“مصدر دبلوماسي”
اكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أن عدم الوصول الى حل عادل للصراع العربي-الاسرائيلي هو في أساس ما تعاني منه منطقتنا من تخبط واختلال توازن وانعدام استقرار، وعلى ان الحاجة اصبحت أكثر من ملحّة لإيجاد حلول سياسية للأزمات وسفك الدماء المتواصل في بعض الدول العربية، لأنها وحدها قادرة على وضع حدِ لمعاناة طالت.
ولفت الى أن المقاربة التي تعتمدها اسرائيل منذ نشوئها، في صراعها مع العرب، والتي تقوم على قاعدة القوة، قد تحقِّق لها بعض انتصارات آنية، ولكنها لا توصل للحل ولا للسلام؛ فلا سلام من دون عدالة، ولا عدالة من دون احترام الحقوق.
وشدد الرئيس عون على أهمية دور الرئيس الفلسطيني في المحافظة على استقرار المخيمات الفلسطينية في لبنان، فلا تتحوّل بؤراً لمن يبغي استغلال مآسي الشعب الفلسطيني، واستثمارها في الإرهاب والإخلال بالأمن.
فيما اكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس على ان اللاجئين الفلسطينيين على الأرض اللبنانية ما هم إلا ضيوف عليكم، “ونحن على ثقة بأنكم ستستمرون في حسن رعايتكم لهم واحتضانهم، ومن جانبنا، فإننا نعمل دائماً أن يكون وجودهم إيجابياً إلى حين عودتهم المؤكدة إلى ديارهم ووطنهم فلسطين، الذي نصرّ عليه، ونحرص كل الحرص دائماً لأن يبقى أبناء شعبنا بمنأى عن الدخول في صراعات المنطقة.”
وقال الرئيس عباس “ان إسرائيل لا زالت تصر على مواصلة احتلالها لأرضنا، وإبقاء شعبنا في سجن كبير، وهو ما لن نقبله وسنواصل العمل بالطرق السياسية والدبلوماسية واستخدام أدوات القانون الدولي وحشد الدعم الدولي الثنائي والمتعدد، وسنعمل على تطبيق قرار مجلس الأمن 2334، وسنواجه النشاطات الاستيطانية وقرار الكنيست الأخير الذي يشرع سرقة الأرض الفلسطينية.”
مواقف الرئيسين عون وعباس جاءت خلال مؤتمر صحافي مشترك اعقب محادثات لبنانية- فلسطينية ثنائية وموسعة في قصر بعبدا.
وكان الرئيس الفلسطيني وصل الى مطار رفيق الحريري الدولي بعد ظهر الخميس حيث كان في استقباله رئيس بعثة الشرف وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية بيار رفول، محافظ بيروت زياد شبيب، قائد منطقة جبل لبنان العسكرية في الجيش العميد جورج خميس، مساعد قائد جهاز امن المطار العميد عزام الحسن، مدير عام الطيران المدني محمد شهاب الدين والسفير الفلسطيني في لبنان أشرف دبور واعضاء سفارة دولة فلسطين في لبنان وفصائل منظمة التحرير والتحالف.
الاستقبال الرسمي في القصر الجمهوري
وبعد استراحة قصيرة في المطار، انتقل عباس الى القصر الجمهوري حيث استقبله الرئيس عون عند المدخل الخارجي للقصر قبل ان تقام مراسم الاستقبال الرسمي ويتوجها الى المنصة الرئيسية. وبعد عزف النشيدين الوطنيين الفلسطيني واللبناني وتحية الرئيس الضيف العلم اللبناني، عرض الرئيسان عون وعباس حرس الشرف قبل ان يصافح الرئيس الضيف الشخصيات اللبنانية المستقبلة.
ثم قدم الرئيس عباس للرئيس عون اعضاء الوفد المرافق قبل ان تقدم له الزهور عند مدخل القصر من قبل طفلين باللباس الفولكلوري اللبناني.
المحادثات
بعد ذلك، توجه الرئيسان عون وعباس حيث عقدا لقاء ثنائيا دام حوالي نصف ساعة قبل ان ينضم اعضاء الوفدين لتعقد محادثات موسعة.
المؤتمر الصحافي
وبعد انتهاء المحادثات الموسعة، انتقل الرئيسان الى صالون 22 تشرين الثاني حيث عقدا مؤتمرا صحافيا استهله الرئيس عون بكلمة جاء فيها:
“سررت اليوم بلقاء فخامة الرئيس محمود عباس، في مستهل الزيارة الرسمية التي يقوم بها الى لبنان. وعقدت معه محادثات بنّاءة، آمل أن تنعكس إيجاباً على بلدينا في مرحلة بالغة الدقة بمخاطرها وتحدياتها.
