مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
شكّل قيام رئيس إقليم كردستان-العراق مسعود البرازني باستفتاء أمس حول رأي الأكراد بالإنفصال عن السلطة المركزية في العراق رسالة تحدّ قوية لكلّ من يدعو الى عدم تفتيت الدّول من العراق الى سوريا، وربّما مرورا بلبنان، حيث أحلام الفيدرالية والكونفيديرالية لا تزال تدغدغ أفكار البعض.
وإذا كان البرازاني ضرب عرض الحائط تحذيرات دول غربية مثل أميركا وبريطانيا، وتهديدات العواصم الإقليمية من دمشق الى أنقرة فطهران فبغداد، وتجاهل العقوبات التي بدأت تباشيرها أمس من العراق، فإن ذلك يشير الى أنّ وراء الأكمة ما وراءها.
في هذه المقابلة، يوضح الكاتب الكردي المستقل زيد سفّوك، ملابسات الإستفتاء الذي أظهر أن نسبة تقارب الـ 96 في المئة من المستفتين يريدون الإنفصال عن السلطة المركزية في العراق. ويبدو من خلال الكاتب الكردي الذي كان رئيسا سابقا لحركة “الربيع الكردي” التي تأسست في بداية الثورة السورية بأن الأكراد راغبين في التصعيد، بضوء أخضر أميركي، وأن أحلام الدولة الكردية باتت بالنسبة الى أكراد العراق واقعا لن يطول تحقيقه أكثر من عام.
*ما تقييمك لنتيجة إستفتاء الأمس وتوقيته؟
-تمّ تظهير نتيجة الاستفتاء قبل اعلان النتائج، وذلك حين اتفقت الاحزاب الكردية برمّتها عليه، ومن ثمّ تمّ تفعيل البرلمان الذي كان معطلا منذ عامين، ومن ثم حين خرج الكرد في جميع مناطق كردستان بمئات الالاف للاحتفال بالقرار. لا اعتقد ان هناك تداعيات يستوجب الحديث عنها فكل ما يجري من تضخيم اعلامي بأن هناك كارثة بشرية بسبب الاستفتاء وان القيامة قد قامت، ما هي الا زوبعة في فنجان كان الهدف منها التغطية على فشل الملف السوري داخل الامم المتحدة ومجلس الامن والهاء الاعلام عن الصراع الخليجي بين السعودية وقطر الى حين ايجاد علاج له وربما عدة ملفات اخرى من ضمنها الملف الاسرائيلي الفلسطيني.
بالنسبة لتوقيته أعتقد انه غير مناسب وكان لا بد من اجرائه قبل عدة اعوام لسبب وجيه وهو ان الكرد تعرضوا لابشع اساليب القمع والقتل والاضطهاد طوال عقود مضت ورغم ما حصل لهم تنازلوا عن حق إقامة دولتهم حين سنحت لهم الفرصة عام 2003 أثناء سقوط نظام البعث، فقد اتحدوا مع باقي العراقيين من السنة والشيعة والمسيحيين للحفاظ على السلم الاهلي والامان للعراق ولدول الجوار وبنوا يدا بيد دولة اتحادية ودافعوا عنها، وكان الجزاء الذي حصلوا عليه هو اعادة فرض نظام ديكتاتوري عليهم من قبل الحكومة المركزية التي قامت بتعطيل جميع مواد القانون المتعلقة باقليم كردستان.
*هذا الإستفتاء أثار سخط الدول الإقليمية برمتها باستثناء إسرائيل وهي الوحيدة التي أيدته، كيف تفسّر ذلك؟
-إن مسألة دعم اسرائيل لقيام دولة كردية تتوضح في نقطتين: الاولى حتى هذه اللحظة لا يزال التأييد مجرّد اعلام ولا يوجد أ دليل ملموس على ارض الواقع، كل ما هنالك تصاريح من داخل تل ابيب آخرها كانت على لسان رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، ومع ذلك اكرر حتى هذه اللحظة لا يوجد دعم عسكري ولا مادي لاقليم كردستان من قبل اسرائيل وما يتم الترويج له عن وجود قاعدة عسكرية اسرائيلية في إربيل عار عن الصحة، فالقاعدة أميركية، وغن وجدت طائرات اسرائيلية بداخلها فذلك شأن اميركي وعائد للبنتاغون، وطبعا لن يوجد دعم سياسي لان اسرائيل بالاساس لا تمتلك أي ملعب سياسي، قوتها استخباراتية وعسكرية من خلال دعم اليهود لها اصحاب القوة الاقتصادية العالمية. والنقطة الثانية هي ان اميركا وحدها الداعم وتوجد بينها وبين الاقليم مصالح مشتركة منذ عام 1993 وحتى لا تضع نفسها امام الرأي العام العالمي بانها قسمت العراق ودعمت قيام دولة كردية بناء على مصالحها فهي تقوم بدفع اسرائيل الى الواجهة لان الاخيرة لا احد يستطيع ان يحاربها ويقف امامها، وهنا يتوضح ان عدم معارضة اسرائيل لقيام دولة كردية هو وحده الدعم فحسب لا غير وذاك كاف لتوضيح كيف تدار منطقة الشرق الاوسط من خلف الستار.
