“مصدر دبلوماسي”
زيارتان رئيسيتان للرئيس اللبناني العماد ميشال عون قبل ظهر اليوم في إطار “زيارة الدولة” الى فرنسا والتي بدأها الإثنين: الأولى الى بلدية باريس والثانية الى مجلس الشيوخ الفرنسي.
هنا وقائع الزيارتين.
بلدية باريس
اكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ان باريس وبيروت مدينتان قادرتان على الصمود وفي الوقت عينه منفتحتان على العالم وقد تمكنتا أكثر من أية مدينة أخرى من العالم، من استيعاب مزيج من الحضارات ما جعل كلاً منهما نسيجًا من ثروات تشع إلى أبعد حدود، لافتا الى انهما تخوضان اليوم معركة واحدة هي معركة حماية قيم السلام والحرية والديمقراطية التي نؤمن بها.
وشدد على ضرورة المحافظة على الاستقرار في لبنان الذي تمكن من تحرير الأجزاء التي احتلها “داعش”، لافتا الى ان دعمه في المجالات الاقتصادية والتعليمية والثقافية والأيكولوجية يبقى أساسا لتحقيق السلام المستدام في الشرق الأوسط وفي العالم.
واعتبرت رئيسة بلدية باريس آن ايدالغو ان لبنان عرف بانتصاره على الارهابيين ان يرسل الى العالم باسره رسالة واضحة مفعمة بامل الانتصار على الارهاب بشكل تام.
واكدت ان وحده الالتزام القائم على خدمة الاخوة البشرية قادر على ضمان حريتنا وهي حرية لطالما عرف لبنان كيف يجسدها وايا كانت الصعوبات فان ما من حرب وما من عملية ارهابية قادرة على القضاء على روح الحرية التي تميز لبنان.
كلام رئيس الجمهورية ورئيسة بلدية باريس جاء في خلال كلمة لهما في مبنى البلدية التي زارها الرئيس عون في الحادية عشرة قبل ظهر اليوم ترافقه اللبنانية الاولى السيدة ناديا الشامي عون، وذلك في اليوم الثاني لـ”زيارة الدولة” الى فرنسا. وقد خصصت البلدية للرئيس عون واللبنانية الاولى استقبالا مميزا حضره حوالي 200 مدعو من سفراء ورسميين ونقباء.
واستقبل الرئيس عون وقرينته لدى وصولهما السيدة ايدالغو ووزير الدولة لشؤون التنمية المالية، وبعد مراسم الاستقبال توجه الرئيس عون والسيدة الاولى بين ثلة من الحرس الجمهوري الى مبنى البلدية على وقع الموسيقى العسكرية ثم الى مكتب السيدة ايدالغو حيث عقد لقاء حضره وزير المالية (السيد غريفو) والسفير الفرنسي في لبنان برونو فوشيه والنائب الاول لرئيسة البلدية برونو جوليار ونائب رئيسة البلدية للشؤون الدولية والفرنكوفونية السيد باتريك كلوغمان والموفد العام للعلاقات الدولية السيدة باتريزيانا سبارشينو-تيلاي.
اما عن الجانب اللبناني، فحضر اعضاء الوفد: وزيرا الخارجية والمغتربين جبران باسيل، والدولة لشؤون رئاسة الجمهورية بيار رفول، والنواب نبيل نقولا وسيمون ابي رميا والان عون وجيلبيرت زوين، ورئيسة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية السيدة كلودين عون روكز، والسفير اللبناني رامي عدوان، ومدير الشؤون السياسية في وزارة الخارجية السفير غادي الخوري، والمستشارة الرئيسية لرئيس الجمهورية السيدة ميراي عون الهاشم، ومستشار رئيس الجمهورية للشؤون الدولية الوزير السابق الياس بو صعب ومستشار رئيس الجمهوري الاعلامي الاستاذ جان عزيز ومدير مكتب الاعلام الاستاذ رفيق شلالا.
