“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
بدأت المصارف اللبنانية والعربية تدارس كيفية المشاركة في إعادة إعمار مناطق النزاعات العربية، وإذا كان عنوان منتدى “تمويل إعادة الإعمار- ما بعد التحولات العربية” الذي انعقد في بيروت فضفاضا، فإن العين الأقرب موجهة بما لا يقبل اللبس نحو كيفية إعادة البناء في سوريا، بعد بدء ملامح تسوية سياسية لم تكتمل معالمها بعد. ولعلّ الأهمية في المؤتمر الذي نظمه “إتحاد المصارف العربية” و”الإتحاد الدولي للمصرفيين العرب” برعاية رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري في مجمّع “البيال” ، تكمن في الشخصيات العربية المهمة التي حضرت وجلها من رؤساء مجالس الإدارة في المصارف. وقد لخّص الخبير المصرفي والإقتصادي أحمد سفر أبرز المحاور التي تركّز عليها المصارف في عملية إعادة الإعمار والتي لها أيضا جوانب سياسية فرتّب سلّم الأولويات المستقبلية على الشكل الآتي:
“الحفاظ على وحدة الدّولة بسبب مخاطر حقيقية من أن تكون الحرب القادمة تهدف الى تقسيم الدول العربية وهو ما نشهده في جنوب اليمن وكذلك فإن تجربة السودان لا تزال ماثلة أمامنا وثمة مخاطر جدية من التقسيم في ليبيا وفي سوريا”. ولفت سفر ايضا الى “ضرورة الحفاظ على الوحدة العضوية للنسيج الإجتماعي، وتأمين شراكة فعلية بين القطاعين العام والخاص وبين المجتمع المدني، بغية أن تكون الجهود منصرفة للإعمار والتنمية”.
ولفت الى أن هذه المواضيع يجب أن تكون في مقدمة اهتمامات الحكومات العربية في المرحلة القادمة”.
وأورد المؤتمرون في كلماتهم معلومة بأن إعادة إعمار البنى التحتية في الدول العربية التي دمّرتها الحروب والنزاعات بحسب “الإسكوا” تبلغ حوالي تريليون دولار، وأن الخسائر الصافية في النشاط الإقتصادي تجاوزت 600 مليار دولار ما يعادل 6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في المنطقة العربية، كما أدّت إلى عجز في الماليات العامة لهذه الدول بلغ حوالي 250 مليار دولار بين عامي 2011 و 2015.
وطرح المؤتمرون أسئلة تستحق التفكير حول كيفية إعادة النازحين السوريين من لبنان دول الجوار السوري وإشراكهم في إعادة الإعمار، وهل يمكن للدول الخليجية أن تشارك في عملية تمويل الإعمار وبأية شروط، وفي هذا الإطار رأى رئيس قسم البحوث والدراسات الإقتصادية في جامعة الدول العربية الدكتور بهجت أبو النصر بأن هذه الدول مضطرة للتمويل لإعادة بناء المجتمعات العربية لكي تحافظ على استقرار المنطقة وذلك دون شروط سياسية.وطرحت أسئلة بقيت بلا إجابات واضحة حول كيفية إعادة جذب العقول العربية التي هاجرت الى الغرب بسبب الحروب بغية الإسهام في إعادة بناء بلدانها، وكيف ستكون معدلات التنمية بعد تفريغ البلدان ومنها سوريا من الكفاءات وما اثر ذلك على دول الجوار التي سيضطر بعض المستثمرين السوريين على نقل استثماراتهم منها، وأيضا عن هوية الشركات التي ستلتزم إعادة الإعمار ويقال أن غالبيتها صينية وهل ستقترض الأموال من المصارف العربية أم أن لها جهات تمويلية خاصة بها. وأجمع المؤتمرون على أن تداعيات النزاعات والحروب لا تزال في بداياتها وأن مفاعليها الكارثية ستظهر تباعا، من هنا وجوب وضع الخطط المستقبلية البعيدة الأمد على المستويات كافة لمواجهة التحديات المادية والفكرية، ولفتت فكرة للنائب الأول لمدير عام بنك مصر أحمد فؤاد خليل قال فيها بأن “التخطيط الإستراتيجي السليم هو أساسي في أية تنمية مستدامة، لأن تطوير البنى التحتية بلا أي تخطيط على مستوى الدولة وبلا تحديد الأولويات وبلا شراكة وتعاون بين القطاعين العام والخاص لا يجدي نفعا”.
وصدر عن المنتدى مجموعة توصيات هي الآتية:
“العمل على إجراء مسح جدّي وعلمي وشامل ودقيق لتقدير حجم المبالغ المطلوبة لإعادة الإعمار، والبناء، سواء للمنازل أو المرافق العامّة والبنية التحتية أو القطاعات الإنتاجية، إشراك القطاع الخاص العربي والمصارف العربية في عملية إعادة الإعمار، عبر آليات مختلفة سواء عبر الشراكة أو عبر نظام الـ
BOT
لأن قدرة الحكومات العربية المالية قد تراجعت كثيرا، والإمكانات التمويلة للقطاع العربي قد تضاءلت، ضرورة أن تلعب جامعة الدول العربية دورا تنسيقيا في جهود إعادة الإعمار والبناء، العمل على إعادة بناء النسيج الإجتماعي والإنساني في دول النزاع، عدم الإفراط في الإتكال أو المراهنة على التمويل الخارجي، لأن التجارب العربية والدولية السابقة في هذا المجال تدل على محدودية الدعم الدولي في عملية إعادة الإعمار. وضع خارطة طريق وإستراتيجيات لإعادة الإعمار، على أن تكون شفافة ومضبوطة ومحددة الأهداف والمراحل والمبالغ المطلوبة، لكي تعطي ثقة للمولين وخصوصا في المجتمع الدولي الراغب في المساهمة المالية أو التقنية في عملية إعادة الإعمار، وأخيرا التشديد على إعطاء الدور الأكبر في عمليات إعادة الإعمار للقطاعين العام والخاص العربيين والمؤسسات العربية، وأن يكون لها المساهمة الأكبر في هذا المجال، وكذلك إشراك صناديق التنمية العربية والدولية في تمويل إعادة الإعمار”.