“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
بعد انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتّحدة الأميركية، وهو من خارج الطبقة السياسية الأميركية التقليدية التي يعرفها العرب والعالم، وإثر موجات التطرّف اليميني والشعبوي التي تضرب أوروبا، كان لا بدّ للعالم العربي أن يتأثر. وقد قارب باحثون دوليون هذه التحولات في مؤتمر نظمه “مركز كارنيغي الشرق الأوسط” في بيروت بعنوان: “نظام عالمي في طور التفكك: آفاق العام 2017″، وناقش هؤلاء قضايا ملحّة ومحورية تطال العالم العربي بشكل خاص.
وفي ملخّص لأبرز مضامين الجلسات فقد اعتبر المعارض الإيراني والباحث الأول في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي كريم سنجابور في حلقة نقاشية أدارها الباحث الزائر في مؤسسة كارنيغي جوزف باحوط طاولت روسيا وتركيا وإيران “بأن أي قرار للإدارة الأميركية الجديدة بإعادة العقوبات المباشرة ضدّ إيران وإلغاء الإتفاق النووي معها سينعكس عليها سلبا وستتهم بأنها خرقت الإتفاق مع إيران، وسيقود إيران من جهة ثانية الى إعادة العمل في بناء مفاعلها النووي بلا أن تحسب أي حساب للمجتمع الدولي، وسيتصاعد دعمها للقوى التابعة لها من الحوثيين في اليمن وصولا الى “حزب الله” في لبنان.
وأشار سنجابور الى أن أية عقوبات جديدة ضدّ إيران لن تكون فعّالة لأن عددا كبيرا من الدول الأوروبية باتت تنظر إليها كقوّة استقرار في المنطقة باستثناء الولايات المتّحدة الأميركية التي بالرغم من ذلك ترى في إيران حليفا تكتيكيا لمحاربة “داعش”.
واعتبر سنجابور بأن ثمة تناقض بين طموحات إيران الأمبريالية في العراق وسوريا ولبنان وبين المصاعب الإقتصادية التي تعانيها، مشيرا الى أن إيران ستستمر بمخططها بسبب عقد موجودة لدى بعض الدول أبرزها عقدة السيطرة. ولفت الى أن الشباب الإيراني المطالب بمزيد من الحريات عليه أن ينتظر مجددا مرحلة كتلك التي حصلت عام 2009 .
في سوريا توقع أن إيران ستبقى متشبثة بنظام الأسد حتى انبلاج التسوية السياسية .
من جهته، قال سينان أولغن الباحث الزائر في مركز كارنيغي أوروبا عن السياسة التركية لسنة 2017 بأن أنقرة تواجه تناقضا بين تقدّمها نحو أوروبا وبين تصاعد القوى الإسلامية في داخلها. ولفت الى أن سياسة تركيا الخارجية منذ عام 2017 خففت من تأثيرها في المنطقة وثمّة حاجة لعودة تركيا الى سياسة خارجية أكثر واقعية لا سيما بعد خفوت صوت ما أسمي بـ”الربيع العربي” الذي انطلق عام 2010. ورأى أولغن بأن العودة الى الواقعية ضرورية لإعادة هيكلة السياسة الخارجية التركية. وسيكون الإستفتاء حول الدستور محطّة مهمة في المستقبل وكذلك بالنسبة الى النظام البرلماني.
أولغن أن تكون السياسة التركية المستقبلية منطوية على الداخل في حين ستشهد تحسينا في العلاقات مع دول الشرق الأوسط وإفريقيا ، ولفت أولغن الى أن الوضع الإقتصادي التركي الصعب سوف يلجم طموحات أنقرة ما سينعكس حتما على سياساتها الخارجية. ولكن هذا لن يمنعها من التدخل للجم أي طموح كردي بدولة مستقلة كما يحصل في سوريا اليوم، لكن تركيا ستكون مرغمة حتى في هذا الملف على التعاون مع الولايات المتحدة الأميركية وروسيا.
