“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
تصدر التشكيلات والتصنيفات الدبلوماسية غدا الخميس بعد إقرارها في مجلس الوزراء كما هو متوقع وبتأخير دام قرابة العشرة أشهر وأفضى الى شواغر في سفارات رئيسية للبنان منها على سبيل المثال لا الحصر في واشنطن وباريس وبكين وجامعة الدول العربية وروما وسواها. ولعلّ السبب الرئيسي لهذا التأخير يعود الى غياب القرار السياسي الحاسم وترك المجال للطوائف اللبنانية لاختيار “سفرائها” الى الخارج ما يتوافق مع التركيبة الطائفية الدقيقة لملاك وزارة الخارجية.
وإثر توزيع السفراء حصصا، وتدعيم الملاك بقرابة التسعة سفراء من خارج الملاك (5 من حصة رئيس الجمهورية) و(4 من حصة رئيس الحكومة، بالإضافة الى إسم خامس لن يتبدّل هو ضمن حصة رئيس الحكومة هو السفير مصطفى أديب)، وبعد أن تداخلت الحسابات المذهبية مع المصالح الإنتخابية المناطقية بشكل فاضح فإن ما سيحدث هو الآتي: تعيين أمين عام جديد لوزارة الخارجية والمغتربين هو هاني شميطلي، ترفيع دبلوماسيين من الفئة الثانية الى الأولى أي من فئة مستشار الى سفير، ترفيع دبلوماسيين من الفئة الثالثة الى الثانية أي من سكرتير الى مستشار. وستحصل التعيينات لسفراء من خارج الملاك، ومعها مناقلات من الإدارة المركزية الى الخارج وبالعكس حيث الشواغر أيضا كبيرة في المديريات الثمانية لوزارة الخارجية والمغتربين.
وإذا كان الدبلوماسيون في الوزارة وفي البعثات الدبلوماسية في الخارج يروون الكثير من القصص عن أمور يصفونها بـ”المستغربة” لجهة ترفيع البعض أو تنصيب سفير في هذا المركز أو ذاك، فإن الأكيد بأن تعيين سفراء جددا من خارج الملاك وقد تبدّى أن عددهم 9 لغاية اليوم هو الأمر الذي يثير سخطا كبيرا نظرا الى انعكاسه على المستقبل المهني لمن هم في داخل السلك، علما بأن هؤلاء السفراء المعيّنين انحصروا بين الطائفتين المسيحية (خصوصا الموارنة) والسنّية دون سواهما، وعلما ايضا بأن أسماء المعيّنين والمصنفين لا تزال تخضع لـ”بازار” الساعات الأخيرة من المفاوضات حول الحصص في العواصم العالمية حيث 70 بعثة دبلوماسية للبنان.
ولمّا سأل موقع “مصدر دبلوماسي” أحد الدبلوماسيين الشيعة عن سبب عدم تعيين الطائفة لسفراء من خارج الملاك قال:” نحن راضون في الواقع عن مستوى دبلوماسيينا وسفرائنا في الخارج، وهم يمثلون لبنان وليس الطائفة الشيعية”، وأردف:” ليست لدينا مصالح إنتخابية ترغمنا على تعيين هذا أو ذاك أو محاباة هذا أو ذاك”.
في هذا السياق، تشير أوساط دبلوماسية عليمة الى أنه في لبنان لم يستبعد القانون التنظيمي لشؤون السلك الدبلوماسي في وزارة الخارجية التعيين من خارج الملاك وانما أوجد لها ضوابط آخذا بالاعتبار: احقية التصنيف لمن هم في الملاك اولا ومن ثم الاتيان باسماء من خارجه وفق ما تقتضيه الحاجة والتوازن الطائفي الذي تخضع له تصنيفات ترفيعات وترقيات الدبلوماسيين في السلك الدبلوماسي اللبناني”.
...التعيين يكون بصورة إستثنائية
وتعود الأوساط الى المادّة 17 من النظام الداخلي لوزارة الخارجية والمغتربين والتي تنص على الآتي:” للحكومة أن تعيّن بصورة إستثنائية وبمرسوم يتّخذ في مجلس الوزراء سفراء من خارج الملاك ضمن الإعتمادات المدرجة لهذه الغاية في الموازنة شرط أن لا يتجاوز عددهم الإجمالي الخمسة عشر سفيرا وألا يقل عمر الواحد منهم عن الأربعين عاما، شرط أن يكون من حملة الإجازة في الحقوق أو إجازة جامعية معترف بها رسميّا”.
