بغداد – خاص “مصدر دبلوماسي”:
بعد معارك قاسية استمرت لأكثر من شهرين استطاعت القوات الأمنية العراقية مع قوات “الحشد الشعبي” من فرض سيطرتها على كامل الجانب الأيسر لمدينة الموصل ثاني أكبر المدن العراقية.
مراحل التحرير وبداية الصراع السياسي
مرت عملية تحرير محافطة نينوى بمراحل هامّة، واستطاع الجيش وقوات مكافحة الارهاب من اختراق المدينة من محورها الشمالي، فيما كان “الحشد الشعبي” أو “الميليشيات الشيعية” كما تسميها بعض الدول الاقليمية تحاصر أطراف المدينة وشريطها الحدودي مع سوريا.
خلّفت معارك تحرير المدينة التي لم تكتمل بعد صراعاً سياسياً لافتاً: ركب البعض موجة الانتصارات اليومية ليستفيد منها سياسياً، والبعض الآخر كان ضد هذه العملية وعبّر عن صوت “داعش” في اروقة الحكومة والبرلمان العراقيين، ولكن بقي صوت البندقية هو الحكم، وظلت المواقف العسكرية اليومية لتقدم قطاعات الجيش العراقي هي صاحبة الموقف في حسم المعركة.
ماذا بعد “داعش”
مع اقتراب عملية تحرير الموصل من نهايتها يكثر الحديث عن مرحلة ما بعد “داعش” وسط تسريبات تتحدث عن التخوف الاميركي لانتهاء “داعش” والظرف السياسي الراهن الذي تعيشه البلاد، سواء في الجانب الحكومي أو الصراعات السياسية بين المكونات، الامر الذي يجعل الأوضاع عموماً يسودها القلق والتخوف من المستقبل، خصوصاً وان جميع القوى السياسية تستعد لمرحلة ما بعد تحرير المدينة لتحالفات جديدة ومحاولة لرسم ملامح واقع سياسي جديد تبرز فيه دعوات من هنا أو هناك لإنشاء الأقاليم على أسس مذهبية، الى جانب دعوات كردية الى الاستقلال، كما ان تعدد المكونات في الموصل عقد المشهد اكثر، وجعله يدخل مرحلة التخوف لما بعد تحرير المدينة، فربما سيظهر “داعش” اخر يتمثل بتحديات جديدة وستكون الاوضاع اخطر وأعقد من تنظيم “داعش”.
مصير المناطق السنية
ما يعقد البوصلة السياسية في البلاد هو بقاء المناطق التي دخلتها قوات “البيشمركة” تحت سلطة أقليم كردستان عقب دخول “داعش” الى المناطق السنية في الموصل، ويثير مصير تلك المناطق تعقيدات كثيرة وكبيرة، كما ان اشكالية ” التمثيل السني” والصراعات والازمات التي رافقت المناطق السنية وحال الفوضى التي سادت تلك المناطق، جعلتها تبدو ارضا خصبة لاحتلال “داعش” لها وسقوط ثلث اراضي الدولة.
التساؤل الذي يشغل بال اهالي المدينة وسياسييها هو الآتي: ماهو مصير الموصل بعد التخلص من “داعش”؟ ففي حال فشل المبادرات والمساعي في لملمة الموقف السني تجاه القضايا المهمة والحساسة في البلاد ومحاولة كسب موقف العشائر والاحزاب السنية لصالح الدولة في حربها ضد “داعش” كيف ستكون المناطق السنية بعد “داعش” ؟!
حتى لو سلمنا ان هناك مشروعاً سنياً يتمثل بالإقليم، فان أهم العراقيل تتمثل بالتنافس بين القوى السنية نفسها، كما أن طبيعة تلك الأقاليم فيها ضبابية غير واضحة المعالم، والتنافس والصراع “السني –السني” كان عاملاً مهماً في الفشل وان وجود طرف سني قوي قادر على المشاركة في تحديد مستقبل البلاد ما بعد “داعش” يمثل حلقة مهمة في حسم الملف.
في المقابل فإن الأطراف الشيعية الاخرى والحاكمة لا تملك اجابات على هذه التساؤلات مع الخلافات المزمنة ما بين المكون السياسي “السني –الشيعي” حول الأقاليم ومصير المؤسسة العسكرية ومستقبل الحشد الشعبي وقانون الحرس الوطني، كل هذه الأسباب الى اخرى إضافية جعلت المواقف تتذبذب بينهما وتتقاطع في بعض المواقف وتقف حائلاً امام أي حسم خصوصاً مع بروز الازمة الاقتصادية وارتفاع تكاليف الحرب الامر الذي يجعل جميع الخيارات مفتوحة لما بعد انتهاء “داعش” في الموصل.
نبذة عن الموصل
للتذكير فإن غالبية سكان الموصل هم عرب مسلمون من طائفة السنية ويتحدرون من خمس قبائل رئيسية هي: شمر والجبور والدليم وطيء والبقارة، ويتواجد فيها قبيلة المحلمية من بني هلال التي أتت من مناطق جبال ماردين وطورعابدين في الإقليم المحلمي في جنوب شرق تركيا، وتضمّ طوائف متعددة من المسيحيين الذين ينتمون إلى كنائس عدة وأقلية من الأكراد والتركمان والشبك لا يشكلون سوى 20 في المئة من مجموع سكان الموصل البالغ مليوني نسمة.
ولم يكن للدولة العراقية الحديثة أن تتشكل في بداية العشرينيات لو لم تلحق بها الموصل التي ظلت موضوع تجاذب حاد بين بريطانيا وفرنسا منذ الحرب العالمية الأولى، وبين سلطات الانتداب الفرنسي وتركيا التي لم تتنازل عن الموصل إلا عام 1926، بعد التوقيع على معاهدة أنقرة.
مرت عملية تحرير محافطة نينوى بمراحل إيجابية مهمة، واستطاع الجيش وقوات مكافحة الارهاب من اختراق المدينة من محورها الشمالي، فيما كان “الحشد الشعبي” او “الميليشيات الشيعية” كما تسميها بعض الدول الاقليمية، تحاصر اطراف المدينة وشريطها الحدودي مع سوريا، وفِي نفس الاتجاه خلفت معارك تحرير المدينة التي لم تكتمل بعد صراعاً سياسياً لافتاً: ركب البعض موجة الانتصارات اليومية المتحققة ليستفيد من هذه الانتصارات سياسياً ، والبعض الآخر كان ضد هذه العملية وعبّر عن صوت “داعش” في اروقة الحكومة والبرلمان العراقيين، ولكن بقي صوت البندقية هو الحكم، وظلت المواقف العسكرية اليومية لتقدم قطاعات الجيش العراقي هي صاحبة الموقف في حسم المعركة.