إن مأساة فلسطين التي بدأت مع وعد بلفور، قد بلغت هذه السنة عامها المئة. وهي الجرح الأكبر في وجدان العرب، وأول ضحاياها الشعب الفلسطيني ثم الشعب اللبناني. ولا شك أن عدم الوصول الى حل عادل هو في أساس ما تعاني منه منطقتنا من تخبط واختلال توازن وانعدام استقرار.
لقد أكّدت لفخامته أن المقاربة التي تعتمدها اسرائيل منذ نشوئها، في صراعها مع العرب، والتي تقوم على قاعدة القوة، ومرتكزها قوة نارية تدميرية هائلة، قد تحقِّق لها بعض انتصارات آنية، ولكنها لا توصل للحل ولا للسلام؛ فلا سلام من دون عدالة، ولا عدالة من دون احترام الحقوق.
لقد سقطت الأحادية في العالم، ولا يمكن أن تُبنى دولة على آحادية دينية ترفض الآخر وتطرده من أرضه ومن هويته ومن ثقافته، وتتوقع بعد ذلك أن تنعم بالسلام.
من هذا المنطلق، شدّدت لفخامته على ان التحدّي الأبرز الذي يواجه عالمنا العربي، هو مدى قدرتنا على فرض الحل العادل والشامل، لجميع أوجه الصراع العربي- الإسرائيلي، استنادا الى قرارات الشرعية الدولية، ومرجعية مؤتمر مدريد، والبنود المتكاملة للمبادرة العربية للسلام، التي تؤكّد الحق العربي في الأرض، وفي قيام الدولة الفلسطينية الحرة والمستقلة، وضمان عودة اللاجئين الفلسطينيين.
وتطرقنا أيضاً الى اوضاع منطقتنا العربية، وهي تجتاز مرحلة غير مسبوقة من التفتت والنزف. وكان الرأي متفقاً على أن الإرهاب الذي يضربها، لا يمكن أن يكون مصدره الدين، فأي دين منه براء. وهو يستلزم منا وقفة واحدة في مواجهته، تقوم أولاً على تغليب قوى الاعتدال في مواجهة تيارات التطرف، ثم الإحاطة بشبيبتنا ومجتمعاتنا تربوياً وتنموياً كي لا تقع فريسة سهلة في براثنه.
وفي هذا الاطار، شكرت لفخامة الرئيس عنايته بأوضاع المخيمات الفلسطينية في لبنان، وأكّدت على أهمية دوره في المحافظة على استقرارها، فلا تتحوّل بؤراً لمن يبغي استغلال مآسي الشعب الفلسطيني، واستثمارها في الإرهاب والإخلال بالأمن.
وكانت مطالبتنا مشتركة الى وكالة “الأونروا” للاستمرار في تلبية الاحتياجات الحياتية للفلسطينيين، بانتظار إيجاد الحل السياسي النهائي لقضيتهم، على قاعدة حقهم الطبيعي في العودة.
وكان الرأي متفقا ايضاً على أننا مدعوون جميعاً، عشية انعقاد القمة العربية في المملكة الاردنية الهاشمية، الى العمل لإعادة إحياء دور الجامعة العربية لنتمكّن من مواجهة الأزمات متضامنين، ونلتزم جميعاً بميثاقها، ما من شأنه أن يساهم في بلورة العديد من الحلول لما هو قائم على الساحة العربية.
فقد أصبحت الحاجة أكثر من ملحّة لإيجاد حلول سياسية للأزمات وسفك الدماء المتواصل في بعض الدول العربية، لأنها وحدها قادرة على وضع حدِ لمعاناة طالت.
كما اتفقنا على التواصل المستمر لتنسيق المواقف والتعاون بما يخدم مصالح بلدينا وقضايا العدالة والسلام التي دفع اللبنانيون والفلسطينيون، وما زالوا، الغالي من اجل تحقيقها.
أجدد ترحيبي وترحيب الشعب اللبناني بكم فخامة الرئيس”.
كلمة الرئيس عباس
ورد الرئيس عباس بكلمة هنأ فيها الرئيس عون على انتخابه الذي انهى ازمة كبيرة في لبنان، وقال:
“سعادتي اليوم بالغة بلقائكم والحديث معكم حول مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك، والتشاور حول آخر تطورات القضية الفلسطينية، وتبادل الرأي حول العديد من القضايا الإقليمية والعالم، وأنا على ثقة بأن هذه الزيارة وهذه المباحثات مع فخامة الرئيس ولقاءاتي غداً مع رئيسي الحكومة ومجلس النواب ومع مختلف القوى اللبنانية، ستعمل على تعزيز علاقات الأخوّة والتعاون بين الشعبين والبلدين الشقيقين.