وتشرح هذه الأوساط أنه “ينبغي الأخذ جديا بالاعتبار الطابع الاستثنائي لمثل هذه الممارسة كما جاء في المادة 17 المذكورة اعلاه. فالاستثناء بمفهومه القانوني يطبق في حالات حصرية، واذا صمت النص في تعداد هذه الحالات صراحة، فذلك لا يعني حتما ان المشترع قد اراد لرئيس الجمهورية صلاحية غير مقيدة”. تضيف:”ان استخدام الصلاحيات الممنوحة في هذه المادة ليس إلزاميا، وفيما لو قرر رئيس الجمهورية استخدامها، فعلى قراره هذا ان يأتي متنورا ومستمزجا لرأي الادارة المعنية ومراعيا للحالات الجد استثنائية المذكورة انفا:
– حاحة الادارة
– خبرات متخصصة ذات قيمة مضافة
– تكريما لشخصية مرموقة كان لها اياد بيضاء وعطاءات بحجم الوطن ودورا لافتا في اشعاع صورة لبنان في الخارج.
حتى في ظل هذه الحالات الاستثنائية والمعللة بأسباب موجبة، يبقى لزاما مراعاة التوازن داخل السلك الدبلوماسي وخصوصيته لجهة عدم اقفال الباب امام تصنيف وتدرج من هم في الملاك”.
تضيف الأوساط:” إنّ عملية حسابية بسيطة تسلّط الضوء على الخطأ الفادح الذي ارتكبته حكومة الرئيس السابق نجيب الميقاتي والرئيس السابق ميشال سليمان بحق السلك الدبلوماسي، وبتواطؤ مختلف القوى السياسية المسيحية انذاك (باستثناء القوات اللبنانية) بما فيها المراجع الروحية المسيحية على قاعدة توزيع الحصص، وتعيين محسوبيات دون الاخذ بعين الاعتبار معيار الكفاءة او
حاجة الإدارة”.
وتشرح الأوساط التي تحدثت عن هذا الموضوع لعدد من المهتمين في القطاع الى أنه نتيجة لذلك تمّ ” إقصاء دبلوماسيين لهم ما يفوق عن 30 عاما في الخدمة العامة والسلك الخارجي، دبلوماسيين حملوا ملف لبنان في احلك الظروف الى المحافل الدولية وفي خضم الازمة التي كانت تتخبط بها البلاد والعباد”.
تضيف الأوساط الدبلوماسية:” بتعيينه خمسة سفراء مسيحيين من خارج الملاك، يكون الرئيس سليمان قد سلب 26 في المئة من حصة الموارنة داخل السلك. فللموارنة 18 مركزا في الخارج على مستوى سفير اقتطع منهم سليمان والقوى السياسية المتفقة معه خمسة، في حين انه ليس ملزما باستخدام نسبة الـ 15 سفيرا التي تنصّ عليها المادة 17 بالكامل. فقد يقوم بتعيين سفير واحد او اثنين من خارج الملاك حسبما تقتضيه الحاجة التي تحددها الادارة نفسها وترفعها لعناية الرئيس ومجلس الوزراء من خلال وزير الخارجية مع اقتراحاتها وأسبابها الموجبة، وكل ما يفيض عن هذه الحاجة إنما هو اعتباطي وكيفي وتجن على سلك له أعرافه وقواعده وعاداته. فالمادة ١٧ جوازية وليست وجوبية”.
وتشير الأوساط:” إنه توازن دقيق، يقوم على توزيع عادل للمراكز في الخارج تراعى من خلاله كافة الطوائف والمذاهب. فأي تعيين عشوائي من خارج الملاك من شأنه: ان يقوض هذا التوازن، أن يحرم دبلوماسيين في الملاك من حقهم الطبيعي في التدرج والتقدم عملا بالاقدمية، خلق تنافس غير بناء وغير صحي بين زملاء الملاك في مسعاهم لحفظ تصنيفهم المهدد بدخول “طارئين” و”متسللين” الى السلك كما درجت تسمية هؤلاء في وزارة الخارجية”. وختمت:” إن التخمة التي تعاني منها الحصة المسيحية في السلك حيث ان تعيين سفراء مسيحيين من خارج الملاك سوف يحد من فرص دبلوماسيي الملاك اصحاب كفاءات ومؤهلات عالية، في الترفع الى الفئة الاولى برتبة سفير”.