“مصدر دبلوماسي”: مارلين خليفة:
إستهدفت البحرية الأميركية فجر اليوم الجمعة بصواريخ توماهوك قاعدة شعيرات الجوية قرب حمص، والتي تقول الولايات المتحدة الأميركية بأن الجيش النظامي السوري إستخدمها لتوجيه ضربات بالأسلحة الكيميائية على مدينة خان شيخون( يوم الثلاثاء) قرب إدلب شمالي غربي سوريا، وأسفرت الضربات الأميركية عن مقتل حوالي 6 من العناصر والضباط في الجيش السوري ووقوع أضرار مادية كبرى. ووسط استنكار روسي متنام تطرح أسئلة عن السبب المفاجئ لقرار الرئيس دونالد ترامب بتوجيه هذه الضربة؟ وهل هي رسالة الى الداخل الأميركي؟ أم أنها تؤذن بتصعيد عسكري أميركي في سوريا؟ وماذا عن تداعيات هذه الضربة على الحرب ضدّ “دعش”؟ وكيف ستؤثر على الحل السياسي في سوريا؟ وهل من الممكن أن تستغلها إسرائيل لتوجيه ضربة ضدّ حلفاء موسكو في سوريا ولبنان وتحديدا ضدّ “حزب الله”؟
لا ينفي المحلل الإستراتيجي الاميركي نيكولاس نو الإحتمال الأخير، ويقول في مقابلة مع موقع “مصدر دبلوماسي” بأنّ الضربة الأميركية لم تحقق أهدافا استراتيجية ضدّ بشار الأسد لكنّ تداعياتها السلبية متشعبة.
التفاصيل في هذا الحوار مع نيكولاس نو وهو مؤسس شريك لموقع “ميديست واير دوت كوم” وكاتب في عدّة صحف أميركية وبريطانية منها “الغارديان” و”الإندبندنت”، وهو كتب أيضا مؤلفا تحليليا لخطابات أمين عام “حزب الله” السيد حسن نصر الله”.
هل كانت الضربة الأميركية على قاعدة شعيرات الجوية قرب حمص مخطط لها مسبقا؟ أم أنها تأتي بالفعل ردّا على مجزرة خان شيخون؟
لا تتعلّق المسألة بما إذا كان ثمّة تخطيط مسبق لهذه الضربة الأميركية أم لا، فالعسكريون غالبا ما يخططون مسبقا لماذ سيقومون به، وبعض الخطط تكون موضوعة سلفا ولا يتمّ تنفيذها. وبالتالي فإن الأمر لا يوضع في خانة المؤامرة. ثانيا، بتنا نعلم الآن أن الضربة محدودة وقد أخطر بها الرّوس مسبقا، وبالتالي ثمّة احتمال كبير بألا تتطوّر هذه الضربة الى مواجهة حاليا، لكنها بالتأكيد تؤذي التعاون والتنسيق في الحرب ضدّ “داعش”، وهي تعيد إثارة موضوع التواصل الصعب بين روسيا والولايات المتّحدة الأميركية، لأن روسيا أزالت حاليا آليات تواصلها مع أميركا. وبالتالي تصعب الضربة التقارب بين البلدين، وهذا التقارب يشكل عاملا رئيسيا من أجل إنهاء الحرب في سوريا.
الأمر الأخير، هو أن هذه الضربة لن يكون لها أي انعكاس معيّن وحاسم ضدّ بشار الأسد (الرئيس السوري) أو حلفائه، فقتل 5 أو 6 جنود سوريين أمر يحصل في 10 دقائق في أي من الأحياء السورية حيث تستعر الحرب.
وبالتالي لا تشكّل هذه الضربة رسالة قوية للأسد وحلفائه، وربمّا الحرب الشاملة هي الخيار الأسوأ، لكن بالتأكيد فإن الضربة بالأمس لم تكن الخيار الأفضل.
