“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
لا تخفي موسكو عبر قنواتها الدبلوماسية مرحلة التوترّ “الحساسة جدا” التي تسود حاليا بينها وبين الولايات المتحدة الأميركية في ما يخصّ الملفّ السوري وخصوصا بعد انهيار الهدنة الثانية أخيرا إثر قصف الأميركيين لمواقع الجيش السوري في دير الزّور، وما أعقب ذلك من قصف لقوافل مساعدات إنسانية في حلب إتهمت فيها أميركا روسيا.
وفي حين تنهي روسيا عامها الأول من التدخل العسكري في سوريا وتستعدّ لدخول العام الثاني، فإن مقاربتها للأزمة السورية تبقى متناقضة مع تلك التي تحملها الولايات المتحدة الأميركية التي تتهمها موسكو بالإبقاء على هدف اسقاط النظام السوري مع تغيير في “التكتيك” فحسب.
وأمس زاد منسوب التوتر بين الدولتين من خلال التصاريح النارية المتبادلة من مسؤولين أميركيين وروس وقد هددت أميركا روسيا بوقف المحادثات معها، ووصل المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية جون كيربي حدّ تحذير موسكو من أن وقف تعاون بلاده معها “سيوسّع عمليات الجماعات الإرهابية ضدها”، مشيراً إلى احتمال “وقوع هجمات تطال المصالح والمدن الروسية، كما أن موسكو ستستمر في إرسال جثث جنودها من سوريا، وستخسر مواردها إضافة إلى طائراتها“.
من وجهة نظر موسكو فإن أهداف الدول مثل الولايات المتحدة والسعودية وتركيا لا تزال ذاتها في سوريا، وبالرّغم من الإعتراف التدريجي لهذه الدول بأن المعطيات الميدانية تبدّلت بشكل جذري في سوريا لجهة عدم قدرتها على إسقاط النظام السوري الذي لم يعد مطروحا حاليا كهدف ملحّ يمكن تحقيقه في فترة وجيزة، إلا أن هذه الدول لا تزال تعتبر إسقاط النظام السوري هدفا إستراتيجيا لها.
وبرأي أوساط روسية واسعة الإطلاع شرحت لـ”مصدر دبلوماسي” أسباب سقوط الهدنة الروسية الأميركية الأخيرة، فإن موقف الولايات المتحدة الأميركية والدول التي تدور في فلكها لم تتغيّر، لكنّ ما تغيّر هو “التكتيك” فحسب.
وجدت هذه الدّول نفسها مضطرة لتعديل مواقفها بحكم الأمر الواقع، لكنّ روسيا تواصل السياسة المنتهجة ذاتها وتعمل من أجل إرساء حوار بين النظام السوري والمعارضة، “ولا يهدف الحوار الى تسليم السلطة للمعارضة بل إرتكازا الى بيان جنيف (1) الذي وضع المبادئ الأساسية للحلّ” بحسب الأوساط المذكورة.
إنطلاقا من هذه الفكرة، يعتبر الروس أن الأميركيين الذين عدّلوا “تكتيكهم” فحسب أفشلوا الهدنتين الأولى والثانية نتيجة تبدّل الظروف ولعدم تطبيقهم شرط الفصل بين الإرهابيين والمعتدلين، مع اعترافهم أنه يجب وقف التمويل والتسليح وتسرّب المقاتلين الى الفصائل الإرهابية أي “داعش” و”جبهة النصرة”. وتقول الأوساط الروسية المطّلعة:” لقد اعترف الأميركيون بذلك، وعملنا على هذا الأساس، لكنّ التطبيق لم يأت بحسب الإتفاق، إذ ثمّة إزدواجيّة بالموقف الأميركي”. وتضيف الأوساط الروسية:” لذلك نحن في مرحلة حسّاسة جدّا في سوريا”.
وهل يرتبط اي إتفاق نهائي حول سوريا بالإنتخابات الرئاسية الأميركية بعد 5 اسابيع؟
تشير الأوساط الروسية لـ”مصدر دبلوماسي:” إن روسيّا لا ترغب بهذا الرّبط، بل هي مستمرّة بنفس النّهج، ربّما لدى الأميركيين اعتبارات خاصّة ونحن لا نتدخّل بها، بل نريد موقفا واضحا، ونحن نتعامل مع الأطراف الإقليمية مثل تركيا والسعودية بنفس النهج. إن روسيا تريد إغلاق الحدود السوريّة مع تركيا وتريد مواقف إيجابية في هذه الظروف. أما مدى النجاح فلا نعرفه لغاية الآن ولكن بالتأكيد فإن روسيا لا تريد إلا مناخا إيجابيا وان يستمر الحوار بشكل إيجابي إنطلاقا من حاجة الجميع الى التسوية السّلمية في المنطقة، والى إيجاد حلّ للمشاكل العالقة، لأن الإرهاب يهدّد الجميع وللأسف لا يوجد إدراك كامل لهذه الحقيقة وثمّة حاجة الى تشكيل تحالف واسع ضدّ الإرهاب لأنه لا يمكن التغلّب عليه بسرعة كونه يبحث عن طرق جديدة لتحقيق أهدافه”.