وفي ختام الاجتماع، توجه الجميع الى قاعة الاحتفال في salon des arcades حيث قدمت رئيسة بلدية باريس الى الرئيس عون قائد منطقة ile de France ، وقائد شرطة باريس ومساعديه ورؤساء بلديات ضواحي باريس ورؤساء الاحزاب السياسية، قبل ان يتم تقديم الوفد اللبناني الى رئيسة البلدية.
ثم توجه الرئيس عون واللبنانية الاولى والوزير GREVEAUX ورئيسة البلدية الى المنصة المخصصة لهم حيث عزفت فرقة la Musique des Gardiens de la paix النشيدين اللبناني والفرنسي. والقت السيدة ايدالغو كلمة هنا نصها:
” بكثير من التأثر يطيب لي ان استقبلكم في مقر بلدية باريس واننا كنا في انتظاركم فأهلاً وسهلا بكم في باريس.
لقد قلت لكم عبارة بلغتكم وبلكنة سأعمل على تحسينها فخامة الرئيس لقد تم انتخابكم من قبل المجلس النيابي بعد فترة طويلة من القلق اعترت بلدكم الجميل لبنان وها انتم اليوم في باريس تحملون شعلة امل لكل الذين يحبون لبنان في باريس فبالواقع انتم تعطون صورة عن وطن، وزيارتكم تعطي صورة لبنان الحريص على تاريخه كما على مستقبل لبنان معافى ويسير نحو التقدم. انتم تجسدون هذا اللبنان الذي لا يشك في اي شيء ويثق بتاريخه وان مسيرتكم لكفيلة لان تكون شاهدة على ذلك.
ان لبنان كفرنسا وهو وطن يتماهى مع الغني والتنوع الذين يميزانه انه معافى موحد ولبنان حي يظهر امام اعين الفرنسيين.
تعرفون منذ زمن مديد اتخذ لبنان لنفسه موقعاً هاما في قلوب الفرنسيين بموجب تاريخ لا ينتمي الا اليه. ان بلدين متحدان بتاريخ مشترك، ويمكنني ان اقول، اتحدا في تاريخ لا ينتمي الا اليهما من دون اللبنانيين فان باريس لن تكون تماما ما هي عليه.
ان باريس وضواحيها تجمع اكثر من نحو 82 الفا من اللبنانيين الذين يحملون الجنسية الفرنسية من فنانين ورجال اعمال ومثقفين الذين من دون ان يتنكروا لجذورهم يقدمون لوطننا حيوية وروحية استثنائية وهذا ما الحظه يوميا على سبيل المثال في الدائرة الخامسة عشرة التي غالبا ما تتم تسميتها بـ”بيروت على ضفاف نهر السين” ، بالنظر الى وجود جالية لبنانية كبيرة العدد منذ اجيال في هذه المنطقة اضافة الى المحلات التجارية التي يملكها لبنانيون هناك. تعرفون ان علاقة المحبة متبادلة بين بلدينا وقد اختار الكثير من الفرنسيين لبنان وطنا قلبيا لهم وانني لا اقول ذلك استنادا فقط الى العلاقات التاريخية المديدة بل لان اللبنانيين يشكلون شعبا من قيم وباسم مجموعة القيم التي تجمعنا.
وعلى اية حال، فخامة الرئيس، فانني اذ اقول ذلك فانا مولودة في منطقة قادش الاسبانية التي اسسها الفينيقيون اي اللبنانيون. وانني اعرف مدى تعلقكم بالفرانكوفونية التي تلعب دورا مركزيا في بناء لبنان الحالي اضافة الى تراث الاحترام المتبادل والمشترك، ولاجل ذلك حرصت العام الماضي ان تنعقد الجمعية العمومية لاتحاد رؤساء بلديات المدن الفرانكوفونية التي لي شرف رئاستها ان تنعقد في بيروت التي نرتبط واياها بعلاقات متينة وراسخة مع رئيس بلديتها. اما اليوم، فانني احيي شجاعة اللبنانيين الذين دفعوا ثمنا غاليا نتيجة النزاعات الدامية في الشرق الاوسط. ان استقبالكم لاكثر من مليون ونصف نازح سوري هربوا من النار السورية منذ سنوات عدة جعلنا نواصل اعجابنا بقدرتكم. ولقد تسنى لي مشاهدة معاناتهم في بلادكم بام العين والافادة من خبرتكم في مساعدة ضحايا الحروب والتخفيف من معاناتهم. واننا ندرك مدى حجم المسؤولية الهائلة التي تتحملونها وحيدين في لبنان هذا الوطن الرائع. على اي حال، فانني عدت من زيارتكم هذه وقد باتت لدي قناعة بانه علينا ان نستقبل في اوروبا نازحين بظروف لائقة. فلقرون مضت سعينا الى التقريب بين اوروبا والشرق وافريقيا عبر بحرنا المشترك: البحر الابيض المتوسط. اننا نشكل عالما واحدا ومن الملح علينا ان نكون اليوم انسانية مشتركة.
