“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
بالصدفة انخرطت مديرة المراسم في وزارة الخارجية والمغتربين السفيرة ميرا ضاهر فيوليدس في السلك الدبلوماسي، وفور حصولها على إجازتها في العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية الأميركية وبينما كانت تستعد لإعداد “ماجستير” من الجامعة الأميركية في مجال العلوم السياسية عمدت والدتها الدكتورة صونيا ضاهر الى تقديم طلب لها للمشاركة في مباراة ينظمها مجلس الخدمة المدنية لدبلوماسيين جدد في عام 1993 ،فكانت من بين الـ16 دبلوماسيا الذين تمّ اختيارهم من أصل 1286 مرشحا.
سرعان ما جذب العمل الدبلوماسي ضاهر التي باتت اليوم بأدائها الوظيفي المتمكّن وشخصيّتها الفولاذية ملهمة للعديد من الدبلوماسيين المنخرطين حديثا في السلك، تقول لموقع “مصدر دبلوماسي”: لم يكن العمل الدبلوماسي حلمي بالأصل”.
لكنها اكتشفت بأنّ الدبلوماسية “من أجمل المهن على الإطلاق لأن لا حدود لها، فهي تشبه السياسة لكنّها ليست السياسة بمفهومها التقليدي، كما أنها مجال ينحاز فيه الدبلوماسي دوما إلى جانب الدولة والمؤسسات وهذا كان المعيار الأهم بالنسبة إلي”.
تتذكر ضاهر عددا من السفراء السابقين-ممن عرفتهم أو عملت معهم- في السلك وشكّلوا قدوة لكثير من أبناء جيلها، منهم السفراء جهاد مرتضى وسمير مبارك وظافر الحسن، فضلا عن سفراء سابقين عديدين تكن لهم كل تقدير، الى أسماء سيدات دبلوماسيات، منهن أول دبلوماسية أنجيلا جرداق التي عينت في نيويورك وساهمت في مؤتمر سان فرنسيسكو عام 1945الدبلوماسي . كذلك السفيرة سميرة الضاهر التي كانت اول سفيرة للبنان وأول سفيرة تعتمد في “بلاد الشمس” اليابان. وهنا تعتبر ضاهر أن لبنان كان سبّاقا من حيث إفساح المجال للمرأة اللبنانية بدخول السلك الدبلوماسي، وتشكل السيدات اليوم نسبة مهمة في عداد السلك الدبلوماسي اللبناني.
عملت ضاهر في بلدان عدّة عينت فيها سواء كدبلوماسية في البعثة اللبنانية أو زارتها في مهامّ قصيرة، من هذه الدول: تايلاند، بريطانيا،رومانيا، كوريا الجنوبية، ميلانو وقبرص. وهي تشغل حاليا مركز مديرة المراسم في وزارة الخارجية والمغتربين منذ أكثر من أربعة أعوام.
المراسم هي احد الأعمدة الاساسية للدبلوماسية
تصف ضاهر تأثير المراسم بأنه “أساسي لانتظام العمل لكنه غير منظور ولا تظهر أهميته إلا حين يقع خطأ ما، تماما كما يتوقف عصب صغير عن العمل في جسد الإنسان فيظهر العطب سريعا في مكان ما”.
وترى ضاهر بأن للمراسم “سرّ يكمن في القدرة على التنبه لأي خطأ أو موقف محرج بسرعة بديهية ومعالجته فورا ومن دون السماح بأن يظهر للعلن، وهذا يتطلب حنكة ومهارة وللخبرة دور كبير”.
وتؤكد ضاهر على أن “اللغة الدولية التي تمارسها مديرية المراسم مفهومة لدى كافة البعثات الأجنبية والمنظمات الدولية العاملة في لبنان والتي ترتبط بكافة تفاصيلها الإدارية واللوجستية بهذه المديرية”.
ومع رفضها التصنيف والتفريق بين المرأة والرجل سواء إجتماعيا أو مهنيّا ترفض أيضا الحديث عن منافسة في المجال الدبلوماسي بحسب الجنس معتبرة أن “الإنسان الناجح يتعرض للمنافسة واحيانا للمحاربة سواء كان رجلا أم إمرأة”.
إشكاليات…التشكيلات الدبلوماسية
تعتبر السفيرة ضاهر أن” الطائفية هي العقبة الاساسية التي تعرقل التشكيلات الدبلوماسية قي لبنان والتي تجري في جميع دول العالم وفقا لمعايير مهنية؛ وتضيف ان المراكز الدبلوماسية في وزارة الخارجية والمغتربين “شأنها شأن الإدارات العامة الاخرى هي بالمناصفة بين المسلمين والمسيحيين، وقد كرس العرف والتقليد بعض العواصم الرئيسيّة القليلة لطوائف معينة؛ لكن هذا العرف استشرى واتسع ليشمل وخلافا لكل منطق، عددا كبيرا من السفارات حتى بات الاستبدال الروتيني للمواقع تعيقه تجاذبات قوية”. وتقول أنه :” من المفروض ان يتم تداول المراكز وفق الاختصاصات المهنية، لكن التوسع في تقاسم المراكز بين الطوائف لم يعد يخدم المصلحة الوطنية ولا مصلحة الطوائف، بل بات لإضاء طموحات فردية بغض النظر عن الكفاءة المهنية”.
