مارلين خليفة- “مصدر دبلوماسي”:
شكّلت زيارة ولي عهد ابو ظبي ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الشيخ محمّد بن زايد آل نهيان الى حاضرة الفاتيكان علامة مضيئة جديدة في العلاقات المسيحية الإسلامية، وقد أدرج الشيخ محمد الزيارة في إطار “الدعوة للتصدي لمحاولات تشويه الأديان والتحريض على الكراهية الدينية”.
وقد التقى ولي العهد الإماراتي البابا فرنسيس (الخميس 15 أيلول الجاري) لأكثر من 40 دقيقة في سابقة في تاريخ الزيارات بحيث لا يتعدى اللقاء مع البابا عادة أكثر من 20 دقيقة، وذلك في “لفتة احترام وتقدير من قداسة الحبر الأعظم للدور الذي تضطلع به دولة الإمارات العربية المتحدة على صعيد نشر قيم التسامح والإعتدال ونظرا الى الحرية التي تمنحها للمسيحيين المقيمين فيها لجهة ممارسة شعائرهم الدينية بحرية”، كما يقول لـ”مصدر دبلوماسي” أستاذ مادة العلاقات الدولية في جامعة الحكمة ومسؤول أنشطة الفاتيكان في لبنان الأب جان هاشم. ويشير الأب هاشم الى أن الزيارة “هي دليل إضافي على متانة العلاقات بين الإمارات والفاتيكان اللذان يقيمان علاقات دبلوماسية كاملة”.
ويقول هاشم الذي شغل سابقا مركز مدير “إذاعة الفاتيكان” بأن ” الإستقبال ذي الحفاوة الفاتيكانية اللافتة لولي عهد أبو ظبي يظهر الكثير من التقدير لهذه الدولة التي أتاحت للمسيحيين الحرية في ممارسة الشعائر الدينية وبناء الكنائس”. ولفت الى أن الزيارة التي التقى فيها ولي العهد أيضا أمين سرّ دولة الفاتيكان (أي رئيس الحكومة) الكاردينال بييترو باروليني شهدت توقيع ورقة تفاهم سمحت بموجبها دولة الإمارات العربية المتحدة للأشخاص الذين يحملون جوازات عمل من الفاتيكان وجوازات دبلوماسية بالسفر الى الإمارات بلا تأشيرات دخول، ويلفت الى أن هذه التسهيلات جاءت من جهة دولة الإمارات وسيستفيد منها العاملون الرسميون في الفاتيكان بالإضافة الى الدبلوماسيين الفاتيكانيين ويبلغ عددهم حوالي الـ600 شخص في حين أن الإماراتيين لا يستفيدوا من هذا الإتفاق لأنه لا يوجد مطار دولي في الفاتيكان، لكن ثمة اتفاقية مماثلة بين الإمارات والدولة الإيطالية وقد تكون هذه الإتفاقية جزء من الإتفاق الفاتيكاني الإيطالي الذي أرسى علاقات تعاون بين البلدين منذ عام 1926″. يضيف الأب هاشم:” وهذا الإعفاء يشير الى لفتة مميزة من قيادة الإمارات تجاه دولة الفاتيكان، وقد بارك البابا فرنسيس هذا الإتفاق الذي وقعه وزير الخارجية والتعاون الدولي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان ونظيره الفاتيكاني بول ريتشارد غالاغير”.
ويقول الأب هاشم بأن” البحث تمحور في هذه الزيارة على دور المسيحيين في الشرق، وشدد الطرفان الفاتيكاني والإماراتي على رفض الأصولية التي طالما ندّد بها البابا فرنسيس، وقد اثنى قداسته بحسب بيان رسمي على استقبال الإمارات للمسيحيين الذين يشكلون حوالي الـ50 في المئة من الوافدين إليها للعمل وهم يتمتعون بحرية تامة في ممارسة الشعائر الدينية”.