منذ العام 2012 عملنا في باريس على مضاعفة قيمة المساعدات التي نقدمها ولقد قدمنا اكثر من مليون يورو مساعدة لضحايا الحروب في سوريا، وسعينا ان نأخذ على عاتقنا مساعدة نساء واطفال وشيوخ من مناطق عدة، وكما تعلمون فاننا نعمل على دعم مسيحيي المشرق المضطهدين. واشارت الى ان وحده الالتزام القائم على خدمة الاخوة البشرية قادر على ضمان حريتنا وهي حرية لطالما عرف لبنان كيف يجسدها وايا كانت الصعوبات فان ما من حرب وما من عملية ارهابية قادرة على القضاء على روح الحرية التي تميز لبنان.
وان زيارتي العام الماضي الى بيروت اتاحت لي اختبار مدى حيوية شعبكم وعاصمتكم واعرف انه في العام 2015 عندما تعرضت عاصمتنا لعمليات ارهابية كم وقف اللبنانيون الى جانبنا ولا يمكنني ان انسى شهادات الدعم والتضامن التي ارسلت الينا من قبل اللبنانيين وهي ساهمت في دعم تضامننا المشترك من اجل عدم الوقوع ضحية الخوف. ان من يعرف بيروت وخصوصا الحياة الليلية فيها يدرك اهمية الدعم التي اعطتنا اياه واحيي الانتصار الذي حققتموه على الارهابيين حيث عرف لبنان ان يرسل الى العالم باسره رسالة واضحة مفعمة بامل الانتصار على الارهاب بشكل تام. معا علينا مواصلة جهودنا من اجل الانتصار على الظلمات وان نواصل محبة العيش المشترك. وفق هذه الروحية ايضا احيي دعم اللبنانيين لترشيح باريس لاستضافة الالعاب الاولمبية في العام 2024 وفق هذه الاسس قررت باريس اطلاق اسم الشاعر والمفكر اللبناني الكبير جبران خليل جبران رائد الحرية والتسامح والحوار على حديقة من حدائقها. وفي الختام يطيب لي ان اشدد على المشروع الذي تولينا تنفيذه والذي يحمل اسم “البيت الاصفر” في بيروت والذي سبق لي وزرته وهو شاهد على الدمار الذي لحق بعاصمتكم اذ كان موقعه على خطوط التماس آملين ان يتحول الى مقر للفكر والحوار والثقافة. واعرف فخامة الرئيس كم يمثل لكم هذا البيت من قيم، انه يجسد ذاكرة شعب اجتاز الازمات لكنه اختار ان يبقى مستمرا في الحياة”.
كلمة الرئيس عون
ورد الرئيس عون بكلمة هنا نصها:
“اقول مستذكراً عبارات الجنرال شارل ديغول التاريخية لدى تحرير باريس: بيروت الغاضبة، بيروت المحطمة، بيروت الشهيدة ولكن بيروت التي عادت إلى الحياة تسع مرات مثل طائر الفينيق، طائر لبنان الأسطوري.
حضرة العمدة،
أشكركِ على استقبالي في بلدية مدينة باريس، هذا المكان الرمزي الذي أحرق وأعيد بناؤه مثلما نهضت بيروت مرات متعدّدة من تحت الرماد.
