“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
ضاعت زيارة الوزير السعودي لشؤون الخليج ثامر السبهان الى لبنان في خضمّ الحوادث الأخيرة من تحرير جرود القاع ورأس بعلبك من “داعش” وصولا الى الكشف أمس عن مصير العسكريين اللبنانيين التسعة المخطوفين من قبل هذا التنظيم الإرهابي منذ 2014، إذ أعلن المفاوض الرسمي المكلّف من الحكومة اللبنانية في هذا الملف مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم عن العثور على رفات ثمانية منهم أغلب الظنّ أنها تعود لعناصر الجيش اللبناني في وادي الدّب في جرود عرسال، على أن الخبر اليقين ينتظر نتائج فحوص الحمض النووي.
وركّز الإعلام اللبناني على مجيء السبهان مباشرة بعد جولة الأيام الثلاثة التي قام بها مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والإفريقية حسين جابري أنصاري الى لبنان حيث التقى عددا كبيرا من المسؤولين اللبنانيين من مختلف الإتجاهات والإنتماءات وفي مقدّمتهم الرؤساء الثلاثة.
وذهب البعض الى قراءة زيارة السبهان على أنها محاولة إيحاء بوجود توازن سعودي-إيراني على الساحة اللبنانية، أو انها تواكب محاولات رأب الصدع في العلاقة بين الدولتين الإقليميتين على ضوء المعلومات التي نشرتها الصحف عن تصريح لوزير الخارجية الإيراني محمّد جواد ظريف كشف فيه أن دبلوماسيين سعوديين سيزورون إيران لتفقد السفارة السعودية في طهران والقنصلية في مدينة مشهد، فيما يزور دبلوماسيون إيرانيون السفارة الإيرانية في الرياض.
ولعل الرسالة المباشرة التي وصلت الى لبنان تكمن في القول بأنه لا يزال ضمن محور الإهتمام السعودي، ومنذ القبول السعودي بانتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية نشأت إرادة سعودية لتعزيز الحضور السعودي في لبنان.
هذا الأمر يخلق بطبيعة الحال توازنا مع النفوذ الإيراني على وقع التسوية السورية المتسارعة والتي لا يمكن لأي طرف إقليمي أن يكون طرفا فيها ما لم يكن له موطئ قدم في لبنان.
أوساط سياسية سعودية واسعة الإطلاع شرحت لموقع “مصدر دبلوماسي” حقيقة ما يجري بين السعودية وإيران من تجاذب إقليمي لا يزال في أوجه، مشيرة الى وجود اتفاق وحيد هو تبريد الساحة اللبنانية وابقائها مستقرة، مع تقوية الجرعة العربية عبر رفع التمثيل الدبلوماسي السعودي الذي تبدّى في الأسبوع الفائت بشكل واضح عبر إقرار مجلس الوزراء السعودي الذي يترأسه ولي العهد الأمير محمّد بن سلمان للمستشار وليد بخاري الى رتبة وزير مفوّض مع 3 سفراء آخرين هم: محمد بن عايد بن عوده البلوي وعبد الله بن فهد بن بنيه الشمري وعبد الله بن سعد بن سعيد العتيبي، وسط مؤشرات على أن يكون بخاري السفير المقبل الموعود للمملكة العربية السعودية في بيروت.
وتشير الأوساط السعودية الواسعة الإطلاع التي تحدثت الى موقع “مصدر دبلوماسي” الى أن المملكة العربية السعودية بدأت حاليا “نهج المقاربة الشمولية بين الأطراف العربية أيا كانت سنّية أو شيعية، من منطلق بعد القومية العربية وليس بعد المحور السنّي”.
أما الهدف “فهو الحفاظ على عروبة ووحدة العراق وسوريا ولبنان أمام الفرسنة الإيرانية لها، وأمام اللاعبين من غير الدّولة القطرية كالتنظيمات الجهادية السنية والشيعية بما فيها الحشد الشعبي الذي بدأ يهدّد دول مجلس التعاون الخليجي كما تهدده “داعش””.
وتشير الاوساط السعودية الواسعة الإطلاع الى أن “المؤشرات الأخيرة كزيارة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر للمملكة العربية السعودية وسواها من الزيارات لشخصيات عراقية وكذلك زيارة رئيس أركان الجيش السعودي عبد الرحمن بن صالح للعراق (في تموز الفائت) باحثا مع نظيره العراقي عثمان الغانمي تأمين الحدود المشتركة و مهنئا بكسر “داعش”، وحاليا زيارة ثامر السبهان الى لبنان لبحث سبل التعاون في الحرب ضدّ الإرهاب بشتى أنواعه، ومتابعة ملفات سابقة تم الإتفاق عليها في آخر زيارة لمبعوث خادم الحرمين الشريفين الأمير خالد الفيصل الى لبنان وما أعقبها من زيارة رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون الى المملكة تصب في هذا الإتجاه”.
من جهتها، توضح الأوساط السعودية الواسعة الإطلاع قائلة “أنه بالنسبة الى التسوية مع إيران فلا نرى ذلك إلا إذا كانت هنالك صفقة يتمّ بموجبها انسحاب أذرع إيران من كل المناطق العربية ووقف مساعداتها المعنوية والمادّية لها”.
من جهة ثانية، وعلى عكس ما يشاع عن أجواء تفاؤلية إثر تصريح وزير الخارجية الإيراني محمّد جواد ظريف عن زيارات دبلوماسية متبادلة بين إيران والسعودية، فإن أوساطا سعودية أخرى تصف هذه الزيارات التي ستحصل بعد عيد الأضحى أنها” موضعية تتعلق بأمن السفارات والتحقيق الجاري إثر إحراق القنصلية السعودية في إيران، لكن الأمر لن يتعدّى ذلك”.
بالنسبة الى سوريا تقول الأوساط السعودية الواسعة الإطلاع بأن “السياسة السعودية لم تتضح بعد حول بقاء نظام بشار الأسد (الرئيس السوري)، إلا ان لهجة وزارة الخارجية السعودية أصبحت أقل حدّة من ذي قبل”. ولا تستبعد الأوساط المذكورة “خيار البقاء ضمن تشكيلة حكومية جديدة ودستور جديد لا يكون للأسد فيه السلطة المطلقة، على أن يكون هنالك تنصّل سوري من الحضور الإيراني والطائفي”.