بدر: لتعميم النموذج الإماراتي على بقية الدول
من جهته، قال مدير المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن الأب رفعت بدر لـ”مصدر دبلوماسي”:” قد تكون هذه الزيارة هي أرفع زيارة إماراتية الى الفاتيكان يقوم بها مسؤول من مستوى ولي عهد أبو ظبي منذ نشوء الدولة”. يضيف:” تكتسب هذه الزيارة أهمية كبرى نظرا الى خصوصية العلاقة بين البلدين اللذين أرسيا علاقات دبلوماسية رسمية منذ عام 2007، وطالما اتسمت العلاقة بينهما بالصداقة المتبادلة، ويوجد الآن أسقف كاثوليكي يشرف على منطقة الجزيرة العربية ومقرّه في أبو ظبي هو بول هندر وقد كان موجودا قبل إرساء العلاقات الدبلوماسية. ويقيم الأسقف في الكويت ويشرف على مجمل الجزيرة العربية التي تتمتع دول بارزة فيها هي الإمارات والبحرين والكويت وقطر بعلاقات دبلوماسية مع الفاتيكان”. ويشير الأب بدر الى أن ” واقع الإمارات إستدعى مرارا إشادة بها كدولة تحترم حرية العبادة، وقد أنشئت فيها الكنائس بلا عوائق، بل إن الدولة ذاتها بادرت الى تقديم الأراضي لبناء دور العبادة، وثمة مجمّع للكنائس في دبي وآخر في أبو ظبي يتيح لكل الطوائف ممارسة شعائرها الدينية وخصوصا أيام الآحاد وفي خضم الأسبوع أيضا. الى ذلك فثمة مدارس مسيحية تعمل بحرية ولها سمعة طيبة في الإمارات وبالتالي ثمة حضور مؤسساتي كاثوليكي محترم، كذلك كانت الإمارات العربية المتحدة سباقة في سنّ قانون تجريم الإساءة الى الأديان في العام الفائت، وباعتقادنا أنه يجب تعميمه على دول عدّة. كذلك كانت الإمارات سباقة في إنشاء “وزارة التسامح” وهذه مبادرة فريدة من نوعها في عالمنا العربي”. ويشير الأب بدر الى ما نشر في الصحف الإماراتية والفاتيكانية عما دار بين قداسة البابا والشيخ محمّد من حوار حول “تعزيز العلاقات المسيحية الإسلامية بما يفيد كرامة الإنسان ويخدم حياته المقدسة. وكان تأكيد من الطرفين بأن العنف المرتكب في عدد من الدول مدان من قبل الشعوب قاطبة”. ويلفت الأب بدر الى أن الزيارة “أعادت تجديد الدعوة الى عقد مؤتمر دولي للسلام والعمل على مكافحة الفقر والتطرف والإرهاب وكانت هذه الفكرة صدرت سابقا بعد لقاء شيخ الأزهر أثناء زيارته الأخيرة الى الفاتيكان”.
وبالنسبة الى زيارة البابا فرنسيس الى الإمارات يشير الأب بدر الى “أن الحديث عن هذه الزيارة جاء أثناء دعوة وزيرة التسامح الإماراتية الشيخة لبنى القاسمي للبابا للقيام بهذه الزيارة وقد رشحت أخبار في بعض الصحف الإماراتية عن نية البابا القيام بهذه الزيارة لكن لم يحدّد موعدها بعد، وإن حصلت هذه الزيارة ستكون تمتينا جديدا للعلاقات النموذجية بين الفاتيكان والإمارات”.
السبايلة: تسامح بلا استعراض
من جهته يقول الباحث الإستراتيجي الأردني والكاتب في عدة صحف إيطالية الدكتور عامر السبايلةبأن الزيارة” هي تأكيد من الإمارات بأنها بلد يرفع قيم التسامح ويتخذ موقفا من التشدد والمغالاة وهو على مسافة واحدة من الجميع وأنه بوتقة للتعددية، والزيارة رسالة مهمّة يوجهها الشيخ محمد بن زايد في زيارته الى الفاتيكان بعد خطوات سابقة عدّة مثل إنشاء معبد هندوسي في الإمارات ووجود 40 كنيسة شيدت منذ عام 1971 الى اليوم من دون أي استعراض، فالإماراتيون يبنون بنية طبيعية لفكرة التعايش الديني والحرية الدينية وقبول الآخر واحترامه”.
تغطية صحافية مميزة
نالت زيارة ولي عهد أبو ظبي تغطية بارزة في الصحف الإماراتية بحيث أفردت لها صحيفة “الإتحاد” على سبيل المثال لا الحصر عددا كبيرا من صفحاتها، وأسهب مسؤولون وكتاب عدّة بقراءة معانيها.