باريس وبيروت، مدينتان قادرتان على الصمود وفي الوقت عينه منفتحتان على العالم. مدينتان تمكنتا، أكثر من أية مدينة أخرى من العالم، من استيعاب مزيج من الحضارات ما جعل كلاً منهما نسيجًا من ثروات تشع إلى أبعد حدود.
تخوض بيروت وباريس اليوم معركة واحدة، معركة حماية قيم السلام والحرية والديمقراطية التي نؤمن بها.
إن الإرهاب الحانق الحاقد آلم باريس وبيروت وبرشلونة ولندن، دون أن ننسى مصر وبوركينا فاسو وغيرها من البلدان الأخرى الكثيرة… قائمة لا نهاية لها على ما يبدو.
لقد خضنا وربحنا معركة حاسمة ضد داعش وتمكّنّا من تحرير الأجزاء التي احتلها هذا التنظيم الإرهابي في لبنان. وبإسم جنودنا الشهداء، نهدي هذا الانتصار إلى جميع ضحايا الهجمات الإرهابية، إلى كل قطرة دماء أريقت في مختلف أنحاء العالم بسبب التعصب.
إنّما ما زالت التحديات تعرض امنه للخطر.
فَتَحْتَ راية الإنسانية والسخاء، استضاف لبنان عدداً ضخماً من النازحين ليصبح اليوم رازحًا تحت عبء أكثر من ٥٠٠ ألف نازح فلسطيني يُضاف إليهم مليون ونصف نازح سوري ما يعادل نصف عدد سكانه. إنّ هذه المعادلة هي ذات انعكاسات أمنية واقتصادية واجتماعية لا يمكن التغلب عليها. لقد تشاركنا معهم ولمدة ٦ سنوات مدارسنا ومستشفياتنا وأعمالنا وأرضنا واليوم أصبح من الضروري تنظيم عودتهم إلى المناطق المستقرة في سوريا والتي تشكل الآن ٨٢٪ منها خاصةً وإنهم لا يتمتعون بصفة اللاجئين السياسيين في لبنان بل إنهم أشخاص هربوا من فظائع الحرب. فمن واجب الأمم المتحدة مساعدة هؤلاء النازحين على العودة إلى بلادهم بدلاً من مساعدتهم على العيش في مخيمات غير إنسانية فيتركونها ليذهبوا إلى أوروبا ويصبحوا غير قانونيين.
ان زعزعة استقرار لبنان، هذا البلد الذي يواجه حاليا أزمة اقتصادية كبرى، هي بمثابة عملية انتحارية لكل المجتمعات التي تؤمن بالتعددية وبالديمقراطية. والمحافظة على هذا الاستقرار ضرورة للتصدي للتحدي الذي يطرحه القرن الواحد والعشرين، تحدي “العيش المشترك”. فهو مثال فريد للتعايش الذي تمكن لبنان من المحافظة عليه رغم الاضطرابات في المنطقة وذلك ليناهض الفكر الأصولي وديكتاتورية الإرهاب. ويبقى دعمه في المجالات الاقتصادية والتعليمية والثقافية والأيكولوجية أساسا لتحقيق السلام المستدام في الشرق الأوسط وفي العالم.
اني أشجع جميع المبادرات التي تسعى إلى تحقيق هذا الهدف، ويسرني في هذا الصدد أن أذكر هنا مبادرة البيت الأصفر؛ أي “بيت الذاكرة” الذي افتتحناه بمشاركة رئيس بلدية بيروت. وفيما يحتفظ هذا البيت بآثار معارك الماضي، سيساعدنا في النجاح في المستقبل من خلال أعمال ثقافية وأفكار نتبادلها ونناقشها في هذا المكان.
نعم، حضرة العمدة، نحن جميعاً ورثة، ورثة تاريخ، ورثة ثقافة وأحيانا ثمرة العديد من الثقافات.
فحضرتك متحدرة من أصل إسباني ولكن هنا في فرنسا وجدت الفرصة لتحقيق طموحاتك.
