“مصدر دبلوماسي”
قلت وأكرر: لبنان بلد جميل. شبابه من أكثر الشباب موهبةً في العالم، وقوته العاملة من أفضل القوى المؤهّلة علمياً، ورجال الأعمال فيه من بين الألمع والأبرع، وفنانيه من بين الأكثر إبداعاً على الإطلاق.
لكن ما لم أقله بعد هو أنّ لبنان قادر على تحقيق المزيد من التميّز. لأنّ 50% من سكانه مكبّلون.
وكان رئيس الوزراء سعد الحريري قد قال بنفسه الأسبوع الماضي عند إطلاق وزارة الدولة لشؤون المرأة إنّ: تمكين المرأة اللبنانية اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً هو في الحقيقة تمكين لكل لبنان. وقد جاء هذا الخطاب المتقنفي التوقيت المناسب.
اليوم لبنان أمام فرصة تاريخية. فالانتخابات أصبحت على بعد أشهر قليلة. ورغم زحمة القضايا الأخرى المطروحة للنقاش في اليوم العالمي للمرأة، تبرز قضية أساسية واحدة بمقدورنا أن نحقّق فيها تقدّماً في الوقت الراهن، ألا وهي تحسين موقع لبنان الذي يشغل حاليا احد أدنى المستويات العالمية تقريباً من حيث تمثيل المرأة. لا يجوز أن يقبع لبنان أبداً في أدنى المراتب على أي صعيد كان. فأنا أعرف، مثلكم تماما، بأنّ لبنان هو أفضل من ذلك بكثير.
ليست المساواة مشروعاً بريطانياً ولا هي مخطط أجنبي، بل مبدأ وافق لبنان، كما 189 بلداً آخر، على احترامه عندما وقّع على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة. فحثّ المرأة على المشاركة في الحياة السياسية هي من القضايا التي تناصرها أكثر من 150 منظمة من المجتمع المدني اللبناني، تحت مظلة الائتلاف الوطني لمشاركة المرأة في الحياة السياسية الذي يعمل بقيادة اللجنة الوطنية للمرأة اللبنانية، وهي هيئة عامة.
لقد أثبتت المرأة في لبنان قدرتها وجدارتها في شتّى مفاصل الحياة. فهي تشغل منصب مديرة تنفيذية في شركة، وتتولّى رئاسة تحرير صحيفة، وتعمل كأستاذة جامعية. لكن غيابها لافت في الحياة السياسية حيث تشغل نسبة 3% من المقاعد البرلمانية و3% من المناصب الحكومية وهذا لا يعكس على الاطلاق تمثيلها الصحيح.
تغيير الواقع ممكن والانتخابات النيابية هي الفرصة لإحداث هذا التغيير. فقد تبيّن بحسب الدراسات أنّ 75% من الناخبين الذين أُتيحت لهم فرصة التصويت للمرأة في الانتخابات البلدية، صوّتوا لها بالفعل. كذلك أكّد 59-83% من الذين منحوا أصواتهم للمرأة أنهم فعلوا ذلك رغبةً منهم في تشجيع مشاركة المرأة. فتم بذلك انتخاب 133 امرأة اضافية لكنّ هذا العدد ما زال يمثّل 5.4% فقط من أعضاء المجالس البلدية على المستوى الوطني.
تجمع الآراء على أنّ اعتماد الكوتا النسائية حالياً لإيصال 30% على الأقل من النساء إلى قبة البرلمان يبقى السبيل الأفضل لمعالجة هذه المعضلة. فقد سبق لـ90 بلداً على المستوى العالمي، بما فيها 9 بلدان عربية، أن تبنّت نظام الكوتا في قوانينها كتدبير مؤقت لا بدّ منه. ويتخطّى هذا الرقم المئة إذا ما أضفنا إلى ما سبق البلدان التي تعمد فيها الأحزاب السياسية بدورها إلى فرض حصص الكوتا الطوعية، باعتبارها وسيلة فعّالة لتعزيز تمثيل المرأة.
ليس المُراد من ذلك إعطاء المرأة مخرجاً أسهل لحلّ هذه المعضلة، أو منحها أفضلية غير عادلة على الرجل، بل مساعدتها في إزالة العقبات الفعلية والمحددة التي تواجهها في معركتها هذه.
لعلّ نجاح المرأة التي خرقت جدار الحياة السياسية، سواء في لبنان أو في بلدي حيث تشغل امرأةٌ اليوم، وللمرة الثانية، موقع رئاسة الحكومة، هو خير دليل على أنّ فكرة عدم أهلية المرأة لتبوّء مناصب سياسية هي مجرد خرافة. فأكثر من 600 امرأة يعملن اليوم في البلديات المحلية في مختلف أنحاء البلاد، ولا شيء يمنعهن من القيام بدور مماثل على المستوى الوطني.
فكّر في نساء تعرفهنّ، نساء يحظَيْن بإعجابك، في بلدتك، أو ربما ضمن أفراد أسرتك.
إن للنساء قدرات هائلة لكنّ المطلوب منحهن فرصة لإبرازها.