“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
جاءت الإستقالة المفاجئة لرئيس مجلس الوزراء اللبناني سعد الحريري اليوم بعد وقت قليل على حديث أدلى به الرئيس الإيراني حسن روحاني قال فيه أن القرارات في عدد من البلدان ومنها لبنان تتخذ دوما بمعية إيرانية. لكن اتخاذ قرار الإستقالة لم يأت بسبب تصريح الرئيس الإيراني فحسب، بل يمكن القول فعليا بأن “الحريري أحرج فأخرج”، وخصوصا بعد أن صوّب عليه وزير شؤون الخليج ثامر السبهان بشكل مباشر في 29 تشرين الأول الفائت. فضمن سلسلة التغريدات شبه اليومية التي كان يطلقها السبهان مهاجما “حزب الله” وإيران، صوّب للمرة الأولى على حكومة الحريري فكتب:” ليس غريبا أن يعلن ويشارك حزب الميليشيا الإرهابي حربه على المملكة بتوجيهات من أرباب الإرهاب العالمي، ولكنّ الغريب صمت الحكومة والشعب في ذلك!”.
بعد هذا “القصف” المباشر إستقلّ الحريري طائرته متجها صوب المملكة، واجتمع بولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، وعلى عادته اختار استيعاب الأمور بـ”سيلفي” مع الوزير السبهان طافت وجالت على مواقع التواصل الإجتماعي.
ظنّ البعض أن الأمور مرّت على خير. لكنّ السبهان وفي مقابلة مع محطة “سكاي نيوز” قال بأن تغريداته ليست شخصية وأن المستقبل القريب سيبرهن ذلك.
وهكذا كان. استقال الحريري، محرجا بمطالبته بموقف صارم إزاء “حزب الله”، و بعد أن تجرّع عددا من الكؤوس المرّة التي بدأت فترة طويلة، وآخر فصولها كان في أيلول الفائت على هامش أعمال الجمعية العمومية في الأمم المتحدة عندما اجتمع وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل في نيويورك مع نظيره السوري وليد المعلّم، ثمّ أعقب ذلك حملة لـ”حزب الله” وللتيار الوطني الحر بضرورة فتح قنوات اتصال مع النظام السوري، ثم جاء من “ينغّم” على الحريري بتعيين سفير لبناني في سوريا، علما بأن الأمر روتيني لأن لبنان لم يقطع يوما علاقاته السياسية مع الدولة السورية، لكنّ إعلام قوى 8 آذار “طرّز” على هذا الخبر تقارير وريبورتاجات ما أحرج الحريري كثيرا، وما زاد الطين بلّة هو تصريح الرئيس الإيراني حسن روحاني من أن أي قرار في لبنان يتخذ بموافقة إيران.
يمكن القول، كقراءة أولية، بأن السياسة الخارجية التي انتهجها الحريري بالتوافق مع رئيس الجمهورية والتي ارتكزت على النأي بلبنان عن الصراعات الخارجية وتجنب النقاط الخلافية الإستراتيجية ومنها سلاح “حزب الله” قد اهتزّت أخيرا ما فجّر الأمور وأغضب السعودية والدول الخليجية، التي ضغطت على الحريري لاتخاذ موقف واضح وحازم عمليا لا كلاميا ضدّ “حزب الله” انطلاقا من سياسة السعودية والخليج بضرورة قطع أذرع إيران في المنطقة بدءا من لبنان.
يمكن القول بأن الحريري “ذهب فرق عملة” للصراع السعودي الإيراني، وهو أصبح مجهول المصير سياسيا والأمر سيان بالنسبة الى لبنان الذي بدأ الدبلوماسيون الغربيون منذ اللحظات الأولى للإستقالة يتساءلون فيها عن إمكانية اهتزاز الوضع الأمني.
فالرجل الذي أتى الحكم منذ قرابة العام (تم اصدار البيان الوزاري لحكومته التي أسميت حكومة استعادة الثقة في 28 كانون الأول ديسمبر 2016) امتطى جواد التسوية السياسية التي كان عرابها “حزب الله” والتي أتت به رئيسا للحكومة بعد أن وافق على انتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية والذي أحيا ذكرى انتخابه منذ أيام.
كان الحريري المنفي لأعوام في الخارج قد تجرّد من كلّ شيء في السياسة والمال بفعل تخلي راعيه الإقليمي عنه، وعاد منتصرا بفعل التسوية السياسية الداخلية.
الآن، عاد الحريري الى حاضنته الإقليمية وأعلن استقالته من المملكة العربية السعودية في سابقة دستورية لأن الإستقالة لا تجوز إلا لرئيس الجمهورية اللبنانية. لكنها سابقة تحمل معان ومغاز، أولها بأن للسعودية كلمتها في لبنان، علما بأن الإستقالة جاءت في أثناء زيارة مستشار المرشد الأعلى في إيران علي أكبر ولايتي الذي اجتمع به الحريري قبل مغادرته أمس الى السعودية.!