وتضيف ضاهر “أنا لم أنخرط في السلك الدبلوماسي لكي أخدم طائفتي بل لأخدم وطني لبنان، لذا لا أحبّذ التعيين على أساس طائفي”… وأن هدف العمل الدبلوماسي هو خدمة لبنان وحماية مصالحه وابراز اجمل صورة عنه، عمليا ومهنيا؛ فهذا هو دورنا الأساسي، وان إصرار البعض على التشبّث بطائفية المركز فهذا يعني انه لا يملك ما يقدّمه للبلد، وليست له إضافة نوعية للمركز الذي سيعيّن فيه”.
تردف:” إذا كانت الطائفية مفروضة في الإختيار فإن هذا لا يعفينا من إنتقاء الأكفأ بحسب المعايير الأكاديمية والمهنية”.
وتعتبر السفيرة ضاهر أن التشكيلات الدبلوماسية باتت ضرورة ملحة؛ وتؤكد من موقعها على الاهتمام الدائم والمستمر الذي يبذله الوزير باسيل في هذا الشأن “فهو الان يدرك أهمية النشاط الدبلوماسي اللبناني بالنسبة للبلدان كافة “. وتؤكد على ان “وجوده على رأس الدبلوماسية ضمانة لاعضاء السلك لتسمية الشخص المناسب قي المكان المناسب. فالوزير باسيل مشهود له بالدفاع عن كل قضية محقة آمن بها وهو الان يعي تماماً نوعية عملنا ودقته وأهميته للحفاظ على موقع لبنان في المجتمع الدولي والدفاع عن حقوقه”.
ملء الشواغر
لا نقص في عدد الدبلوماسيين في السلك الدبلوماسي اللبناني الذي يعدّ حوالي 250 دبلوماسيا بحسب ضاهر، ” إذ ان العدد اصبح شبه مكتمل على مستوى الفئة الثالثة بعد المباراة الاخيرة، إنما الفراغ حاصل على مستوى الفئتين الثانية والأولى نظرا لعدم حصول التصنيفات بشكل دوري ومنتظم وعلى مدى سنين طويلة”. وتقول بأن “التأخير سمح ببقاء عدد كبير من الدبلوماسيين في الخارج خلافا للقانون زيادة عن المدّة القصوى التي يحق للدبلوماسي فيها البقاء خارج الإدارة المركزية”، وان تأخر عودتهم الى لبنان قد تؤدي إلى إرجاء التصنيفات لان هناك تلازم بين الرتبة والمنصب الذي يشغله الدبلوماسي فعليا.
وعن رأيها بالتعيينات من خارج الملاك والذي يرى فيه البعض ظلما للدبلوماسيين،تقول ضاهر “مقبول إن كان المعيّن من مستوى شارل مالك أو غسان تويني”؛ وتردف قائلة بأن “مبدأ تعيين السفراء من خارج الملاك موجود لدى كافة دول العالم بنِسَب متفاوتة، ولكنها تتحدد بمعيار واحد هو تعيين اشخاص يتمتعون بكفاءات خاصة ومميزة ومرتبطة بالمنصب الذي سيعينون فيه ولفترة محدودة.
للدبلوماسي مهام متعددة
اما فيما يخص الدبلوماسيين الجدد الذين تم تعيينهم مؤخرا وعددهم 43 دبلوماسيا ترى ضاهر أن هؤلاء يتمتعون “بكفاءة وثقافة جيدة، وتأمل ان يتاح لهم الوقت الكافي للحصول على الخبرة والتدريب الملائمين،لأن المهنة الدبلوماسية تنمو بالخبرة والتجربة الصحيحة”. فالدبلوماسية “ليست اختصاصا ضيقا، لأن الدبلوماسي في عمله قد يوكل اليه مهام متعددة ومتنوعة عليه ان يكون منفتحا ويتكيف مع واقع الحال.”
ثقافة وأناقة وموسيقى و…”سوشال ميديا“
من أسرار نجاح الدبلوماسي الثقافة التي ينبغي” أن ينهل منها، “القليل من كل شيء كي يكون مطلعا ولو بالحد الأدنى على أمور أساسية لا سيما في البلد الذي يخدم فيه” كما تقول ضاهر، وهي قارئة نهمة لجميع أنواع الكتب، ومن المعروف عنها أنها تضع في مكتبها الموسيقى طيلة الوقت، وتقول بأنها لا تتقصد الأمر لأن الموسيقى هي جزء من كيانها وخصوصا صوت السيدة فيروز.
لا مفرّ من الكلام مع ضاهر دون التطرق الى أناقة المرأة وهي إحدى ميزاتها المعروفة. للأناقة أيضا بعد جندري بالنسبة اليها، ” فهي ضرورة للرجل وللمرأة على حدّ سواء لأنها تكرّس هيبة الموقع والشخص”.
لا تتقبل ضاهر رؤية دبلوماسي لا يرتدي بزّة رسمية في العمل مع ربطة عنق، كذلك ترى بأن السترة ضرورية للمرأة لا سيما حين تكون في مكتبها.
وماذا عن الدبلوماسية عبر وسائل التواصل الإجتماعية؟
لا تحبذ ضاهر إستخدام الدبلوماسيين لوسائل التواصل الإجتماعية بشكل عشوائي، بالرغم من أنّ لديها حسابات خاصة على وسائل التواصل الإجتماعية كافّة لكنّها تحرص كثيرا على المضمون.
وختاما ترى ضاهر أنه” يحظر على الدبلوماسي الترويج لميوله السياسية الخاصة والميل الوحيد الذي يجب ان يبرز هو لعَلَم لينان وأرزته التي ننضوي جميعا تحت رايتها”.