“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
بعد اكتمال المنظومة التشريعية والقانونية لقطاع البترول في لبنان من خلال توقيع مجلس الوزراء اللبناني في بداية السنة الجارية على المرسومين اللذين يسمحان باستكمال دورة التراخيص اللبنانية الأولى وصولا الى الإستكشاف والإنتاج للنفط في المياه اللبنانية، أعلن وزير الطاقة والمياه سيزار أبي خليل أخيرا عن فتح 5 “بلوكات” للمزايدة والإعداد لدورة تراخيص جديدة تعقب دورة تأهيل مسبق.
وإذا نظرنا الى المنظومة القانونية يبقى القانون الضريبي هو الوحيد المعلّق ومن دونه لا مجال لإتمام المناقصات ولا المزايدات.
بعد مضي 3 أعوام اتخذ قرار بإعادة إطلاق دورة تأهيل ما قبلي إستكمالا للدورة الأولى في حال ترددت بعض الشركات في المضي قدما في العمل مع لبنان وبغية منح فرصة للشركات الجديدة التي اكتسبت خبرة للتأهل لكي تتحول الى شركات مشغّلة بعد 3 أعوام.
للتذكير فإن الدورة الأولى في إعادة التأهيل المسبق حصلت عام 2013 وقدمت وقتها 52 شركة تأهلت منها 46، وقد تمّ تقسيم الشركات الـ46 الى قسمين شركات مشغّلة وأخرى غير مشغّلة.
لكن ماذا يعني هذا المسار برمّته؟ وماذا يعني إعلان الحكومة اللبنانية نيّتها الإنضمام الى “مبادرة الشفافية للصناعات الإستراتيجية”
EITI
والتي تعتبر الخبيرة في القطاع النفطي لوري هايتايان أحد أبرز الداعين اليها وهي كبيرة المستشارين في منظمة معهد حوكمة الموارد الطبيعية في شمال إفريقيا والشرق الأوسط .
وهو بالإنكليزية
Natural resource Governance Institute
“مصدر دبلوماسي”:
أعلن وزير الطاقة والمياه سيزار أبي خليل بأنّ “البلوكات” المفتوحة للتلزيم هي 1 و4 و8 و9 و10، ما هي المعايير التي تمّ على أساها إختيار هذه الرقع النفطية لترشيحها للمزايدات؟
لوري هايتايان:
إن اختيار الرقع 8 و9 و10 كانت -بحسب ما تمّ شرحه- خيارا إستراتيجيا سياسيا لحماية حدود لبنان من إسرائيل.
أما الرقعتين 1 و4 فيندرجان ضمن الخيارات تجارية المستندة الى الدراسات التي حصلت والتحاليل التي أعدتها “هيئة الإشراف على قطاع النفط”، وتبعا لنتائج جسّ نبض الشركات التي تأهلت لمعرفة البقع التي تفضل إستكشافها.
وبالتالي ثمة مبادئ ثلاثة تقرر على أساسها فتح هذه “البلوكات” الخمسة: قرار سياسي لحماية حدود المنطقة الإقتصادية الخالصة للبنان، بالإضافة الى مدى إهتمام الشركات، فضلا عن الدراسات الجيولوجية التي أجريت.
“مصدر دبلوماسي”:
ماذا يعني عمليا “فتح البلوكات”؟
لوري هايتايان:
يعني أن الشركات المهتمة يمكنها أن تقدّم عروضا حولها هذا لا ينطبق على “البلوكات” الأخرى المتبقية.
“مصدر دبلوماسي”:
ما أهمية إنضمام لبنان الى “مبادرة الشفافية للصناعات الإستخراجية” ؟
EITI؟
لوري هايتايان:
إن منظمة “معهد حوكمة الموارد الطبيعية” هي ضمن مجموعة تمثل المجتمع المدني وساعدت في وضع قوانين هذه “المبادرة”.