وردا على سؤال: كيف سيؤثر التدخل التركي في سوريا على ربح الإنتخابات النيابية المقبلة عام 2017؟
لفت الى أن تركيا تؤمن بأن أمنها الداخلي سيتأثر حتما بما يحصل في جوارها أي في العراق وسوريا وهذا سيؤثر أيضا على إدارة سياستها الخارجية.
وبالنسبة الى العلاقة بين روسيا وأميركا في عهد الرئيس دونالد ترامب قال الباحث ديميتري ترينين وهو مدير مركز كارنغي في موسكو بأن الإجتماع والمودة بين شخصي فلاديمير بوتين ودونالد ترامب لن يؤدي الى تغيير جذري في السياسات. فالرئيس الأميركي هو جزء من المؤسسات الأميركية واي خلل يسببه تعيد المؤسسات التوازن، في حين أن الرئيس في روسيا يحمل شخصية الزعيم وهو خارج أطر المؤسسات. للروس مصلحة كبرى في تطوير العلاقات مع الأميركيين وسيكون للإجتماع الأول بين الرئيسين بوتين وترامب وقعه الأكيد على العلاقات .
وهل سيستغل بوتين قلة خبرة ترامب السياسية؟
يقول ترينين بأن الروس لن يقوموا بأي عمل يسيء الى علاقتهم بالولايات المتحدة الأميركية علما بأن العلاقة بين البلدين لا تتعلق بشخصية الرئيسين، ومن المتوقع أن تستمر المشاكل وستبقى روسيا والصين والهند تحديا للسياسة الأميركية التي يترتب عليها إيجاد حلول للمشاكل العالمية.
وعن إيران يستعيد ديميتري ترينين مقولة لوزير خارجية أميركا السابق هنري كيسنجر قال فيها يوما: يجب على إيران أن تحسم أمرها إما أن تكون أمة أو قضية.
ويفسر ذلك بأن أي قرار لإيران بأن تتحول الى دولة يرتّب ابتعادها عن روسيا والإقتراب من أميركا، وتوقع ألا تقوم إيران بذلك بل أن تستغل ثروتها في الغاز والنفط عوض إقامة علاقات خارجية مسالمة وهي بالتالي لن تتوقف عن دعم “حزب الله” .
صعود آسيا
في حلقة نقاش بعنوان صعود آسيا، يقول مدير مركز كارنيغي في تسينغوا بول هاينلي بأن دونالد ترامب أفضل للصين من هيلاري كلينتون. فالأخيرة أثارت نقمة الصينيين بسبب تركيزها على حقوق الإنسان وخصوصا حقوق المرأة في حين أن ترامب هو رجل أعمال ولن يضع مسائل حقوق الإنسان أولوية لديه ما سيشكل ضغطا أقل على الصين.
لكن هاينلي توقع أن تكون العلاقات التجارية أصعب مع الولايات المتحدة الأميركية بسبب قول ترامب بأنه سيمنع الصناعات الأجنبية من الدخول الى أسواق أميركا وكذلك تصدير البضائع الأميركية الى الصين.
من جهة ثانية يشعر الصينيون بأنّ عليهم أن يسهموا أكثر في إدارة السياسة في الشرق الأوسط حيث توجد تجارة وثروات من الغاز والنفط فالصين منحت العلاقات الثنائية بين الدول أهمية أكثر من العلاقة الشمولية مع المنطقة ما أثر على علاقاتها وأزعج بعض البلدان من سياستها، لكنه لم يتوقع دورا رياديا كبيرا للصين في المستقبل في ما يخص الشرق الأوسط.
وقال سفير الهند السابق لدى إيران سانجاي سينغ بأن العلاقات الهندية الصينية وثيقة مع الولايات المتحدة الأميركية، وهي في تقدم مستمر وثمة تركيز هندي على التنمية الإقتصادية وعلى التعاون مع كل بلدان العالم. وقال بأن علاقة الهند ممتازة مع دول مجلس التعاون الخليجي لا سيما الإمارات والسعودية وثمة علاقة عاطفية مع الأماكن المقدسة في القدس.