فيما يخص موقف الغرب والعرب من الاستفتاء وما شهدته الايام الاخيرة من تصريحات لعدة مسؤولين في تلك الدول فقد بدا التخبط واضحا لديهم وهذا معناه انهم غير آبهين لما يجري وكانهم سلموا بالامر للقوى العظمى وبالتحديد بريطانيا واميركا، فتصاريحهم كانت عبارة عن نداء اننا هنا، ولو اراد احد ان يحدد موقفا جريئا لكان حزم امره وتدخل بقوة للوقوف مع الحق وانصاف التاريخ، ومن جهة اخرى لديهم ملفات كثيرة عالقة في فلسطين وليبيا واليمن وسوريا ولبنان ومنذ اعوام لم يستطيعوا حل أي ملف فكيف بملف جديد كاقامة دولة كردية؟ فاقد الشيء لا يعطيه فالدول الاوروبية والعربية لا تستطيع فعل شيء لانه هناك دوما سيدة العالم صاحبة الامر الناهي اميركا ومن بعدها روسيا في الشرق الاوسط”.
*هذا الإنفصال إن حصل سيهدد المنطقة بحرب قادمة، ألا ترون ذلك؟
-الحرب واردة ولا شيء مستبعد لكن ليس الان، لان الاستفتاء لا يعني الاستقلال فما زال هناك ترسيم حدود باشراف دولي وملفات عالقة من ديون على العراق ونزاعات حول المناطق المتنازع عليها ، كل هذه الامور يلزمها الكثير من الوقت حتى يتم حلها، اما بالنسبة لوضع الاكراد بعد الاستقلال فمن المؤكد سيكون افضل لان العراق تحت عباءة ايران مُكلف عليهم كثيرا وباستقلالهم ستكون هناك دولة ذات سيادة هدفها المحبة والسلام ونبذ العنف ولنعد لتاريخ الكرد منذ الاف السنين لا يوجد صفحة واحدة او حتى سطر يذكر انهم اعتدوا على احد، بل على العكس تماما كان الظلم شريكا في مسيرة حياتهم ومع ذلك ظلوا اصحاب الضمير والاخلاق والسلام.
*كيف سيواجه الأكراد الحصار الإقتصادي من 4 عواصم إقليمية: بغداد دمشق أنقرة وطهران؟
-كل ما يذاع حول قرارات بمحاصرة الأكراد العراقيين اقتصاديا من قبل دول الجوار هو مجرد ورقة خاسرة لسببين: الاول ان الكرد في كردستان العراق دون غيرهم تحملوا اصعب الظروف الاقتصادية وامضوا عقودا في الجبال في الصيف الحار والشتاء القارس ولم يتنازلوا لاحد وأية حرب اقتصادية لن تؤثر عليهم او على قراراتهم في حق تقرير المصير، والنقطة الثانية ان المتضرر الاكثر من الحصار سيتمثل بتلك الدول ولا سيما تركيا حيث أن 75 بالمئة من اقتصاد الاقليم تستثمره تركيا وهو من احد اهم مصادر تقوية اقتصاد انقرة، اما فيما يخص النفط وتصديره فتلك عائدة لشركات اميركية وبريطانية التي تعاقدت مع حكومة الاقليم فهي من اسست خطا طوليا من ابار الاقليم الى ميناء جيهان وهي من تتكفل باستمراره. الامور واضحه فالدولة الكردية قادمة وان تأخرت لعدة اعوام حيث ان الامور ترجح الان الى اتفاق في العام المقبل حول الكونفدرالية وثم فيما بعد اعلان جمهورية كردستان.