“مصدر دبلوماسي”:
الجولة الخليجية التي قام بها أخيرا وزير الخارجية الفرنسي جان ايڤ لودريان وشملت قطر والمملكة السعودية والكويت والامارات العربية المتحدة هدفت اولا الى لجم التصعيد بين حلفاء فرنسا والى تجنيب المنطقة توترات اضافية قد تؤثر سلبا على استقرارها وعلى التوازنات الجيوسياسية القائمة بين ضفتي الخليج.
اما الهدف الثاني فهو دعم المبادرة الكويتية (او الكويتية-العمانية) ومحاولة اعطائها دفعا جديدا بهدف التوصل الى فرض حوار بنّاء بين الطرفين المتصارعين
هذا ما خلصت إليه دراسة أعدتها النشرة المتخصصة في العلاقات الفرنسية الشرق أوسطية
Lettre M
التي تصدر عن موقع “ميدل إيست ستراتيجيك برسبكتيف”
Middle East Strategic Perspectives
وأشارت النشرة المتخصصة الى أن فرنسا المترددة لإطلاق مبادرة قد تحرجها وتجعل منها طرفا في الصراع بين حلفائها الاساسيين في المنطقة، هدف غير معلن الا وهو تأمين مصالحها بمفهومها الواسع في المنطقة وتجنب فقدان نفوذها لصالح الحليف الاميركي او لصالح قوى اقليمية اغتنمت وقوع الازمة الخليجية للتموضع المباشر في المنطقة وخصوصا تركيا.
فالرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون والذي اختار اعتماد سياسة براغماتية بتعامله مع ملفات الشرق الاوسط، ووزير خارجيته المخضرم والمحبوب خليجيا، يعلمان تماما ان أفضل وأقصر طريق لخفض التوتر والسير باتجاه حلحلة ازمة الخليج يبقى التفاهم ضمن البيت العربي والخليجي بالتحديد. ومن هنا اتى دعمهما للمبادرة الكويتية.
كما انهما يعيان تماما ان مواكبة الادارة الاميركية للملف وضغط واشنطن على حلفائها يفترض ان يسهلان الوصول الى تسويات باتت ضرورية للجم الازمة والحدّ من تداعياتها الاقليمية.
من هنا، فإن فرنسا التي تخشى ان يفقدها من حيادها تدخلها في الصراع عبر وساطة خاصة بها، تسعى، بالإضافة الى اعلان وتكرار دعمها لأمير الكويت الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح في وساطته، ان تسهل وتدعم ايضا المساعي التي يقوم بها وزير الخارجية الاميركي ريكس تيليرسون والتي قد لا تعطي النتائج المرجوة سريعا…
إذا، فرنسا تريد اولا ابعاد الكأس المرة عن المنطقة وعن حلفائها العرب ولجم التصعيد.
هي تريد ثانيا ان تحافظ على حيادها وان لا تظهر اي ميولا الى أحد الطرفين المتنازعين وهي التي ترتبط بعلاقات استراتيجية ثابتة بقطر والامارات والسعودية ومصر. لذا، اختار وزير خارجيتها ان يجول على العواصم الخليجية وان يلتقي بالأمير تميم بن حمد آل ثاني (الذي يتوقع زيارته باريس في اواخر الصيف) وبوليّ العهد السعودي الامير محمد بن سلمان بن عبد العزيز (الذي سيقوم بزيارة رسمية الى فرنسا في ايلول المقبل) وبوليّ عهد ابوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان (الذي زار قصر الايليزيه أخيرا)، بالإضافة الى الوسيط الكويتي، وان يشجعهم على التحاور مباشرة والسير في المبادرة الكويتية وتجنّب تدويل الازمة.
