن التسوية الداخلية لم تتدمّر بل تبدّلت. هنالك أطراف عدّة في الداخل وفي الخارج التي تريد اتفاقا جديدا وبالتالي إن التسوية تتغير. بالنسبة للاعبين الخارجيين سيكون من الصعب جدّا لهم خلق لاستقرار في الدّاخل اللبناني. وأعتقد بأن المسؤولين الدوليين الذين يتمتعون بكمّ كاف من النّضج يريدون الإستقرار للبنان. الأوروبيون مثلا، يهمهم إستقرار لبنان. للأسف فإن الحكومة الأميركية الحالية لا تديرها شخصية راشدة-كما قال السيناتور بوب كروكر أخيرا- وهو أشار الى أن من يدير الحكومة الأميركية هو ولد يتمثل برئيس الولايات المتحدة الأميركية. للأسف هذا ما قاله السيناتور حاليا، لكن الراشدين يريدون الإستقرار ومن الصعب جدّا خلق لاستقرار في الداخل اللبناني.
*إن المملكة العربية السعودية المدعومة من الرئيس دونالد ترامب ومن مستشاره الأول وصهره جاريد كوشنير أعلنت الحرب في كل مكان ضدّ “حزب الله” وبات لبنان ساحة حرب كما أعلن وزير شؤون الخليج ثامر السبهان، وكذلك هنالك عقوبات ستفرضها الولايات المتحدة الأميركية ضدّ “حزب الله” والمتعاملين معه، كيف إذن سيصمد الإستقرار اللبناني؟
-إن هذه الحرب المعلنة ليست عنيفة لغاية اليوم. بل تستخدم الحرب الكلامية وأدوات تقنية، وبالتالي، فإن هذه الإستراتيجية الصغرى من وزارة الخزانة الأميركية والعقوبات وسواها لن تكون فعّالة، على ترامب أن يقرّر إن كان سيعلن حربا حقيقية تشكل ضغطا حقيقيا ضدّ “حزب الله” وإيران. كذلك عليه تقرير الأمر ذاته بالنسبة الى كوريا الشمالية. فهل سيكتفي بالكلام والعقوبات أم سينتقل الى الأفعال؟ هذا ما يجب أن يقرره.
*هل تعتقد بأن “حزب الله” بات فعليا في دائرة الضغوط السعودية الأميركية الموجعة؟
-إن “حزب الله” هو تحت الضغوط من قبل جهات عدّة، وهي حالة من الضغوط يعيشها “الحزب” منذ 35 عاما، ربما صارت الضغوط أقوى مع مرور الزمن لكنّ “حزب الله” بات أقوى مما كان عليه منذ 10 أعوام.
*هل تخشى من صدام بين المكونات الطائفية اللبنانية؟ وماذا عن الطائفة السنية اللبنانية؟
_لا يحق لي التحدث عن الطائفة السنية اللبنانية، لكن السؤال الكبير اليوم هل السنة اللبنانيون يمكنهم ان يكونوا مستقلين بقرارهم أم أنهم مسيرين من قبل السعودية؟ إنه السؤال الكبير اليوم. إن ترامب يراهن على الشق المذهبي من أن سنّة لبنان والمنطقة سينقضون على “حزب الله” وإيران، ويجب الإنتظار إن كان هذا الرهان صالحا للتطبيق.
*إسرائيل قد تستفيد من هذه البلبلة الداخلية اللبنانية لشنّ حرب على لبنان، هل ترى حربا في الأفق؟
-إن هذه العملية التي شهدناها قد تجعل “حزب الله” أقوى داخليا. لأنه إذا استمر الحريري بالظهور ضعيفا ومسيرا من قبل مرجعية خارجية في السعودية فإن معظم المواطنين اللبنانيين لن يعجبهم ذلك، لأنه لا يشبه تراثهم، ومن سيستفيد سياسيا من هذا الواقع هو “حزب الله”. وبالتالي إن الإسرائيليين عليهم إقامة الحسابات الدقيقة الآن: هل هذه العملية الداخلية اللبنانية ستؤذي “حزب الله”؟ أم أنها ستقوي نفوذه في المشهد السياسي الداخلي اللبناني؟ هذا سؤال اساسي. فإذا استنتج الإسرائيليون أن هذا الأمر أضعف “حزب الله” عندها سيهاجمونه لتدميره كعدو لهم. السؤال المطروح هو عمّا إذا كان الإسرائيليون عقلانيين في حساباتهم، لأن الإسرائيليين يقعون بأخطاء جمّة كما فعلوا في حرب 2006 التي كانت خطأ جسيما.
