“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
ستبقى الساحة السورية في 2017 عنوان الصراع الدولي الإقليمي المستمر منذ اندلاع الحرب في 2011، وليس مؤكدا بعد إن كان وقع الميدان العسكري سيخفت مع سيطرة النظام السوري وحلفائه الروس والإيرانيين على مدينة حلب ومدى الإندفاعة التركية نحو الحل السياسي وإمكانية تراجع أنقرة عن المطالبة برحيل رأس النظام بشار الأسد وتخليه عن السلطة. ويفتح الميدان السوري أيضا أسئلة عميقة حول مسار فيينا وجنيف السياسي، وكيفية مقاربة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب والإدارة الأميركية الجديدة لهذه الحرب التي أودت بحياة أكثر من 300 ألف شخص وشرّدت الملايين.
شهدت نهاية عام 2016 عقد اتفاق روسي وتركي وإيراني لوقف إطلاق النّار على كامل الأراضي السورية باستثناء مواقع “التنظيمات الإرهابية” إعتبارا من منتصف ليل (30-31 كانون الأوّل 2016).
وكان أكثر من 60 ألف مسلح من المعارضة السورية المسلحة إنضموا الى ما أسمي “اتفاق الهدنة” مع الحكومة السورية. وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بأن بلاده ستدعو ممثلي الأمم المتحدة للإنضمام لتطبيق الإتفاقيات حول سوريا، معربا عن أمله بمشاركة مصر في هذا العمل. وأوضح أنه من الضروري في المراحل المقبلة إشراك الدول المحورية التي لها تأثير على التطورات في سوريا مثل السعودية وقطر والعراق والأردن.
ولكن هذا الإتفاق الثلاثي معرّض للسقوط في أية لحظة، ويبقى السؤال الحازم عن مدى الإلتزام التركي به؟
ويبدو الكباش الحالي بين محوري الصراع هو على تركيا: يسعى المحور الروسي- الإيراني الى سحب أنقرة من الحضن الخليجي، والسعودي تحديدا، كون أنقرة لمّا تزل الثغرة الجغرافية الوحيدة تقريبا التي يمكن للخليج الإتصال عبرها مع المعارضة المسلحة.
ويصبح السؤال أكثر مشروعية مع إعلان جماعات كردية سورية خطّة لإقامة نظام حكم إتحادي في شمال سوريا، واصفة الخطة بأنها ترقى الى حدّ دستور، وتعرف بإسم “العقد الإجتماعي”.
الهدنة السورية إذا صمدت سوف تتوج بالإجتماع في آستانة كازاخستان من المنتظر أن يكون في الشهر الأول من العام الجديد.
أسئلة كثيرة تطرح في العام الجديد حول سوريا: ففي حال صمود الهدنة، من هي الجهات التي ستبني هذا البلد الذي رمّدت الحرب أبرز مدنه؟ ومن سيستجيب للمؤتمرات الدولية التي بدأت تنعقد لتدارس خطط إعادة الإعمار؟
وهل صحيح أن إعادة الإعمار لن تتمّ دفعة واحدة بل على شكل خطط معيّنة، ما يعني بأن سوريا لن تبنى كلّها دفعة واحدة؟ ولماذا؟ وهل سيترجم الإستعداد الأوروبي عمليا بالإسهام في إعادة إعمار سوريّا مقابل الإصلاح السياسي؟
وماذا إذا بقي التشبث الروسي الإيراني بشخص بشار الأسد؟ وهذا ما لن يجعل الدول الخليجية متحمسة البتّة للإسهام في إعادة الإعمار.
في 2017 وفي حال صمود الهدنة ثمة رهان على خلاف إيراني روسي على تقاسم النفوذ، علما بأن دبلوماسيي البلدين يستبعدون هذا الأمر مركزين على المصالح المشتركة.
ويطرح 2017 سؤالا أساسيا عن إمكانية عودة “حزب الله” من سوريا الى لبنان؟ وكيف سيعود؟
في هذا الإطار تقول أوساط مطلعة على الملف السوري وقريبة من قوى 8 آذار بأن “الحزب” سيعود من سوريا بالثقل العسكري الموجود لديه وبتراكم الخبرات التي حصدها من قتاله في سوريا. وهو سيعود حين تنعدم الحاجة لوجوده في سوريا”.
وعن التهديد الإسرائيلي بحرب على لبنان تقول الأوساط:” إن الأمر يتعلّق ايضا بتأثير الأطراف الإقليمية على الأوضاع في الإقليم عموما وفي سوريا خصوصا”.
التركيز في 2017 سيكون أيضا على الدور التركي الذي لم ينسجم كليا بعد مع الروس والإيرانيين، وهذا التباين لم يظهّره البيان المشترك لإجتماع وزراء دفاع البلدان الثلاثة في موسكو الذي ركّز على القواسم المشتركة ومنها الحل السياسي ووحدة سوريا التي تعني الكثير للأتراك المتوجسين دوما من دولة كردية في الشمال السوري.
كذلك سيكون تركيز على دور مصر الذي تحاول روسيا دعمه بكلّ جوارحها ومحاولة التقريب في وجهات النظر بين القاهرة وأنقرة.
ماذا عن دور السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي؟
تقول الأوساط المذكورة بأنّ” دور الخليج مرتبط أساسا بالدّور التركي، وذلك بسبب التواصل الجغرافي التركي مع سوريا”.
تضيف:” لم ينكفئ الأتراك في سوريا بل ثمة جزء من التمويل والتسليح للمعارضة السورية يمرّ عبر تركيا. ما حصل هو السيطرة على مدينة حلب فحسب وليس على ريفها المرتبط جغرافيا بتركيّا”.
وتذكر الأوساط:” بالعمل العسكري الذي تقوم به قوات “درع الفرات” التي دخلت الى الشمال السوري في آب الفائت بغية السيطرة على الريف لمنع التمدد الكردي”.
باختصار فإن الملف السوري المرشح لإقفال الميدان العسكري سيبقى الحدث السياسي الإقليمي الأول، وفي 2016 حقق النظام السوري وحلفاؤه تقدّما كبيرا عبر السيطرة على مدينة حلب سيمكنه من الذهاب الى أية مفاوضات سياسية من موقع القوي، لكنّ هذا التقدم لا يعني النصر الكلي وسط وجود مناطق واسعة لا تزال تحت سيطرة المعارضة، ووجود ورقة الإعمار وهي ورقة ضغط قوية جدا ترفعها الدول المعارضة لبقاء الأسد في وجه الروس والإيرانيين، وكذلك الورقة التركية وهي محطّ صراع إقليمي واضح لجذبها الى محور دون آخر، ولعلّ الحدث الأبرز الذي يدلّ على هذا الصراع كان اغتيال السفير الروسي في تركيا أنديه كارلوف عشية الإجتماع الثلاثي التركي الإيراني الروسي في موسكو.