“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
يستلم الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب مقاليد الحكم رسميا في 20 كانون الثاني المقبل في وقت تثير شخصيته البعيدة من الدائرة السياسية الأميركية التقليدية مخاوف عالمية أبرزها في أوروبا حيث تنمو ظواهر الشعبوية على أبواب انتخابات برلمانية في أكثر من بلد أوروبي عام 2017. كذلك تثير خطابات ترامب حول الإسلام وحقوق المهاجرين ودول الشرق الأوسط هواجس كامنة في ظلّ تناقض يلفّ اختياره لإدارته الجديدة. هنا إضاءة على العهد الأميركي الجديد يقدّمها لموقع “مصدر دبلوماسي” الدكتور جوزف باحوط، الباحث الزائر في مؤسسة كارنيغي للسلام الدّولي في واشنطن والمستشار الدائم لوحدة تخطيط السياسات في وزارة الخارجيّة الفرنسية منذ عام 2009.
تتركز أبحاث باحوط الذي عمل أستاذا في علم الإجتماع السياسي والعلاقات الدولية في جامعة القديس يوسف على التطوّرات السياسية في لبنان وسوريا وتداعيات الأزمة السورية فضلا عن السياسات الأميركية في المنطقة.
كيف تقرأ عهد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب الذي يصفه البعض بـ”رجل الأعمال”، وكيف ترى الى تركيبة إدارته الجديدة وتأثيرها على الشرق الأوسط؟
لا شك بأنّ دونالد ترامب السياسي ليس رجل أعمال بقدر ما هو رجل مقاول وثمّة فارق بين الأمرين.
فالمقاول هو “معماري” وترامب على سبيل المثال يهوى قراءة الخرائط، لكن أعتقد بأن دونالد ترامب على عكس ما يعتقد البعض برهن عن حنكة سياسيّة فطرية في الإنتخابات الرئاسية الأميركية، إذ أدرك النفور الشعبي من النخبة السياسية الأميركية ومن ضمنها النخبة الجمهورية، وتمكّن بفطرته من ملامسة شعور الجرح العميق لدى الرجل الأبيض، وكأنه بعد عشرات الأعوام من صعود الحركات الأنثوية وسواها فإن الرجال البيض المنتمين الى الطبقات المتوسطة باتوا يعتبرون أنفسهم مظلومين. تمكّن ترامب من التعبير عن شعور الإنكسار الإقتصادي لدى الطبقات الوسطى والدونية، وعن الحزن من خسارة القيم التي طالما تحلّى بها الرجل الأبيض، وكذلك شعور الهوية المفقودة وصعود الإسلام وموجات الهجرة الكثيفة، بالإضافة الى وجود أزمة إقتصادية تلاعب بها بخلفيته في الأعمال. ترامب ليس بالضرورة من العقول السياسية العظمى، لكن لديه الكثير من الذكاء السياسي الفطري وهو براغماتي ومن هنا تشبيهه بشخصية المقاول.
ليس لدى ترامب الكثير من الأفكار المسبقة، وليس إيديولوجيا، وبالتالي ثمة خطأ كبير بتشبيه عهده بمرحلة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الإبن. فقد جاء بوش كممثل للمحافظين الجدد الذين كانوا إيديولوجيين حتى العظم، أما ترامب فهو براغماتي الى أقصى الحدود، بمعنى أنه يرى ما هي الطرق التي يمكن أن توصله الى مبتغاه فيسلكها ويعالج المشاكل التي تعترضه تماما كمن يشيّد بناية ويعالج المشاكل التي تظهر أمامه.
ماذا عن اختياره لفريق عمله الذي أظهر في بوادره الأولى أنه راديكالي ومتطرف ضدّ الإسلام ولديه تمييز على أساس الجنس؟
أنا أغالط هذا الرأي، فضلا عن أنه ليس معاديا لجميع المسلمين.
لغاية الآن ثمة علامة استفهام كبرى عمّن سيختار وزيرا للخارجية وهذا ما لم يحسم بعد، والخيارات لغاية الآن تشير الى أن ثمة الكثير من العسكر. بالنسبة الى وزير الدفاع جيمس ماتيس فمن المعلوم أنه من أبرع الضباط في الولايات المتّحدة الأميركية، وشخصيّة محترمة جدّا وكان يمكن أن تختاره هيلاري كلينتون لو تسنّى لها الفوز. ليس ماتيس من أتباع الإسلاموفوبيا، بل هو استراتيجي من الطراز الأول. أما من الشخصيات التي تثير النقزة مستشار الأمن القومي الجنرال المتقاعد مايكل فلين، فهو سريع التقلب ومخترق بالمصالح المالية واللوبيات…
الواقع أن ثمّة شخصيات متناقضة تجعل ترامب هو ملك القرار النهائي، وثمة أمر مهمّ ينبغي التوقف عنده هو أن المحيط العائلي لترامب سيلعب دورا كبيرا في الحكم، بما يشبه ما يحدث في دول الشرق الأوسط حيث للأصهر والأولاد دورهم في السلطة.
ماذا عن العلاقة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين؟
صحيح أن علاقة الصداقة مع بوتين ستكون جيدة وقد يعقد معه اتفاقات، لكن المشكلة هي في الشخصيتين اللتين قد تختلفان على النفوذ. الى ذلك فإن السواد الأعظم من محيط ترامب هو ضدّ روسيّا، من هنا تطرح أسئلة عدّة: كم سيتمكّن ترامب من التوفيق بين علاقته الشخصية مع بوتين وبين الضغوط التي ستقع عليه من داخل الحزب الجمهوري ومن هذا المحيط. الى ذلك كيف سيوفق بين علاقته الجيدة مع روسيا ومناصبته العداء لإيران في حين أن روسيا وإيران تنسقان سويّا في الشرق الأوسط؟.
ماذا عن العلاقة مع الدول الخليجية ولا سيما مع نظرة ترامب المعادية للإسلام؟
برأيي أن ترامب لن يخلط بين الأمرين، والأمر سيّان بالنسبة الى الخليج.
بالتأكيد فإن الخليج ليس مرتاحا لنظرة ترامب الى الإسلام، لكن إذا كان ترامب براغماتيا ومتعاونا في وضع الحركات المتطرفة على لوائح الإرهاب وكذلك في ملفات حقوق الإنسان، فعندها لن يزعج الخليج بشيء، حتى في سوريا فإن الخليج بات مدركا للوضع السائد هناك. لكن الخليج يهتمّ للملف اليمني بشكل خاص، وبرأيي أن ترامب سيوزع وكالات في المنطقة فيهتم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مثلا بليبيا، والسعودية باليمن، أمّا شمال سوريا والعراق فسيشكلان مزيجا من النفوذ الإيراني الروسي التركي وكلّه تحت رعاية ترامب وتحت مظلّة إتفاقاته مع الرئيس الروسي بوتين.
سيستمرّ هذا الواقع بضعة أعوام لأنه في عمقه يشكّل تغاضيا عمّا حصل في الأعوام السبعة الأخيرة في المنطقة من نسيان كلّي لموضوع الثورات العربية ويعني العودة الى الأنظمة التقليدية، والتعامي كليا عن حركة الشعوب والمجتمعات وطموحات الشباب، وبالتالي يشكّل هذا التعاطي لترامب قنبلة موقوتة قابلة للإنفجار بعد 5 أعوام.