“مصدر دبلوماسي”
قبل أيام من إنعقاد أعمال الجمعية العامّة للأمم المتحدة بدورتها الـ71 في نيويورك كتب سفراء بريطاني هوغو شورتر وألمانيا مارتن هوث والنروج لين ليند رسالة مشتركة توجهوا فيها الى اللبنانيين مؤكدين استمرار دعم الأسرة الدولية للبنان وخصوصا في مسألة اللاجئين.
هنا نصّ الرسالة:
انها الفترة من السنة التي يلتقي فيها زعماء العالم أجمع لمناسبة انعقاد الجمعية العامة للامم المتحدة. وكما في السنوات السابقة ستتخلل هذه المناسبة نقاشات بارزة حول الجهود الاضافية التي يمكن ان تبذلها الاسرة الدولية دعما للبنان. منذ اندلاع الازمة السورية يواجه لبنان تحديات اجتماعية واقتصادية وامنية كثيرة. وتُظهر فعاليات هذا الاسبوع بأن الاسرة الدولية –وعلى أعلى المستويات- تعترف بوجود هذه التحديات وتثمّن جهود لبنان للتعاطي مع هذا الدفق من اللاجئين.
قد يتساءل الكثير من القراء وما علاقة ذلك بلبنان؟ ان الرسالة التي تبعث بها الاسرة الدولية هي أن لبنان ليس لوحده. في مؤتمر لندن في شباط الماضي وعدت الاسرة الدولية بتقديم تبرعات فاقت ما قد تم وعده من قَبل في أي حدث من هذا النوع: 12 مليار دولار لدعم سوريا والمنطقة على فترة خمس سنوات وقد التزمت الاسرة الدولية بتقديم 1.22 مليار دولار للبنان للعام 2016 دعما لهذا البلد المضيف وزواره السوريين المؤقتين.
ان الجمعية العامة للامم المتحدة ستبني على ذلك فللمرة الاولى سيجتمع رؤساء الدول والحكومات للاتفاق على استجابة أكثر فاعلية للتعاطي مع التحركات الضخمة للاجئين والنازحين داخليا كتلك التي تطال لبنان والمنطقة.
ثانيا، سينعقد اجتماع متابعة لمؤتمر لندن للنظر في الخطوات المستقبلية لتعزيز دعم الدول المانحة. في حالة لبنان، سيكون التركيز على دعم الحكومة ومبادرة وزارة التربية اللبنانية “لا لضياع جيل” وتوفير تعليم نوعي للأطفال اللاجئين واللبنانيين الأقل حظوة على حد سواء.
وكما في لندن تحرص الاسرة الدولية مرة جديدة على توجيه رسالة واضحة: نحن نبني شراكة طويلة الامد مع لبنان تتجاوز حدود المساعدة الانسانية وترمي الى اقامة مشاريع تنموية تعود بالفائدة على البلاد واقتصاده للسنوات المقبلة. التخطيط للمستقبل أمر جوهري عبر تمكين السوريين بمهارات ضرورية لعودتهم الآمنة والطوعية لكي يعيدوا بناء وطنهم ولكن ايضا عبر تحويل لبنان الى مركز للاستفادة من اعادة الاعمار هذه.
بالفعل الدعم الدولي بدأ يحدث فرقا في كل ارجاء البلاد.
فلقد استفاد منذ 2013 وحتى اليوم اكثر من مليون شخص من برنامج دعم المجتمعات المضيفة الذي يقوم به برنامج الامم المتحدة الانمائي بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية ويسمح للبلديات بتحديد أولوياتها. في طرابلس يستفيد 173 الف شخص من خدمات اجتماعية وامنية أفضل ومن مساحات عامة بما في ذلك حديقة أعيد تأهيلها ويستفيد منها الف شخص. في صيدا، يتمتع 23 الف شخص بالكورنيش المضاء بواسطة الطاقة الشمسية وفي عيتنيت (البقاع) تؤمن منشأة معالجة المياه الآسنة المُعاد تأهيلها مياه نظيفة لأكثر من 15 ألف شخص.
انها بعض الأمثلة فقط من 229 بلدية تلقت المساعدة، هذا فضلا عن 70 ألف أسرة لبنانية فقيرة استفادت من المساعدات النقدية لمواجهة فصل الشتاء عبر البرنامج الوطني لاستهداف الأسر الاكثر فقرا بالاضافة الى 28 الف لبناني يتلقون مساعدات غذائية شهرية.
وبموازاة ذلك أطلقت وزارة التربية والتعليم العالي حملتها للالتحاق بالمدارس الرسمية مجانا لكل الاطفال للعام الثاني على التوالي في مبان مدرسية أعيد تأهيلها وتدرّس مناهج دراسية جرى تحسينها.
أما الهدف الأخير لمؤتمر لندن فكان تعزيز الاقتصاد عبر دعم الاعمال الصغيرة والمتوسطة وخلق فرص عمل وتحسين البنية التحتية. لقد وافقت الحكومة على مشاريع من شأنها ان تحرّك الاقتصاد وتعزز مكانة لبنان المستقبلية بما في ذلك توفير طرقات أفضل وأسرع تربط مدن لبنان الرئيسية وتأمين مرفأ أفضل لطرابلس. وهذه المشاريع تنتظر التنفيذ بفضل قروض بكلفة قليلة من قبل البنك الدولي مُنحت استثنائيا للبنان.
لكن احراز المزيد من التقدم يبقى رهنا بتشغيل مؤسسات الدولة فالمشاريع الكبرى تحتاج الى موافقة الحكومة والقروض الجديدة تتطلّب موافقة مجلس النواب والمقاربات السياسية الجديدة تقتضي توفر وزارء من أصحاب الرؤية يمكنهم ان يتولوا فتح الطريق باتجاه تحقيق نتائج أفضل للجميع.
لتحقيق كل ذلك لا بد من التأكد من وجود الاطار التنظيمي المطلوب لضمان استفادة اللاجئين من الدعم المقدم لهم سواء في مجال التعليم او الرعاية الصحية. حاليا يتعذّر على 50 الى 70% من اللاجئين تأمين احتياجاتهم الاساسية وهم يعانون لاعالة أسرهم. وبما ان مبادرة “لا لضياع جيل” تقر بأن لبنان لا يمكنه ان يتحمل بقاء لاجئين يائسين على ارضه فالحل الأنسب لارساء اسس مجتمع منسجم وتوفير مستقبل أفضل للبنانيين والسوريين على حد سواء يكمن في اعطاء الأمل للاجئين.
المهمة لم تستكمل بعد لا من جانب الحكومة ولا من جانب الدول المانحة. ان الاطراف التي شاركت في استضافة مؤتمر لندن تنفق 550 مليون دولار هذا العام في مجال المساعدات الانسانية والتنموية للبنان. لكن بعض الجهات الاخرى لم تعلن بعد كم تعتزم تقديمه من مساعدات وهي مدعوة للقيام بذلك لكي تسمح للحكومة والمنظمات غير الحكومية التخطيط.
صحيح ان لبنان يواجه الكثير من التحديات لكن صحيح ايضا ان لديه الكثير من الاصدقاء. ونحن اليوم كجهات مانحة نجدد التزامنا الاستمرار بدعم لبنان للتصدي لهذه الازمة وتقديم الافضل لشعبه.