أنشئت المبادرة عام 2003 وكانت الأولى التي تعنى بالشفافية في قطاع الصناعات الإستخراجيّة ( أي النفط والغاز والمعادن).
هذه المبادرة طوعية، أي أن الدولة المهتمة تطلب الإنضمام إليها طوعا، ولا شيء يلزمها توقيع أية إتفاقيات مع أي طرف.
تعلن الدولة كما فعل لبنان الإنضمام الى هذه المبادرة، وتلتزم بعد الموافقة عليها بشروط أبرزها التعاون مع المجتمع المدني.
تفرد هذه المبادرة موقعا رسميا للمجتمع المدني ليكون موجودا مع الشركات ومع ممثلي الحكومات على طاولة واحدة للنقاش في موضوع الصناعات الإستخراجية.
بعد أن تعلن الدولة نيتها الإنضمام الى المبادرة، تعيّن بعدها “قائدا” لهذه المبادرة وقد عيّن لبنان وزير الطاقة والمياه، ثمّ يتم تعيين السكرتاريا الوطنية للمبادرة وقد تكون مستقلة أو تدخل في نطاق عمل الوزارة وهذا قرار تتخذه الدولة المعنية، بعدها يتم إختيار منسق وطني للمبادرة يقوم بالأعمال اليومية ويلعب دورا إستشاريا لمجلس أصحاب المصلحة، ( أي ممثلي الحكومة والمجتمع المدني والشركات).
يجلس هؤلاء سويا ويعملون على تقرير عن قطاع النفط والغاز في البلد المعني، يغطي التقرير العقود وماهيتها والقوانين وصولا الى الإنتاج ونوعيته والشركات التي تعمل ومدفوعات الشركات للدولة، وكذلك تعلن الدولة عن المبالغ التي قبضتها من الشركات. وإذا حصلت اية مدفوعات من الشركات للمجتمعات المحلية يتم لحظها في هذا التقرير، ومجلس أصحاب المصلحة هو المعني بكتابة هذا التقرير ونشره ومناقشته لمعرفة الخلل في القطاع لإحداث إصلاحات.
وبالتالي يكون ثمة تفاعل مع المجتمع الذي يتمّ إعلامه بخطوات الدولة من خلال هذا التقرير الذي يوضع بوجود ممثلين عن المجتمع المدني والشركات وممثلين عن الدولة.
“مصدر دبلوماسي”:
أين بدأت هذه المبادرة؟
بدأت في 2003 إبان مشاكل وقعت في بلدان إفريقية عدة حيث أجريت تحقيقات عمن يمول ميليشيات مسلحة ومتمردة، فدخلت جمعيات متخصصة واكتشفت وجود ميليشيات تستغل شركات معينة في قطاع النّفط.
هذا ما حصل في أواخر تسعينيات القرن الفائت في أنغولا تحديدا. فأصدرت هذه الجمعيات تقريرا تبين أن تمويل الميليشيات مرتبط بالموارد الطبيعية وبالألماس تحديدا، فكانت المرة الأولى التي يصدر فيها تقرير يشير الى إلزامية نشر الشركات لما تدفعه للحكومات.
