“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
يحمل رئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع العصا من وسطها في الملفات الداخلية كافّة، بل يصلح القول أنه يحمل غصن الزيتون تجاه الأطراف الداخليين جميعهم من “حزب الله” الى “تيار المردة” و”التيار الوطني الحرّ” والمكوّنات السياسية الداخلية كافة، في حين يصمد على موقفه التاريخي ضدّ نظام الرئيس السوري بشّار الأسد.
قد يقول قائل: هل تغيّر جعجع؟ من الواضح بأن “الحكيم” بات ينتهج منذ المصالحة التي هندسها مع “غريمه التاريخي” العماد ميشال عون- والتي أسهمت بقوة في عملية الى انتخاب الأخير رئيسا للجمهورية- عقلا سياسيا براغماتيا يعتنق العقلانية والواقعية بعيدا من ردّات الفعل العاطفية أو المعارضة “الفجّة” التي قد تؤتي ثمارا معاكسة.
ويبدو سمير جعجع، في خلاصة ساعتين من الحوار مع عدد من الإعلاميين في معراب اليوم، رجلا يهادن في الشكل، لكنّها مهادنة من يتحضّر لمعارك شرسة: في المستقبل القريب عبر التحضير لخوض الإنتخابات النيابية، وفي المستقبل البعيد لكي يكون الناخب الأول في انتخابات رئاسة الجمهورية بعد 5 أعوام تقريبا إن لم نقل المرشح الأول. أما ما بعد…بعد معركة الرئاسة فترتسم ملامح زعامة مسيحية ترث جماهيرية “تيار” ميشال عون لم تتضح معالمها بعد.
ملف النازحين السوريين…ومذكرة تفاهم لـ”القوات”
إختار جعجع أن يتحدّث -قبل فتح باب الحوار مع الصحافيين- عن موضوع عودة النازحين السوريين الى ديارهم، وقد نال هذا النقاش القسط الأوفر من الجلسة في المقرّ العام للقوات في معراب وبحضور عدد من مرشحي “القوات” في مناطق مختلفة.
ويبدو بأن “القوات اللبنانية” بقيادة جعجع، إتخذت قرارا حاسما وجازما بضرورة عودة النازحين السوريين الى المناطق الآمنة الأربع العتيدة في سوريا في أسرع وقت ممكن. بحزم قال جعجع: إستقبلنا النازحين السوريين في لبنان كواجب إنساني واخلاقي لكن لا مبرر لبقائهم بعد الآن، وخصوصا بعد الذي يحصل من احتكاكات ومن أزمات متفاقمة على المستويات كافّة ما قد يتطوّر الى ما لا تحمد عقباه.
وأشار الى أن التوترات تكبر بين النازحين السوريين والمواطنين اللبنانيين بسبب ضيق لقمة العيش، وبسبب الضائقة الإقتصادية في لبنان، وبات عمّال لبنانيون كثر بلا عمل بسبب التنافس الحادّ مع اليد العاملة السورية. أزمة السير تفاقمت بسبب وجود أكثر من 200 ألف سيارة إضافية في لبنان جرّاء النزوح السوري، موازنة الدولة في عجز ولا يأتينا إلا النذر اليسير من “المنّ والسلوى” الذي تقدّمه المنظمات الدولية، حتى الكهرباء تأثرت، حتى المدارس تعيش تشنّجات خطرة وبعضها يضم 300 طالب لبناني و700 طالب سوري، فضلا عن منظمات إرهابية تريد أن تنشئ خلايا إرهابية في أوساط النازحين السوريين.
وبعد 7 أعوام بات هؤلاء النازحون معرضين للإختراق، وأية عملية إختراق ستسبب مشكلة كبرى، ولا ننسى ما حصل قبل 10 ايام اثناء مداهمات الجيش اللبناني لمخيمين في عرسال .
ولفت جعجع مستعيدا الجدال الذي واكب عملية المداهمة وخصوصا لجهة وفاة 4 نازحين سوريين فقال: ليس من عملية عسكرية قادرة ان تكون عملية جراحية، هذا ما عجزت عنه جيوش كبرى كالجيشين الأميركي والروسي وسواهما. نشأ إحساس بعد هذه العملية بأن النازحين السوريين مستهدفين، وليس الأمر على هذا النحو، وبالتالي نحن أمام مجموعة عوامل تجعلنا نتوجه الى الهاوية. ولفت الدكتور جعجع:” قبل 7 أعوام كان النازحون يتصرفون كضيوف واليوم يتصرفون وكأنهم أهل البيت، لا يمكن التغاضي عن هذه العوامل كلّها، ليس من مصلحة للنازحين أن “يفرط” لبنان لأن ذلك لا يفيدهم ولا يفيد لبنان”.