ولهذا أود أن أحيي جميع أبناء وطني الذين ظلوا اوفياء لقيمهم فيما كانوا ينخرطون بنجاح في البلدان المضيفة لهم. فهم محامون وأطباء وفنانون وكتاب ومبدعون ورجال أعمال ساهموا في رفع اسم وطنهم الأم كما شاركوا في تنشيط المجتمعات التي استضافتهم.
وإنّني لفخور بالمبادرة التي تقومون بها للاحتفاء بالكاتب والشاعر والرسام اللبناني جبران خليل جبران بإطلاق إسمه على فسحة تنزّه في الدائرة الخامسة عشرة في باريس.
كما تعلمون، نتشاطر معكم حب اللغة الفرنسية منذ أولى السنوات الدراسيّة وهذه الصلة اللغوية عزيزة علينا وقد وحدتنا مع فرنسا على امتداد قرون عديدة.
كون حضرتك رئيسة رابطة العمداء الناطقين بالفرنسية، الذين عقدوا مؤتمراً لهم العام الماضي في بيروت، تعلمين على أفضل وجه أن الإعتزاز بلغة هو حب للأفكار التي شكلت هذه اللغة .
حضرة العمدة
لقد اسستم العديد من المشاريع التي تسهم في تحسين حياة الباريسيين وتعطي دفعاً أكبر وأكثر جاذبية للعاصمة في العالم.
ودافعتم بتصميم ونجاح عن مشروع ترشيح مدينة باريس لتكون المدينة المضيفة للألعاب الأولمبية لعام ٢٠٢٤ وأنا أتابع باهتمام جهودكم الرامية إلى الحفاظ على البيئة. ان العالم الذي يسوده السلام هو العالم الذي يحترم البيئة ويعمل على استدامتها.
ان لبنان في انتظار مشاريع كبرى ولقد تمكنا بالفعل من اعتماد قانون انتخابي جديد يضمن تمثيلاً عادلاً قبل موعد الانتخابات التشريعية المقبلة في شهر ايار المقبل.
لقد واجهنا الإرهاب بطريقة استباقية ورادعة ودفاعية. ويبقى تزويد الكهرباء وإمدادات المياه وتحسين الطرق من الأولويات من دون أن ننسى الحفاظ على مواردنا الطبيعية وإعادة تشجير غاباتنا المهددة بالتصحّر والحفاظ على بيئتنا.
ومن المؤكد أن الاستثمار في الموارد البشرية وبخاصة في قطاعي التعليم والمعرفة سيظل من أولويتنا علماً أن هذه القطاعات تساهم في تنشئة أجيال يمكن الاعتماد عليها لضمان مستقبل لبنان، مستقبل نتطلع إليه جميعاً.
نعم، فإن غنى لبنان الأساسي يكمن في موارده البشرية المنتشرة في جميع أنحاء العالم وهي موارد ندين لها باستمرارية رسالة لبنان ونشرها. ويكمن غنى لبنان أيضاً في رجاله المقيمين في وطنهم والذين يحق لهم أن يعيشوا في بيئة سياسية سليمة وبيئة طبيعية نظيفة.
إنّنا نعول على خبرتكم وعلى ديناميتكم للمساهمة في هذه الورشة الضخمة التي تنتظرنا.
عاشت باريس، عاشت بيروت وعاش لبنان”.
بعد ذلك، وقع رئيس الجمهورية والسيدة ايدالغو على مخطوطة تحمل شعار رئاسة الجمهورية اللبنانية تؤرخ الزيارة الى البلدية، ثم دوّن رئيس الجمهورية على السجل الذهبي للبلدية:
“ نحن هنا في قصر بلدية باريس، يا لرمزية هذا المكان الذي دمر واعيد بناؤه، كما بيروت التي ولدت لمرات من رمادها. أود ان احيي ضحايا الحقد الارهابي الذي ضرب مرات عدة باريس. لاجل هؤلاء الضحايا، اهدي على اسم شهداء جيشنا المعركة الاخيرة والحاسمة التي انتصر فيها لبنان على داعش.
باريس وبيروت مدينتان قادرتان على تخطي الصعاب ومنفتحتان على العالم. اكثر من اي احد آخر عرفت كل من باريس وبيروت كيف تحتضن عصارة الحضارات وتبني من خلالها نسيجاً يشع بعيدا ابعد من اي حدود.