أزور مجدداً لبنان، هذا البلد العظيم الشامخ بشعبه وتاريخه الحضاري، واسهاماته في خدمة أمته وموروثها الثقافي، والذي لا زال، وسيبقى منارة مشعة للحضارة، ووطناً للخير والعطاء والمعرفة والصمود في ديار العرب أجمعين.
وأود في بداية كلمتي أن أشكركم من صميم قلبي على حفاوة الاستقبال، كما وأعبر لكم عن اعتزازنا بأواصر الأخوة والدم والمصير الواحد المشترك، فنحن شقيقان وقد ظللتم على الدوام نعم السند لفلسطين وشعبها، وسنظل نحفظ لكم مواقفكم المشرفة تجاه استضافة أبناء شعبنا ونصرة قضيتهم في المحافل الدولية كافة، ونحن نكن لكم، وللجمهورية اللبنانية الشقيقة قيادة وحكومة وشعباً أسمى مشاعر المودة والعرفان.
فخامة الرئيس، إنني لأغتنم فرصة حديثي هذا إليكم، لأؤكد على مسألة في غاية الأهمية بالنسبة لنا، ولشعبنا ولأشقائنا في لبنان، وهي أن إخوتكم من اللاجئين الفلسطينيين على الأرض اللبنانية ما هم إلا ضيوف عليكم، فهم أهلكم، ونحن على ثقة بأنكم ستستمرون في حسن رعايتكم لهم واحتضانهم، ومن جانبنا، فإننا نعمل دائماً أن يكون وجودهم إيجابياً إلى حين عودتهم المؤكدة إلى ديارهم ووطنهم فلسطين، الذي نصر عليه.
هذا ونحرص كل الحرص دائماً لأن يبقى أبناء شعبنا بمنأى عن الدخول في صراعات المنطقة، وشعبنا في لبنان أكد على انضباطه وحفاظه على الأمن والاستقرار في المخيمات، وهنا أشيد بالتزام جميع الفصائل الفلسطينية برؤيتنا هذه، وأشكر جميع أجهزة الدولة اللبنانية في هذا الخصوص، الأمر الذي يساهم في تعزيز العلاقات الفلسطينية اللبنانية.
وتعلمون، بأننا نقف مثلما تقفون ضد الإرهاب بأشكاله ومصادره كافة، ونحن منذ البداية دعونا إلى الحوار البناء بين الأطراف في الأقطار التي تشهد صراعات، وأكدنا كذلك على ضرورة صون وحدة وسلامة أراضي كل قطر عربي.
أما على صعيد تطورات القضية الفلسطينية، فكما تتابعون لا زالت العملية السياسية تراوح مكانها، رغم أننا نمد أيدينا للسلام وفق قرارات ومرجعيات الشرعية الدولية، إلا أن إسرائيل لا زالت تصر على مواصلة احتلالها لأرضنا، وإبقاء شعبنا في سجن كبير، وهو ما لن نقبله وسنواصل العمل بالطرق السياسية والدبلوماسية واستخدام أدوات القانون الدولي وحشد الدعم الدولي الثنائي والمتعدد، وسنعمل على تطبيق قرار مجلس الأمن 2334، وسنواجه النشاطات الاستيطانية وقرار الكنيست الأخير الذي يشرع سرقة الأرض الفلسطينية.
وفي نفس الوقت سنواصل عملية البناء الداخلي لمؤسساتنا الوطنية وفق معايير عصرية وعلى أساس سيادة القانون والنهوض باقتصادنا الوطني، ودعم صمود أهلنا في القدس، ومن ناحية أخرى، سنواصل العمل على توحيد أرضنا وشعبنا وتحقيق المصالحة الوطنية، وإعادة إعمار ما دمره الاحتلال في قطاع غزة، وتحقيق المصالحة والذهاب إلى الانتخابات العامة، علماً بأننا سنعقد الانتخابات البلدية خلال شهر مايو القادم.
فخامة الأخ الرئيس،
إننا لعلى ثقة تامة بأنكم ستواصلون دعمكم لفلسطين أرضاً وشعباً وقضية عادلة، ونحن سنبقى نكن للبنان العزيز وشعبه الشقيق كل الحب والإكبار والوفاء، ونحرص على مصالحه مثلما نحرص على مصالح فلسطين، سائلين الله أن يحفظ وطنكم وشعبكم، ويديم عليهما نعمة الأمن والأمان والرخاء والاستقرار، وتحقيق المزيد من التقدم والازدهار والنجاحات على الدوام.”