“مصدر دبلوماسي”
شارك رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري أمس الأربعاء في
مؤتمر بروكسل حول مستقبل سوريا والمنطقة الذي التأم في صالة مجلس الاتحاد الاوروبي، وفي ما يأتي نصّ كلمته التي ألقاها أمام ممثلي الدول المشاركة:
أصحاب السعادة، سيداتي وسادتي،
أود أن أشكر بلجيكا وشركائها المستضيفون والأمم المتحدة من أجل هذا المؤتمر، وأرغب في الاستفادة من هذا التجمع اليوم لاقصّ عليكم قصة عبد الله وهو مزارع لبناني يعيش مع زوجته واطفاله الخمسة في كوخ صغير في بلدة عرسال، وهي بلدة تقع بالقرب من الحدود السورية.
في احد الايام من العام 2011، طرق أربعة اطفال رضع وذويهم باب عبدالله طلبا لمأوى هربا من الوحشية التي تشهدها سوريا. استضاف عبد الله العائلة السورية بكل سرور، وشاركها نصف خبزه … فنحن اللبنانيين نعرف حقيقة ما تكون الحروب عليه ، وقد مررنا بذلك من قبل، ونحن ندرك تماما كم هو امر مأساوي أن يكون المرء مشردا.
وبعد وقت ليس ببعيد من هذا الحادث، طرق شخص آخر باب عبد الله ، ولكن هذه المرة كانت منظمة توزع المساعدات الإنسانية إلى النازحين السوريين، وقد كانت هذه المساعدات بالكاد كافية بالنسبة لهم، متجاهلين بذلك الأسرة المضيفة التي هي في الواقع تتحمل العبء.
الآن بدأ عبد الله يعيد التفكير بالامر … انه فقير بقدر العائلة النازحة ، وهو يشاركهم طعامه ويتحمل العبء دون أي دعم … وهذا السيناريو يتكرر منذ سنوات ، والآن بدأ يزداد التوتر بين الاسرتين .
ايها السيدات والسادة،
هذه هي قصة أربعة ملايين لبناني، استضافوا 1.5 مليون نازح سوري … إضافة إلى نصف مليون لاجئ فلسطيني موجودين اساسا في لبنان. ان ذلك اشبه بأن يستيقظ 500 مليون مواطن في الاتحاد الأوروبي فجأة ويرون انه حصلت زيادة 250 مليون شخص بين ليلة وضحاها! وانه على الأوروبيين انفسهم مساعدتهم فيما هم بالكاد قادرون على مساعدة أنفسهم.
وبقدر ما لا يمكن تصور هذه القصة، الا ان ما لا يمكن تخيله قد حصل: فقد انخفض معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي في لبنان من نسبة 8 في المئة قبل الأزمة إلى ما يزيد قليلا على واحد في المئة في السنوات اللاحقة . كذلك فان الخسارة التي لحقت بالناتج المحلي الإجمالي منذ بداية النزاع بلغت 18 مليار دولار في 2015. معدل الفقر وصل الى ال 30 في المائة، وتضاعف معدل البطالة إلى 20٪، في حين ان البطالة بين الشباب اللبناني هي 30٪.
كذلك فان الخدمات العامة تعمل فوق طاقتها والبنى التحتية مستنفذة، وغني عن القول ان نسبة ديون عجز الموازنة قد زادت. وعلاوة على ذلك، فان التقديرات تشير إلى أن أكثر من 500،000 شاب بين سوري ولبناني يواجهون خطر زيادة سوء الاوضاع الاجتماعية.
ان 90٪ من الشباب اللبناني يشعرون بانهم مهددون من قبل النازحين السوريين، والتوترات بين هذين المجتمعين وصلت الى مستويات خطيرة ، وهذا ما يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية واعمال عنف من شأنها ان تهدد أمن البلاد واستقرارها السياسي.
ايها السيدات والسادة،
إن الوضع الحالي في لبنان هو بمثابة قنبلة موقوتة. وفي الوقت الذي يواجه فيه لبنان هذه الظروف الصعبة، الا انه كان قادرا على الوفاء بالتزاماته حيال مؤتمر لندن، وهو يستمر في توفير الصالح العام العالمي بالنيابة عن بقية الدول.
