“مصدر دبلوماسي”- لندن- مارلين خليفة:
ألهمت الإنتخابات البريطانية العامّة والمبكرة التي ستجري اليوم الخميس الوفد الصحافي اللبناني المشارك في ورشة عمل عن تغطية الإنتخابات تنظمها مؤسسة “طومسون رويترز” بالتعاون مع السفارة البريطانية في لبنان بأفكار كثيرة.
ولعلّ مصدر الإلهام الأول جاء من الدافع وراء دعوة رئيسة الوزراء البريطانية وزعيمة حزب المحافظين تيريزا ماي لإنتخابات نيابية مبكرة كان من المفترض أن تجرى بعد 3 أعوام (الانتخابات الأخيرة كانت في أيار 2015)، ويتمثل السبب الرئيسي في كسبها “الشرعية الانتخابية” بعد أن خلفت ديفيد كاميرون بلا انتخابات برلمانية وهذا ما ليس مأنوسا في بريطانيا، ثمّ تحصين موقفها المفاوض مع الإتحاد الأوروبي حول الإتفاقية التي سيرتكز عليها خروج بريطانيا من رحاب أوروبا إثر الإستفتاء الشعبي في 23 حزيران الفائت والذي أسفر عن تأييد 52 في المئة من الناخبين لخروج أوروبا من الإتحاد الأوروبي وهو ما بات يعرف بـ”البركسيت”.
للتذكير فإن البرلمان اللبناني مدّد لذاته مرتين لغاية اليوم منذ عام 2009، ولم يتم التوافق بعد على قانون إنتخابي جديد مع اقتراب نهاية ولاية المجلس الحالي.
أما محطّ الإلهام الثاني فكان بسبب النظام الإنتخابي البريطاني الواضح في ذهن البريطانيين منذ أعوام، حيث لا نقاش حوله: فالنظام يعتمد الدوائر الفردية الـ650 وبحسب النظام الأكثري.
أجواء الإنتخابات
بدأت الحملات الإنتخابية منذ قرابة الأسابيع الستة فحسب، وسيكون يوم الإقتراع يوم عمل عادي بالرغم من أن صناديق الإقتراع ستفتح في السابعة صباحا وتغلق عند العاشرة ليلا في انتظار النتائج الأولية أو الـ “إيكسيت بولز”، في حين أن النتيجة النهائية لن تكون قبل الرابعة فجرا.
إنتخابات
TOO BRITISH
تحتدم الحملات الإنتخابية على الطريقة البريطانية، فلا تجد يافطات معلقة في الشوارع مع صور المرشحين، ولا “فانات” تصدح بأغنيات الحزبين المتنافسين “المحافظين ” والعمال فضلا عن أحزاب أخرى صغيرة، ولا تسمع طلقات الرصاص في شوارع لندن كلما ألقت تيريزا ماي خطابا أو قام مرشح حزب العمال جيريمي كوربن بالردّ عليها.
إنها إنتخابات برلمانية
Too British
على الطريقة البريطانية الديموقراطية، وفي لقاء مع المرشح عن حزب العمال جيم فيتزجباتريك عن دائرة
Poplar &Limehouse
وجدناه يعدّ العدة للإنتخابات في مكتبه المتواضع وسط ضاحية شعبية فيها عدد من الجالية الإسلامية حيث النساء المنقبات تسرن في الشارع بشكل عادي. المرشح المذكور تواجد مع عدد ضئيل من المحازبين بلا جمهور ولا مكبرات صوت ولا اية مظاهر غير إعتيادية وقال أنه يركز كثيرا على خدمة سكان دائرته.
هاجس الإرهاب حاضر
يرخي الهجوم الإرهابي الذي وقع يوم السبت الفائت في “لندن بريدج” بظلاله على الوضع الأمني في لندن، فيشعر زائرها بوجود الأمن لصيقا به، وتتكثف دوريات الشرطة وخصوصا في الليل، وثمة مخاوف من هجومات على مراكز إقتراع يعبر عنها المواطنون البريطانيون في جلساتهم الخاصة، لكنّ ذلك لن يمنع من إجراء الإنتخابات في إنكلترا وويلز واسكتلدا وإيرلندا الشمالية بحسب المعتاد.
