“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
غرّد وزير الدولة لشؤون الخليج ثامر السبهان في الأسبوع الفائت مرّتين عن لبنان وذلك إثر زيارة قصيرة التقى فيها عددا من الفاعليات اللبنانية مستثنيا رئيس الجمهورية العماد ميشال عون.
في 4 الجاري كتب السبهان على حساب “تويتر” الخاص به: ” ما يفعله “حزب الشيطان” من جرائم لا إنسانية في أمتنا سوف تنعكس إثارة على لبنان حتما، ويجب على اللبنانيين الإختيار معه أو ضدّه. دماء العرب غالية”.
وفي 8 الجاري عاد وغرّد:” الإرهاب والتطرّف في العالم منبعه إيران وإبنها البكر “حزب الشيطان” وكما تعامل العالم مع داعش لا بدّ التعامل مع منابعه، شعوبنا بحاجة للسلام والأمن”.
ما لفت في هاتين التغريدتين إبتعاد السفير السعودي السابق لدى العراق عن اللغة الدبلوماسية التي تستخدم التلميح لا التصريح والتي تتميز بها المدرسة الدبلوماسية السعودية، فوصف “حزب الله” بـ”حزب الشيطان” وهي عبارة طالما يستخدمها مغردون سعوديون من المستويات المختلفة واصفين “حزب الله” بأوصاف شتى بينها أيضا “حالش”.
كذلك طلب السبهان بشكل مباشر من اللبنانيين تحديد خياراتهم: إما مع “حزب الله” أو ضده، ثم طالب العالم التعامل مع “حزب الله” بذات المستوى في التعامل مع “داعش” واضعا “حزب الله” بنفس المستوى مع التنظيم الإرهابي العالمي، ما يذكر بكلام الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي استقبل الشهر الفائت رئيس الحكومة سعد الحريري وساوى أمامه بين “حزب الله” وتنظيم “القاعدة” و”داعش”.
لم تنزل هاتين التغريدتين بردا وسلاما على المناخ السياسي اللبناني الذي يضبط إيقاعه بالتسويات الداخلية متجاهلا الغليان المذهبي الإقليمي والحرب السعودية الإيرانية المستعرة، وإذ تمنّع “حزب الله” على الردّ على التغريدتين بشكل مباشر، فإن الفريق المناوئ له وخصوصا من المؤيدين للخط السعودي تجرّعوه بمرارة مفتشين عن إحداثيات تشرح لهم خلفياته في هذا التوقيت بالذات.
ليس خفيّا أن المملكة العربية السعودية التي تتواجه مع إيران في أكثر من ساحة عربية من سوريا الى العراق فاليمن والبحرين ليس راضية البتّة عن السياسة التي ينتهجها لبنان وخصوصا في القضايا الإستراتيجية العربية، وهي لعبت ورقة الموافقة الضمنية على انتخاب العماد ميشال عون طمعا بإحداث توازن على الساحة اللبنانية ولمنع جنوح لبنان كليا الى الكفّة الإيرانية.
لكن، وبعد اقتراب اكتمال عقد السنة الأولى على انتخاب عون تتساءل أوساط سعودية واسعة الإطلاع:” ما الذي قدّمه رئيس الجمهورية اللبنانية للعرب؟”، ويأتي الجواب مدوّيا: لا شيء.
بالعكس، فإن عون منح الكثير للمحور الذي تدعمه إيران، من دعم معنوي لـ”حزب الله” في فتح معركة الجرود ضدّ “جبهة النصرة”، والموافقة على التسويات التي عقدها معها، ثم غطّى التسوية التي عقدها “حزب الله” مع “داعش” لنقل 300 مقاتل و300 من أسر الداعشيين الى البوكمال في تسوية لم يفقهها اللبنانيون لغاية اليوم، والمدهش سعوديا أنها نالت تغطية ايضا من رئيس الحكومة اللبناني سعد الحريري الذي قال في حوار مع صحيفة “لوموند” الفرنسية إبان زيارته لباريس بأنه كان على علم بحيثيات التسوية التي هندسها “حزب الله” مع داعش وبأن الأولوية كانت لتحرير الجرود واستعادة جثامين العسكريين اللبنانيين المخطوفين لديها.
ويشرح سعوديون مطلعون تغريدتي السبهان بعدم الرضى السعودي على الصفقة التي أقامها “حزب الله” مع “داعش” والتي نالت تغطية من اللبنانيين. ويقول مصدر سعودي واسع الإطلاع لموقع “مصدر دبلوماسي”:” بعد ظهور العلاقات بين “حزب الله” و”داعش” بشكل علني وكنّا كسعوديين نعرف بها سرّا، وبعد الصفقة التي أقيمت بينهما في الجرود اللبنانية، صار لا بدّ من محاسبة الأصول أي “حزب الله” وإيران وعدم الإكتفاء بالفروع أي “داعش” و”جبهة النصرة”، وذلك في حال كنّا جادين في حرب القضاء على الإرهاب”.
ولا يبدي المصدر السعودي أي رضى عن مواقف رئيس الحكومة اللبناني سعد الحريري، مكتفيا بالقول:” ثمة تنسيق بين “حزب الله” و”داعش” لأن الطرفين يعلمان بأن المحاسبة ستكون على الجميع، من دون الدخول في التوقيت”. ويذهب المصدر السعودي بعيدا في شرحه لطلب السبهان من اللبنانيين الإختيار قائلا بالحرف:” مشكلتكم في لبنان أنكم تخافون الإعتراف بأنه لا يوجد فارق بين “حالش” و”داعش” وأن كليهما إرهاب. ما يجعلكم دوما في دائرة المصائب، ومنذ اليوم ليس مقبولا أن يرى اللبنانيون أن “حالش” مختلفا عن “داعش” وإلا سيكونون شركاء له ولا فارق بينهم وبينه”.
من جهتها، تشير أوساط دبلوماسية لبنانية مطلعة، الى أن تغريدات السبهان لا تعدو كونها تمهيدا سعوديا للتسوية التي يتمّ الإعداد لها في اليمن، والتي سيترتب عنها المزيد من الإنسحاب من ساحات عدّة بينها لبنان، لا يعني الإنسحاب الإنكفاء الكلي، لكن علاقة السعودية مع لبنان ستكون بحدّها الأدنى.
وتضيف الأوساط: يدرك السعوديون والخليجيون بأن “حزب الله” بات المسيطر الرئيسي على مفاصل لبنان السياسية والأمنية، وقد خبروا هزال فريقهم السياسي وفشله في تعديل ميزان القوى لصالحه، وبالرغم من المحاولات المستمرة لذلك فإن السعودية وحلفائها من الدول الخليجية باتت تعوّل على التسويات الإقليمية التي تمسّ مصالحها الخاصة ولعل إنهاء الأزمة اليمنية على خاصرتها هي الأهم، أما الملف اللبناني فمتروك حاليا الى حين التسويات النهائية في سوريا ولكن أيضا في الملف العربي الإسرائيلي، وحينها سيكون الكلام الفصل للجميع”.