“حرب أهلية” داخل إدارة ترامب
هل هي رسالة من ترامب الى الداخل الأميركي؟ وخصوصا وأن سياسته الخارجية لم تتبلور بعد في اتجاه سوريا والمنطقة؟
هذا صحيح، إن الأمر الأكثر أهمية الذي حصل قبل الضربة في سوريا يكمن في أن إدارة ترامب في البيت الأبيض هي في حرب مع ذاتها، الأمر الأهم الذي حصل هو إزاحة ستيف بانون أحد أقرب مستشاري الرئيس ترامب في مجلس الأمن القومي الأميركي، وبالتالي فإن المشكلة لا تكمن بأن إدارة ترامب لا تمتلك استراتيجية فحسب بل هي عمليا “في حرب أهلية” في ما بينها.
حرفيا، هي في حرب أهلية غير عنيفة. هنالك حرب محتدمة منذ فترة بين بانون مستشار الرئيس وبين صهره جاريد كوشنير حيث يسرّب الإثنان أمورا سيئة لوسائل الإعلام ضدّ بعضهما البعض، وهذا شبيه بحروب الأطفال في الحضانة.
هذا الواقع ليس أمرا جيدا لكي تتخذ قوّة عظمى قرارا بتوجيه ضربة عسكرية عنيفة والتدخل ولو بشكل محدود كما حصل بالأمس، لأنه لا توجد استراتيجية واضحة بعد.
هل سنشهد تصعيدا في الضربات مستقبلا؟
هذا محتمل لكنّه ليس واردا الآن، إن تداعيات هذه الضربة بحسب تحليلي – إلا إذا حصل أمر جنوني- هي أنها ستصّعّب إيجاد نهاية للحرب السورية، وهي لم توجّه رسالة شديدة وقاسية لبشار الأسد بأن عليه التفاوض من أجل السلام فورا… إن جلّ ما حققته هو إغضاب الروس وهي خلقت المزيد من الإنقسام في مهمّة الحرب ضدّ “داعش”.
وبالتالي إن محاربة “داعش” ستكون أصعب وأخطر بسبب صعوبة التواصل بين الروس والأميركيين فوق أجواء العراق وسوريا جرّاء هذه الضربة.
ما هي رسالة ترامب لروسيا؟
الرسالة هي أنّ ترامب ليس خائفا من إستخدام القوّة العسكريّة، وأنه ليس مصطفا الى جانب روسيا كما كان يبدو.
ماذا عن إنشاء مناطق آمنة لا تعبرها الطائرات والتي عاد الأتراك لترويجها من أجل إيواء النازحين؟
إذا كانت الولايات المتحدة الأميركية قد بدأت بالهجوم على القوات السورية وعلى حلفائها الروس، فمن الصعب تخيّل من سيكون صاحب المزاج الهادئ والسليم لكي يعقد إتفاقية حول مناطق عازلة لا يعبرها الطيران، هذا الأمر صعب جدّا.
ماذا عن التهديدات الإسرائيلية ضدّ لبنان؟ وهل من الممكن أن يحصل إستغلال إسرائيلي للحركة الأميركية لكي توجه ضربة للبنان ولـ”حزب الله”؟
الهجوم الأميركي ضدّ روسيا سوف يشجّع التصرف العداوني لإسرائيل،
في سوريا، يكفي أن يكون الرئيس الأميركي قد قال بأن بشار هو شيطان وأن الروس هم سيئون لأنهم يدعمونه لتتخذ إسرائيل من هذا الكلام ذريعة لكي تقوم بما يحلو لها ضدّ حلفاء بشار الأسد في سوريا.
وماذا عن لبنان؟
إن الأرض الأساسية للمعركة اليوم هي في جنوب سوريا، في الجولان تحديدا، لكن أعتقد أنه إذا بدأت الحرب في سوريا سيكون صعبا جدّا إحتواءها هناك ومنع إنتقالها الى لبنان، لأنه في نهاية المطاف إن كانت مهمّة إسرائيل هي محاربة “حزب الله” وتقليص نفوذه فسيكون صعبا عليها الإكتفاء بمحاربته في سوريا، لأن عنوان “حزب الله” الأصلي موجود في لبنان وليس في جنوب سوريا.