اليوم نضال واحد يوحدهما: حماية قيم السلام والعدالة والديمقراطية”.
مجلس الشيوخ
وواصل رئيس الجمهورية ” زيارة الدولة” التي يقوم بها الى فرنسا فزار في الثانية عشرة والنصف من ظهر اليوم (الاولى والنصف بتوقيت بيروت) مقر مجلس الشيوخ في قصر لوكسمبورغ حيث كان في استقباله رئيس المجلس جيرار لارشيه الذي صافحه عند المدخل الرئيسي يحيط به القائد العسكري لقصر لوكسبمورغ الجنرال جان بيار مولينييه. وعرض الرئيسان عون ولارشيه ثلة من الخيالة وحرس الشرف على وقع موسيقى الحرس الجمهوري الفرنسي، ثم بعدها تقديم اعضاء الوفدين اللبناني والفرنسي، وبعد التقاط الصور التذكارية، اصطحب الرئيس لارشيه ضيفه الى مكتبه حيث عقدا اجتماعا في حضور اعضاء الوفد اللبناني الرسمي الذي انضم اليه النواب جيلبيرت زوين ونبيل نقولا والان عون وسيمون ابي رميا، وعدد من اعضاء مجلس الشيوخ.
في مستهل اللقاء، اعرب الرئيس لارشيه عن سعادته للترحيب بالرئيس عون والوفد المرافق مستذكرا علاقة جمعته معه منذ العام 1986، مشيرا الى انه زار بيروت 35 مرة، الا انه شعر اليوم بسعادة حقيقية لاستقبال الرئيس اللبناني” الذي اعاد الحياة الى المؤسسات الدستورية اللبنانية بعد غياب شعرنا جميعا بمرارته لاسيما لدى زيارتي بيروت لافتتاح معرض الكتاب الفرنسي حيث لم يكن هناك رئيس للجمهورية ازوره واعبر له عن تقديري”. وشدد لارشيه على اهمية العلاقات اللبنانية- الفرنسية، ودور مجلس الشيوخ في تعزيزها وتطويرها خصوصا بعد انتظام الحياة الدستورية في البلاد. ورد الرئيس عون شاكرا للرئيس لارشيه العاطفة التي ابداها تجاهه مستعرضا مراحل عمله السياسي وصولا الى انتخابه رئيسا للجمهورية قائلا انه خاض الكثير من ” المعارك” من اجل سيادة لبنان واستقلاله وهو اليوم في باريس يواصل باسم الشعب اللبناني كله، الدفاع عن الحقوق الوطنية اللبنانية وعن السيادة والاستقلال.
وتم خلال اللقاء التطرق الى الكثير من المواضيع ذات الاهتمام المشترك لاسيما موقف لبنان من الارهاب بعد الانتصار الذي حققه الجيش اللبناني على تنظيم ” داعش” الارهابي، والاوضاع في سوريا ومسألة النازحين السوريين، اضافة الى الاوضاع الاقتصادية العامة والتطورات الاقليمية. كما تناول الحديث الجهود التي تقوم بها فرنسا من اجل مساعدة لبنان من خلال المؤتمرات التي يتم التحضير لها لمساعدة الجيش والقوى المسلحة، وموضوع الاستثمار في لبنان اضافة الى وضع النازحين.
كذلك تم خلال اللقاء تقييم التطورات الدولية المرتبطة بعدد من الاحداث، فضلا عن اوضاع مسيحيي الشرق، الذي نوه الرئيس لارشيه بما يقوم به الرئيس عون لجهة الاهتمام بمعالجتها لتأمين استمرار الوجود المسيحي في الشرق.
وبعد انتهاء المحادثات دون الرئيس عون في سجل مجلس الشيوخ العبارة الاتية:
” ان القوة المعنوية اقوى من القانون، ولو ان الاثنين يسيران معا. باسم لبنان احيي هذا المقام النبيل الذي تسنّ فيه التشريفات ويقضي باحترام قوة الالتزام المعنوي، هذا المقام المرتفع على اسم حرية التعبير والنقاش الديمقراطي”.