ولفت جعجع: إن العمليات العسكرية تنحسر في سوريا وثمة أقله منطقتين آمنتين شاسعتين في الجنوب وفي الشمال، ومنطقتين أخريين في إدلب وفي الرقة، يجب أن يعود اليها النازحون السوريون في لبنان(…).
وشدد رئيس حزب القوات اللبنانية بأن قرار عودة النازحين السوريين هو لبناني سيادي بحت، هذه أرضنا ولنا حرية التحكم بها.
وكشف جعجع عن تحضير القوات اللبنانية لمذكرة سترفع الى الحكومة اللبنانية ومنها الى الأمين العام للأمم المتحدة، تطلب وضع خطّة لإعادة النازحين، “وقد تمّ توزيع هذه المذكرة على عدد من الكتل النيابية الصديقة لإبداء الرأي”. ولفت الى أن للأمم المتحدة باع طويل في موضوع النازحين السوريين لكننا لا نطلب إذنا من أحد لعودتهم، وهؤلاء يجب أن يعودوا في مرحلة أولى الى المناطق الآمنة.
ورفض جعجع قطعا أية مفاوضات مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد حول ملف النازحين السوريين قائلا بأن أي حوار حول هذا الموضوع سيعرقل عودة هؤلاء، ومشيرا الى ان لا دور لنظام الأسد في المناطق الآمنة لأنها خارج سلطته.
وردّا على سؤال حول إمكانية نجاح التواصل الذي يقوم به مدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم مع النظام في سوريا حول ملف النازحين قال جعجع:”بالطبع ثمّة تفاصيل تخصّ العودة تحتاج الى دراسة، واللواء عباس ابراهيم حافظ على العلاقة مع أجهزة الأمن السورية وكذلك فعلت أجهزة أمنية في دول غربية، وبسبب هذه العلاقة التي أرساها اللواء ابراهيم نجحت عمليات تبادل الأسرى من المدنيين والعسكريين والراهبات ، وهذا خطّ طبيعي موجود ولا مشكلة فيه إن أسهم بحل المشكلة، لكن أن يجبر أحد لبنان على إرساء علاقات مع النظام السوري بحجة النازحين السوريين فهذا شأن آخر”.
وردّا على سؤل لموقع “مصدر دبلوماسي” حول قول ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة سيغريد كاغ الأسبوع الفائت من أن ّ عودة النازحين غير ممكنة في المستقبل القريب، أشار جعجع:” إن القرار يعود الى الحكومة اللبنانية، ولما تقر المذكرة التي سنرفعها الى الحكومة وترسل الى أمين عام الأمم المتحدة سيكون التعاطي بنمط مختلف. ليس من أحد يقرر إن حان الوقت أو لا نحن من نقرر ذلك، أما إذا لم يرغبوا بذلك فيمكن ان يأخذوا النازحين ويستقبلونهم في بلدانهم”. وأشار الى أنّ “عودة النازحين السريين تقنية فحسب وقرار يخص الحكومة اللبنانية فحسب”.
وردا على أسئلة معنية من الإعلاميين رفض جعجع “شيطنة” “حزب الله” بالمطلق قائلا بأن ثمة أمور قد يطرحها الحزب في الداخل تكون مقبولة، لكنه نفى اية إمكانية للتحالف معه في الإنتخابات النيابية المقبلة، مشيرا الى أن هذه الفرضية قائمة مع المعارضة الشيعية التي ينبغي أن تفيد من النظام الإنتخابي النسبي.
ولم ينف جعجع أي تقارب إنتخابي مع “تيار المردة” قائلا بأن الأمور ستتبلور قريبا.
وقال بأن الأجهزة الأمنية اللبنانية أثبتت نجاحها أكثر من أجهزة غربية في شأن ضبط الوضع الأمني في لبنان بعد 7 أعوام من اندلاع الحرب السورية. ورفض جعجع توجيه اي اتهام للجيش اللبناني في قضية وفاة 4 نازحين سوريين كانوا معتقلين عقب العملية الأمنية في مخيمي قارية والنور في عرسال منذ 10 ايام مفضلا التريث حتى انتهاء التحقيقات ومشيرا الى أن “القوات اللبنانية” ترفض بطبيعة الحل اية عملية تعذيب محتملة لكن الأمر لم يثبت لغاية اليوم.
ولم يعط تفاصيل عن الإنتخابات الفرعية وإمكانية مشاركة القوات فيها لكنه ألمح أن لا لزوم لها قبل 5 أشهر من الإنتخابات العامة، وتمنى لو كانت إنجازات العهد العوني والحكومة أكبر رافضا الإنسياق الى توجيه اي نقد له.