وكتب وزير الخارجية والتعاون الدولي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان مقالا لشبكة “سي ان أن” قال فيه بأن ” زيارة صاحب السمو الشيخ محمّد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلّحة للفاتيكان ولقائه قداسة البابا فرنسيس تعد من أعلى الزيارات على مستوى دول الخليج للفاتيكان، وتؤكد على أهمية الحوار البنّاء بين البشر من جميع الأديان حيث من الضروري أن نغتنم كلّ فرصة لإظهار جبهة موحّدة ضدّ كلّ أشكال التعصب”.
وعبّر شيخ الأزهر الشريف رئيس مجلس الحكماء المسلمين عبر صفحة “الأزهر” على شبكة “تويتر” عن “تقديره للقاء الذي جمع بين صاحب السمو الشيخ محمّد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلّحة والبابا فرنسيس بابا الفاتيكان، مؤكدا أن هذا اللقاء يعزز من جهود نشر التسامح والعمل المشترك بهدف تحقيق السلام للبشر جميعا، وقال أنه لا بدّ من تكثيف الجهود المشتركة من أجل تحقيق التقارب بين الشرق والغرب وبناء جسور التفاهم”.
من جهته، قال الشيخ علي بن السيد عبد الرحمن الهاشمي وهو المستشار الديني في وزارة شؤون الرئاسة في حديث صحافي بأن “زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زياد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلّحة الى دولة الفاتيكان تعدّ تجسيدا واضحا لرؤية قيادة الدولة الحريصة على تعزيز أواصر التسامح والتعايش التي حثّ عليها الدين الإسلامي، والتي تعدّ استمرارا للنهج القويم الذي نشأت عليه الإمارات منذ عهد الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيّب الله ثراه”.
وقد أوردت مجلّة
The national Catholic Register
بأنّ البابا فرنسيس إستقبل وفدا هو الأرفع من دولة عربية خليجية، ولفتت الى أن البابا وافق على دعوة لزيارة الإمارات العربية المتحدة إلا أنه لم يحدد موعد الزيارة بعد. ولفتت الى أن وزيرة التسامح الإماراتية الشيخة لبنى القاسمي كانت وجهت في حزيران الفائت دعوة رسمية لقداسة البابا لزيارة بلدها. وشهدت الزيارة عدا عن الحفاوة التي استقبل بها الشيخ محمّد ولقائه مع قداسة الحبر الأعظم ثمّ مع أمين سرّ دولة الفاتيكان بييترو بارولين توقيع اتفاقية اعفاء متبادلة من تأشيرات الدخول بين الإمارات العربية المتحدة والفاتيكان وذلك للدبلوماسيين والفئات الخاصّة.
ونالت الزيارة التاريخية إضاءة من الصحف الإيطالية والغربية وكتب موقع شبكة “سي أن أن” بأنّ ” استقبال البابا فرنسيس لولي عهد أبو ظبي إستثنائي وقد رافق ولي عهد أبو ظبي وفد هو رسمي هو الأرفع من دولة خليجية تزور الفاتيكان”. وأضاف موقع “سي أن أن” بأنّ ” الزيارة تأتي في توقيت نحن أحوج فيه الى الحوار بين الشعوب وبين جميع الأديان، وشكلت مناسبة لإظهار الجبهة الموحّدة ضدّ اشكال التطرّف كلّها”.
وتضيف الشبكة بأنّ ” دعوات البابا فرنسيس الى جميع زعماء الأديان لكي ينبذوا التطرّف لاقت صدى لدى القيادة الإماراتية لأن لسان حال هذه الدولة الخليجية هو نبذ إيديولوجية وأعمال التطرف وتبيان بأنها لا تمثل روحية الدين الإسلامي وهي تعمل لإبراز هذا الأمر على المستويات كلّها”. من جهتها ذكّرت وسائل إعلام رافقت الزيارة بكلمات للبابا فرنسيس أشار فيها الى أنه “من الظلم إقامة التماهي بين الإسلام والعنف فليس جميع المسلمين عنيفين”. وذكرت بأن قداسة البابا إستقبل في ايار الماضي شيخ الأزهر أحمد الطيّب ووصف البابا اللقاء قائلا:” إن لقاءنا هو رسالة”. وكان البابا فرنسيس قد أمر منذ منذ أشهر بإيواء عشرات العائلات اللاجئة السورية في الفاتيكان مانعا ترحيلها داعيا الى نشر قيم التسامح والمحبة تجاه اللاجئين ونبذ الإسلاموفوبيا التي تطاول المسلمين وإعلاء حوار الحضارات مناديا ببناء الجسور بين الديانات.