*بدا امين عام “حزب الله” السيد حسن نصر الله مطمئنا في خطابه الأخير…
-إنه كذلك، لكن عليه كسياسي أن يكون مطمئنا تجاه وزارة الخزانة الأميركية وتجاه الإسرائيليين والسعوديين… عليه أن يبدو كذلك. وهذه سياسة ذكية. لكن الواقع أعتقد بأنهم يخططون لأي احتمال وأي سيناريو. وقد قالها السيد حسن نصر الله أن ثمة احتمال أن يهاجم الإسرائيليون لبنان، وفي كل الأحوال فإنه يتحضّر لإحتمال مماثل.
*هل عاد لبنان أولوية اليوم لدى الإدارة الأميركية التي يقودها الرئيس دونالد ترامب؟
-لا يمكننا الحديث عن إدارة أميركية، توجد تعددية في صانعي القرار في السلطة الحالية في أميركا وهؤلاء هم في صراع مع بعضهم البعض. أعتقد بأن الرئيس ترامب وجاريد كوشنير لا يعلمون شيئا عن لبنان، انهم ينظرون الى لبنان فقط كمكان يمكن من خلاله إيذاء “حزب الله” أو إضعافه وعبره إيران. هما لا يعرفان الإستراتجية ولا التكتيكات ولا يفهمان التاريخ، وهذا سيؤدي الى أخطاء جسيمة في ما يخص لبنان، لكنهما لا يأبهان للبنان.
*هل يمكن القول اليوم بأن الولايات المتحدة الأميركية أوكلت الملف اللبناني للمملكة العربية السعودية؟
-نعم، هذا صحيح في ما يخص الرئيس دونالد ترامب. لكن الأمر مختلف بالنسبة الى المؤسسة العسكرية وبالنسبة الى وزارة الخارجية.
ثمة سياسيات مختلفة بالنسبة الى لبنان: هنالك سياسة عائلة ترامب وهي سلّمت دفّة إدارة لبنان الى محمد بن سلمان، وهنالك السياسة العسكرية الأميركية التي ترى بأن لبنان مهم جدا في القتال ضدّ “داعش” وضدّ”جبهة النّصرة”، وهذه هي الأولوية بالنسبة إليها وليست إيران.
ثمّ هنالك سياسة وزارة الخارجية التي تهتم بالإضافة الى محاربة “داعش” و”النصرة” بالحفاظ على استقرار لبنان في كل الهندسة المتوسطية المشرقية والأوروبية، ووزارة الخارجية تحب العمل مع الأوروبيين وترى بأن الأمن الأوروبي مهمّ جدّا، ولا يمكن لأوروبا أن تتحمّل دولة فاشلة أخرى في الحوض المتوسطي. ولا 7 ملايين لاجئ يهربون الى اليونان أو قبرص …
*ألا تنسق هذه الأطراف الثلاثة في ما بينها؟
-يبدو بأن النسيق ضعيف في أفضل الأحوال، وهو متناقض تماما في بعض الحالات، بل في صراع. لكن الأمر المخيف هو أنه إذا أثار أحدهم أزمة شاملة فإن وجهات النظر ستكون متضاربة، وسنشهد “حربا أهلية” في داخل الحكومة الأميركية، وهذا أمر ممكن. ويتحدث الأميركيون عن إدارة عسكرية للحكومة الأميركية: ماتيس ماكماستر وكيلي. 3 جنرالات يحاولون الإبقاء على ترامب في صندوقهم الخاص، لكن ترامب وكوشنير بدآ القفز خارج الصندوق، ويقودان دبلوماسيتهما الخاصة وهنا تكمن الخطورة.
*كيف تقرأ المستقبل القريب للبنان وأن تعرف البلد بشكل جيد؟
-بالنسبة إلي يوجد سؤال واحد فحسب: هل لدى ترامب والقيادة الإسرائيلية الشجاعة والحزم لشنّ حرب ضدّ “حزب الله” في سوريا ولبنان؟ وهنا أضع كلمة “شجاعة” بين مزدوجين لأنني أعتقد أن اتخاذ قرار مماثل هو بعيد من الحكمة. لكن هل لديهم الحزم الذي كان لديهم عام 1956 و1967 لإطلاق هجوم إستباقي؟ إذا لم يفعلا فنكون قد تخلصنا من فكرة مهاجمة إسرائيل للبنان لفترة طويلة جدّا، لأن القوة المقابلة لهم تقوى. وبالتالي عليهم التقرير بسرعة. وهنا يكمن بيت القصيد.