المواضيع المؤثرة على خيار الناخبين
لكن، ما هي التأثيرات المباشرة على نتيجة الإنتخابات البريطانية التي يرشح من خلال الخبراء أنها ستكون لصالح المحافظين بالرغم من أن هامش النقاط ضاق كثيرا بين ماي وكوربن لا سيما بعد هجوم لندن بريدج؟
أولى المؤثرات ستأتي من الوضع الإقتصادي الهش والذي سيترتبط بشكل وثيق بمصير المفاوضات مع الإتحاد الأوروبي حول “البركسيت” ، ويقول رئيس غرفة الأخبار في وكالة “رويترز” غاي فولكونبريدج ردّا على سؤال لموقع “مصدر دبلوماسي” بأن رئيسة الوزراء تيريزا ماي عمدت الى إجراء هذه الإنتخابات باكرا بغية تحصين شعبيتها بسبب توقعات غير متفائلة تخص الإقتصاد البريطاني.
العامل الثاني المؤثر يتمثل في الهجمات الإرهابية التي وقعت أخيرا في بريطانيا وبلغ عددها 3 في غضون 3 اشهر وآخرها في “لندن بريدج”، وهذا ما يطرح العديد من الأسئلة حول السياسات التي اتبعتها ماي أثناء توليها وزارة الداخلية على مدى 6 أعوام وخصوصا لجهة اقتطاعها من ميزانية الشرطة.
أما الموضوع الثالث المثير للجدل فيتعلق أيضا بالهجمات الإلكترونية الأخيرة التي عطلت مفاصل رئيسية من الإقتصاد البريطاني وسبب عدم إيجاد حلول بديلة بسرعة.
برلمان معلّق؟
يبقى أن المنافسة المحتدمة حول حيازة أكبر عدد من المقاعد البرلمانية له أبعاده ليس على اختيار رئيس الحكومة المقبل فحسب، بل على طريقة تشكيل الحكومة. فإذا تم انتخاب برلمان “معلق” أي أن مقاعده موزعة مناصفة بين المحافظين والعمال فإن الحكومة ستكون إئتلافية وهي تجربة غير مشجعة في بريطانيا حصلت عام 2010، أما إذا نال حزب ما الغالبية فيشكل الحكومة بمفرده.
وتوقعت مرشدتنا الخاصة جوانا بأن يحصل حزب المحافظين على 66 مقعدا في تقدير شخصي لها.
السياسة الخارجية والشرق الأوسط
كيف سيؤثر البرلمان على السياسة الخارجية البريطانية؟ وما الفارق بين تيريزا ماي وجيريمي كوربن في ما خص ملفات الشرق الأوسط؟
يقول فولكونبريدج بأن نتيجة الإنتخابات البرلمانية ستطرح أسئلة جدية حول مستقبل السياسة الخارجية المعتمدة حاليا وسيكون لها تأثير على هذه السياسة لا سيما في الشرق الأوسط. يضيف فولكونبريدج:” تتبع تيريزا ماي سياسة خارجية تقليدية، مبنية على التحالف الوثيق مع الولايات المتّحدة الأميركية وعلى علاقات صداقة مع الدول الخليجية ولا سيما المملكة العربية السعودية، وتضطلع بريطانيا بدور مهم في التحالف الدولي لمحاربة “داعش”، هذه السياسة لن تستمر في حال فوز جيريمي كوربن، الذي يطرح أسئلة صعبة حول العلاقة مع السعودية، وهو يرفض تورط بريطانيا في أي نزاع في الشرق الأوسط”.
ويضيف فولكونبريدج:” إذا ربح جيريمي كوربن فإن السؤال سيطرح بقوة حول كيف ستكون العلاقة بينه وبين دونالد ترامب؟!”.
بالنسبة الى الملف السوري يوضح المحرر الأول في وكالة “رويترز” بأن كوربن لا يمكن أن يؤيد اي تدخل عسكري بريطاني في سوريا وهو ما يعاكس وجهة نظر تيريزا ماي”.
في المحصلة فإن انتخابات اليوم ستكون صعبة نظرا الى تقارب النتائج بحسب إستطلاعات الرأي بين تيريزا ماي وجيريمي كوربن، مع ترجيح فوز المحافظين الذين سيعكفون على نيل أكبر عدد من المقاعد يخولهم تشكيل الحكومة المقبلة منفردين والذهاب الى مقر الإتحاد الأوروبي في بلجيكا بشرعية شعبية ستسهّل لهم الوصول الى اتفاق لصالح بريطانيا.