لكنه في الوقت ذاته هو يعلم تماما ان الازمة المحلية اصبحت اقليمية وتداعياتها تبدو اليوم عالمية، وان المبادرة الكويتية ما زالت غير فاعلة وان حتى الضغوط الاميركية قد لا تكون حاسمة في آخر المطاف، مما يحتّم فتح قنوات معلنة وغير معلنة بين الاطراف كافة وربما ايضا مع قوى اقليمية مؤثرة، لتجنب اهتراء الوضع وفقدان الضوابط والوصول الى حالة من اللا استقرار المميت… وهذا ما قد تبادر اليه فرنسا لتثبيت وجودها في المعادلة مع كونها حذرة ومتنبهة لخطر الانزلاق في مستنقع الصراعات العربية-العربية والتي يتخبط بها اليوم حلفاؤها الاساسيون.
فهل ستستطيع ان تبقى على حيادها وان تخرج من وضعها الذي قد يصبح محرجا لمصالحها فيما لو طالت وتعقدت الازمة؟
سياسة ماكرون الشرق اوسطية: براغماتية وديغولية ؟
في العدد الاخير لنشرة LettreM ايضاً محاولة لفهم ركائز سياسة الرئيس ايمانويل ماكرون الشرق اوسطية والتي يمكن وصفها بانها مبنية على البراغماتية بنكهة ديغولية، بحيث ان المواقف التي أعلنها الايليزيه حول الملفات الراهنة تظهر تقدم الواقعية السياسية المبنية على سياسة الممكن وذلك ضمن المحافظة على نهج استقلالي بالنسبة لأقرب الحلفاء الدوليين. فالبراغماتية في العلاقات الدولية هي المرتكز الاساسي الذي يبني عليه ماكرون مقاربته للملفات الشائكة في المنطقة بما فيها، بالإضافة الى ازمة الخليج التي عرضناها سابقا:
– الانفتاح التدريجي على إيران من دون ان يكون ذلك على حساب علاقات فرنسا بالضفة الاخرى للخليج،
– واعادة صياغة الموقف الفرنسي ومعه الأوروبي من الازمة السورية ومن النظام مع الارتكاز على تعاون وثيق مع واشنطن وموسكو على اساس اعطاء الاولية لضرب الارهاب بدل التركيز الاعمى على تغيير النظام،
– واعادة التموضع على الساحة العراقية ضمن منظومة تحالفات وتفاهمات اقليمية ودولية بحيث ان الاولوية تعطى لإعادة الاعمار الاقتصادي واعادة هندسة سياسية شاملة للدولة والمجتمع،
– والتأقلم مع الواقع اللبناني المستجد وعدم التقوقع ضمن تحالفات حصرية كما جرت العادة منذ سنوات مما أفقد فرنسا نفوذها في لبنان (وتعيين سفير جديد لها في بيروت يتمتع بعلاقات قوية في طهران قد يعطي بعض الاشارات بهذا الاتجاه)،
– والبحث في إطلاق مبادرة جديدة لإعادة احياء المباحثات الفلسطينية الاسرائيلية وفق حل الدولتين (تم الحديث عن المبادرة بين ماكرون وكل من الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو)
– ودرس إطلاق مبادرة فرنسية من اجل استقرار ليبيا تحت سقف الامم المتحدة وبالتنسيق مع الجهات الدولية والاقليمية المعنية،
– وتثبيت دور فرنسا في ادارة ومعالجة ملفات عابرة للحدود كمكافحة الارهاب من الساحل الى الرقة مرورا بشمال افريقيا، وحماية الممرات البحرية الاستراتيجية وطرق المواصلات بفضل انتشار قواتها العسكرية وتحالفاتها الاستراتيجية الدولية والاقليمية، ومكافحة الهجرة الغير شرعية، الخ.
هذه الفلسفة الجيو-سياسية الجديدة القديمة، والتي ترتكز ايضاً على نفَس ديغولي يضمن استقلالية القرار والحركة لفرنسا وان اختارت في بعض الاحيان التموضع ضمن تحالفات متعددة الجوانب، تجعل من فرنسا قوة فاعلة في منطقة الشرق الاوسط وحليفا مرغوباً كما يفصله تقرير MESP في فقرة “فرنسا كما تراها دول المنطقة”.
لقراءة الدراسة كاملة باللغة الفرنسية يمكن الضغط على الرابط الآتي:
http://www.mesp.me/wp-content/uploads/2017/07/MESP-LettreM-n.5.pdf