“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
رسائل إقليمية ودلالات سياسيّة محلية ذي مغزى نقلها الى المسؤولين اللبنانيين مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والإفريقية حسين جابري أنصاري في زيارته التي انتهت أمس والتقى خلالها رئيسي الجمهورية ميشال عون والحكومة سعد الحريري ورئيس المجلس النيابي نبيه برّي وأمين عام “حزب الله” السيد حسن نصر الله.
تكثفت الزيارات الإيرانية في الآونة الأخيرة من زيارة “التهنئة” التي قام بها فور انتخاب العماد ميشال عون وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الى زيارات دورية غير معلنة، لكنّ زيارة أنصاري الذي خلف بمنصبه حسين أمير عبد اللهيان تكتسب أهمية خاصة كون الدبلوماسي الإيراني كان ضمن الوفد الإيراني الذي شارك باللقاء الثلاثي هذا الأسبوع لوزراء دفاع روسيا وتركيا وإيران في موسكو، واطلع على ما تمّ الإتفاق عليه، وجاء الى سوريا ولبنان ليطلع المسؤولين على الأجواء السائدة.
الرسائل التي نقلها أنصاري الى المسؤولين في البلدين هي بالتأكيد أبعد مما صدر في البيان المشترك للمجتمعين من حيث التركيز على ضرورة الحل السياسي في سوريا الذي لا يكون من دون حوار شامل، فضلا عن دعم عملية جنيف التفاوضية خلال المرحلة المقبلة وخصوصا وأن الأجواء باتت مهيئة بشكل أكبر بفضل التعاون التركي والتغيرات الميدانية في مدينة حلب والتي صبّت في صالح هذا المحور.
وقد اتفق الأطراف الثلاثة بحسب أوساط مطلعة على المناخات الإقليمية تحدثت الى موقع “مصدر دبلوماسي” على إعطاء زخم أكبر للحلّ السياسي من خلال قمّة كازاخستان التي يتمّ التحضير لها حاليا.
هل يلعب الحريري دور الوسيط بين السعودية وإيران؟
وإذا كانت الرسائل الإقليمية هي في مجملها سرية، فإن لزيارة أنصاري يرافقه السفير الإيراني في لبنان محمّد فتحعلي لرئيس الحكومة اللبناني سعد الحريري دلالات ورسائل لافتة بحسب الأوساط المذكورة.
فقد تلقف الإيرانيون النهج الإنفتاحي للحريري مذ كان رئيسا مكلّفا راصدين “تخفيفا” في حدّة اللهجة حيال إيران، من هنا تندرج الزيارة في إطار استكمال نهج الإنفتاح المتبادل الذي حصل والتي يعتبر الإيرانيون بأنه يحظى برضى سعودي. وتشير الأوساط المطلعة على المناخات الإقليمية أن لقاء الحريري-أنصاري أتى في لحظة توتّر إقليمية لكن هذا التوتر المعلن يشي أيضا ببصيص نور في العلاقات السعودية الإيرانية تظهر أخيرا في التعاون في منظمة “أوبك” وفي الملف الرئاسي اللبناني. وتشير الأوساط الى أن الإيرانيين مستمرون بالإنفتاح على الحريري ما قد يؤهله مستقبلا للعب دور صلة الوصل لإعادة ما انقطع بين إيران والسعودية، “إذا أدرك الحريري كيفية الإفادة من هذا الدور الذي قد يلعبه” بحسب تعبير هذه الأوساط.
علما بأن معطيات دبلوماسية تشير الى أن التعاون الإيراني السعودي حصل أخيرا بشكل غير معلن في ملفين الأول قبل أسابيع: في موضوع النفط، بعد مطالبة سعودية بإعادة تحديد أسعار النفط في “أوبك” وتحديد حصص كل دولة من الإنتاج، وقد لاقتها إيران في منتصف الطريق وتم تجنب مشكلة في هذا الملف. أما اللقاء الثاني فقد تم في الملف اللبناني وهذا الأمر مثبت بتصريح للمتحدث بإسم وزارة الخارجية الإيرانية بهران قاسمي بعيد إنتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية.
ويندرج هذا الإنفتاح المتبادل في سياق إعادة كلّ طرف لترتيب أوضاعه في المنطقة، وهو أمر لم يتظهر إعلاميا بعد بسبب خلافات مستمرة حول ملفات رئيسية أبرزها: سوريا واليمن وإستمرارية الريبة السعودية من محاولات إيرانية لإقصائها من دورها في المنطقة عبر تفعيل الدور التركي على خطّ الملفات الساخنة وخصوصا في سوريا، وقد تظهّر ذلك في “البلبلة” التي حصلت إبان إخراج المسلحين من أحياء حلب الشرقية. لكن هل من حلحلة قريبة للملفات العالقة بين البلدين؟ تقول الأوساط المطلعة على المناخ الإقليمي: “لا توجد حلحلة بعد في الملفات الخلافية الساخنة تساعد على تطبيع كامل للعلاقات بين الدولتين، أما الأزمة اللبنانية فلم تكن معقدة كما الأزمتين السورية واليمنية”.
تضيف:” تبقى الأزمة السورية هي المعيار، فقد حقق المحور الإيراني الروسي التركي إنتصارا جزئيا عبر فرض معادلة بقاء النظام السوري وهو ما يعتبره “إنجازا سياسيا”، أما في الميدان العسكري فإن الربح الناجز لم يتحقق بعد ما دامت مساحات جغرافية واسعة لمّا تزل تحت سيطرة المعارضة السورية المسلحة”. وتلفت:” صحيح بأن “سوريا المفيدة” الممتدة من دمشق وريفها الى حلب والساحل السوري وطرطوس واللاذقية صارت في قبضة هذا المحور، لكنّ أعينه الآن موجهة صوب استعادة تدمر وإدلب، وخصوصا وأن إدلب تتمتع بموقع إستراتيجي مهمّ جدّا كونها تصل الى الساحل السوري وستكون الهدف الجديد في حال فشل المساعي السياسية الجارية” بحسب تعبير الأوساط المطلعة على المناخ الإقليمي.