أنا مرتاح جدا للمتابعة التي تمت لمؤتمر لندن، ونأمل أن نرى في المستقبل القريب متابعة لمؤتمر بروكسل. نحن بحاجة إلى الحفاظ على الحوار والتعاون فيما بيننا فهو امر لا بد منه. ومع ذلك، فإن الصراع في سوريا استمر أطول مما اعتقدنا جميعنا كذلك فان احتمالات العودة الآمنة للنازحين السوريين إلى وطنهم لا تزال غير مؤكدة. ان المساعدات الإنسانية كانت مفيدة جدا، ولكنها لا تزال غير كافية .لقد حان الوقت لتنفيذ حلول طويلة الامد لهذه الأزمة الطويلة. لم تظهر اي دولة السخاء الذي اظهره لبنان، نظرا لوضعنا الاقتصادي والسياسي والتحديات التي واجهناها طوال السنوات الماضية. لكنني أخشى أن لا يتمكن لبنان من الاستمرار ، وهو لن يستمر في تحمل عواقب دعمه استضافة 1،5 مليون نازح سوري على اراضيه ، ما لم يتم وضع خطة جديدة حيز التنفيذ.
ما هي الطريق التي يجب ان نسلكها؟ الأمر متروك لكم لتحديد كيف ستستمر قصة عبد الله ، فإما ان تسلك مسار الأمل أو مسار اليأس.
يمكننا معا الاستثمار في الامل واسير في الرؤية التي وضعتها الحكومة اللبنانية والدخول في عصر النمو والاستقرار والتطور حيث ، حيث يتلقى السوريون التعليم والتدريب ويكونوا مجهزين تجهيزا جيدا للمساهمة في مستقبل بلدهم، أو، يمكننا أن نستسلم للياس والسماح للفقر والبطالة في لبنان بالازدياد، ونكون بذلك ندفع النازحين السوريين إلى مزيد من انعدام الأمن والضعف إلى التطرف … و ما هو أسوأ، فانا أخشى أن زيادة التدهور الاقتصادي وانعدام الأمن قد يدفعان ، على حد سواء، اللبنانيين واللاجئين السوريين، إلى ايجاد ملاذات اخرى .
ايها السيدات والسادة،
أقف امامكم هذا الصباح لأسألكم الاستثمار في الأمل، تماما كما فعل لبنان. لقد وضعنا استراتيجية واضحة للتعامل مع التداعيات الشديدة للأزمة السورية، ولوضع لبنان مرة أخرى على طريق تحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة. وهذه الاستراتيجية تعتمد على ركنين اثنين : أولهما إطلاق برنامج لاستثمار رأس المال على نطاق واسع من شأنه أن يساعد على توليد العمالة لدى كل من اللبنانيين والسوريين، والثاني هو توفير فرص التعليم للنازحين السوريين، بما في ذلك التعليم غير الرسمي، والتدريب التقني والمهني.
أدعوكم اليوم للاستثمار في السلام و “دعم استقرارنا”. اليوم، لبنان يمثل نموذجا للاعتدال والعيش المشترك للمنطقة بأسرها … و نموذجا … نرجو منكم حمايته.
فلنستثمر معا في مستقبل لبنان المستقر . دعونا نستثمر معا في سلام واستقرار المنطقة والعالم. دعونا نستثمر في لبنان وفي جيل المستقبل
في سوريا، حيث يمكن للبنان ان يشكل الارضية المثالية لانطلاق عملية إعادة الإعمار في سوريا. شكرا.
كلام الحريري للوفد المرافق
تحدث رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري لدى دخوله مع الوفد اللبناني إلى قاعة مؤتمر بروكسيل للنازحين السوريين، للمشاركة في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، فقال: “أتينا إلى بروكسيل لكي نروي قصة لبنان وقصة النازحين السوريين فيه، وما يعانيه بلدنا في هذا الشأن وما يعاني اللاجئون النازحون في لبنان، لا سيما بعد الجريمة الكبرى التي حصلت بالأمس، والتي لا نستغرب حدوثها في حين نحن قادمون إلى مؤتمر دولي للاجئين ولسوريا، فلا نستغرب ما قام به النظام السوري”.