زيارة كنيسة مجلس الشيوخ
وبعد ذلك انتقل الرئيسان عون ولارشيه الى كنيسة مجلس الشيوخ التي كانت في وقت مضى اول كنيسة لابناء الطائفة المارونية في باريس الذين كانوا يحتفلون بالقداديس فيها، قبل ان تصبح كنيستهم في دير سيدة لبنان في شارع ” اولم” (Ulm) في العاصمة الفرنسية. وقدم الرئيس لارشيه شروحات للرئيس عون عن تاريخ الكنيسة.
واقام الرئيس لارشيه مأدبة غذاء على شرف الرئيس عون والوفد المرافق، شارك فيها عدد من اعضاء مجلس الشيوخ والشخصيات اللبنانية المقيمة في باريس. والقى الرئيس لارشيه كلمة رحب فيها بالرئيس عون وصحبه، متحدثا عن علاقات الصداقة التاريخية القائمة بين لبنان وفرنسا وقال: ” الكل يعلم ان صداقتنا تستند الى ارتباط بين العقل والقلب والتلاقي على قيم مشتركة نتقاسمها، لعل ابرزها الفرانكوفونية وعلينا العمل من اجل تمتين هذه العلاقات الثنائية وتطويرها في المجالات كافة لاسيما وان لبنان كان دائما مثالاً للانفتاح في الشرق الاوسط وجسر العبور الى فرنسا”. واضاف الرئيس لارشيه: ” علينا ان نكون متضامنين ليس فقط في القضايا العادية، بل كذلك في القضايا الاساسية لاسيما تلك التي يواجهها لبنان وفي المقدمة الارهاب الذي تمكن لبنان من الانتصار على احد رموزه. ونعتقد صادقين ان لبنان باقٍ عنوانا للفضائل ورمزاً من رموز حرية المعتقد والحياة الديمقراطية، ونموذجا ايضا للعيش بين المسلمين والمسيحيين، وما شاهدناه امس في معهد العالم العربي عن معرض مسيحيي الشرق خير دليل لدور المسيحيين المشرقيين عموما، واللبنانيين خصوصا في تمتين هذا العيش”.
وقال: ” ان بلدا يظهر هذا القدر من التضامن بين ابنائه خصوصا في الازمات المصيرية التي تواجهه، ويتجاوز التحديات، هو بلد جدير بالحياة، وعلى ابنائه ان يدركوا ان الخصائص التي يتمتعون بها، تجعلهم على ثقة بان الدول الصديقة، وفي مقدمها فرنسا، ستكون الى جانبهم ولن تتوقف عن مساعدتهم حتى يبقى وطنهم مستقرا، لان في استقراره تستقر المنطقة ويتحقق ايضا الامن والاستقرار في اوروبا عموما وفرنسا خصوصا”.
وحيا الرئيس لارشيه التزام الرئيس عون الدفاع عن سيادة لبنان واستقلاله لسنوات طويلة “على رغم الظروف القاسية التي مررتم بها. ذلك ان نضالكم من اجل لبنان هو نضال يحتذى، ولبنان وفرنسا سوف يحتفلان بعد ثلاث سنوات بولادة لبنان الكبير، والفرحة ستكون واحدة”.
ورفع الرئيس لارشيه نخب لبنان ونخب الرئيس عون والصداقة اللبنانية- الفرنسية.
وبعد انتهاء الغداء غادر الرئيس عون مقر مجلس الشيوخ مودعاً بمثل ما استقبل به من حفاوة وتكريم.
والمحطة الثالثة في اليوم الرئاسي الثاني في باريس كانت في قصر “ماتينيون” مقر رئاسة الحكومة الفرنسية حيث التقى عون مساء ابناء الجالية اللبنانية في مجمع ” لو بريه كاتلان”.
وفي برنامج الغد الأربعاء زيارة مقر الجمعية الوطنية الفرنسية ولقاءات متفرقة يغادر بعدها رئيس الجمهورية باريس عائدا الى بيروت.