وكبرت الموجة. فصارت إحدى الشركات الإنكليزية في أنغولا تحت الضغط، الى أن أعلنت أنها دفعت 11 مليون دولار أميركي للحكومة الأنغولية. أغضب هذا الإعلان الحكومة الأنغولية التي لم تستسغ النشر من قبل طرف واحد دون العودة إليها. فبدأت تركيبة “مبادرة الشفافية للصناعات الإستخراجية” واتخذ قرار ألا يكون النشر من طرف الشركات فحسب بل ثمة حاجة الى موافقة الحكومات على ذلك، وتمّ الإعلان الرسمي عن المبادرة فيعام 2003. فأعطي دور للمجتمع المدني ضمن مجلس أصحاب المصلحة للموافقة على التقرير الذي يوافق عليه طرفان: الشركات والحكومات. وكان ( رئيس الوزراء البريطاني السابق) طوني بلير أول من أعلن عن هذه المبادرة للمرة الأولى عام 2003 في بريطانيا، ورعتها دول كبرى منها الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا والنروج وبريطانيا. بعد 10 أعوام، أجريت مراجعة وتبين وجود بعض التلاعب من قبل الدول في الأرقام وعدم وجود أي تأثير على مجتمع . فتوسع إطار التقرير ليشمل القطاع برمته من الإطار القانوني في البلد المنظّم، والشركات العاملة في القطاع وملكيتها، الإنتاج، والمشاريع التي تفصل برمتها، ونشر تفصيلي لأية مدفوعات دفعتها الشركة الوطنية للحكومة وللمجتمعات المحلية، واي مدفوعات يجب ذكرها ليصبح التقرير واضحا حول كيفية إدارة القطاع، وبالتالي فإن مجموعة أصحاب المصلحة التي يشارك فيها المجتمع المدني تنشر هذا التقرير ليبدأ حورا بين كل المشاركين حول إصلاح القطاع.
“مصدر دبلوماسي”
ما هي الخطوات المقبلة التي يجب أن يتخذها لبنان؟
لوري هايتايان:
ثمة خطوات يجب أن يتخذها لبنان قبل أن يصبح ممتثلا للمبادرة. فبعد صدور أول تقرير للبنان ونشره تتسلّمه أوسلو (حيث المقر الرسمي للمبادرة) وتنظر إن كان مستوفيا جميع الشروط، فتقول بأن لبنان أصبح ممتثلا، وعلى لبنان أن يقدم هذا التقرير سنويا.
اليوم تمّ إعلان نيتنا بالإنضمام الى المبادرة عبر مجلس الوزراء، وأعلنا من هو القائد وهو وزير الطاقة، وبالتالي يجب الإعلان عن هوية السكرتاريا الوطنية ثمّ وضع مجموعة أصحاب المصلحة وتأسيسها واليت تضم ممثلي المجتمع المدني والحكومة والشركات، ووضع خطة عمل ورفعها الى أوسلو التي تعطي مهلة زمنية هي سنة ونصف السنة لإنجاز أول تقرير فتنظر فيه للموافقة على امتثال لبنان الذي يبقى حاليا مرشحا للإنضمام الى المبادرة.
“مصدر دبلوماسي”
ما هو عدد الدول المنضوية في هذه المبادرة؟
لوري هايتايان:
هو اليوم حوالي 58 دولة، ولبنان هو أول بلد انضم من دول شرقي المتوسط، وثمة بلد وحيد منتسب في الشرق الأوسط هو العراق في حين سيتم شطب اليمن بسبب حالة الحرب وعدم تقديمه للتقارير السنوية.
“مصدر دبلوماسي”:
هل هذه الخطوة كافية من أجل توفير الشفافية في هذا القطاع؟
لوري هايتايان:
لا شيء كافيا، لأن ثقة المواطن اللبناني بحكامه ضئيلة، والجميع يشكك بالتقاسم والمحاصصة، وبالتالي على الدولة إنجاز الكثير لتثبت أنها على الطريق القويم. وليست القوانين كافية فحسب بل يجب تنفيذها، لكن هذه الخطوات هي إشارات ضرورية سواء في المبادرة المذكورة أو في إقرار قانون حق الوصول الى المعلومات الذي أضيفت إليه نصوص لها علاقة بالنفط والغاز، وهذا يعني أنه بفضل هذا القانون أصبحت الدولة ملزمة نشر العقود التي ستوقعها مع الشركات، وكانت سابقا تقول أنها ستنشر نماذج العقود فحسب، واليوم يتيح قانون حق الوصول الى المعلومات ملاحقة الدولة حتى النهاية لأنها الدولة ملزمة بنشر العقود التي ستوقعها مع الشركات وهذا أمر مهم جدّا.