وأضاف: “نحن نتمنى على المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤولياته بشأن هذه الحرب وبشأن اللاجئين في لبنان أو الأردن أو دول المنطقة. مشروعنا واضح، فنحن نريد الإنماء في لبنان لكي نحافظ على اللاجئين السوريين فيه. فهذا البلد لم يعد يتحمل بأي شكل من الأشكال وجود مليون ونصف مليون نازح سوري فيه”.
وقال الرئيس الحريري باللغة الإنكليزية: “أتيت إلى هنا لكي أروي قصة لبنان، لدينا 1.5 مليون لاجئ سوري، ولبنان يقدم خدمة عامة للعالم أجمع وللمجتمع الدولي الذي عليه أن يستثمر فيه، ليس فقط من خلال المساعدات الإنسانية للاجئين، ولكن أيضا في مستقبل لبنان وهؤلاء اللاجئين. فمن الضروري جدا أن نتأكد من أن الجميع يحظى بحياة كريمة، وعلينا أن نقرر كيف نريد أن نحارب التطرف، هل بزيادة معدل الفقر في المجتمع اللبناني أو السوري؟ أم بإعطائهم الأمل وأشياء ليقوموا بها سواء للبنانيين أو للسوريين؟ نحن نؤمن بأن النزاع في سوريا يجب أن يتوقف. رأينا ما قام به النظام بالأمس من فظائع جديدة، وبالتالي لا يمكن للعالم أن يتفاجأ لأنه يسمح لمثل هذا النظام بأن يقوم بما يقوم به، ولكن ما يصدمنا نحن هو هذا العدد الهائل المتزايد من الأطفال الذين يموتون في حين أن العالم بأسره يتفرج. من ارتكب هذه الفظائع يجب أن يدفع ثمنها”.
سئل: ولكن ألا تظن أن هذه الشعارات الرنانة لا تُدعم دائما بأفعال؟
أجاب: نعم طبعا ولكنني أظن أن المشاركين في هذا المؤتمر أتوا إلى هنا لكي يوصلوا رسالة واضحة، والنظام السوري من جهته أوصل كذلك رسالة واضحة، ولكن للأسف ما من أحد شجاع بما يكفي حتى الآن لمواجهة النظام وأفعاله هذه”.
وأضاف: “أتيت إلى هنا لكي أعلن أن لبنان لم يعد يتحمل مسألة وجود الـ1.5 مليون لاجئ سوري، وعلى المجتمع الدولي أن يفعل شيئا في هذا الإطار”.
وردا على سؤال قال: “لبنان يقوم بخدمة عامة، وهذه الخدمة هي أكبر بكثير من كل ما تم تقديمه طوال النزاع في سوريا. فبحسب أرقام البنك الدولي، دفع لبنان في العام 2015 خسارة بلغت 18 مليار دولار من إجمالي ناتجه المحلي، وإذا ما احتسبنا كم تم ضخ من أموال للمساعدات الإنسانية سنجد أنها لا تقارن بما خسره اللبنانيون، وكذلك بالنسبة إلى الأردنيين”.
وتابع: “أعتقد أن النظام السوري ارتكب بالأمس جريمة، ولسوء الحظ، فإن المجتمع الدولي لم يتعلم من التاريخ أن الديكتاتوريين من أمثاله يتمكنون أحيانا من التفلت من العقاب، وبالتالي يجب مواجهتهم”.
سئل: ولكن روسيا قالت أنه لم يكن خطأ النظام السوري؟
أجاب: قولوا ذلك لأمهات وآباء هؤلاء الأطفال الذين قتلوا بالأمس، المشكلة أننا قادرون على ابتكار الأعذار، ولكن هناك أمر واضح، عدد القتلة يزداد يوما وبعد يوم ولا نحرك ساكنا.