شروط المنطقة الآمنة غير متوافرة
مارلين خليفة- “مصدر دبلوماسي”
يتابع منسّق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة فيليب لازاريني عمل 24 وكالة إنسانية تابعة للمنظّمة الدولية في لبنان، بينها 7 وكالات تعنى بشؤون اللاجئين. يعتبر لازاريني الذي يشغل أيضا مركز نائب منسّق الأمين العام للأمم المتحدة شخصية رئيسية في إدارة ملفّ النازحين السوريين في لبنان، وقد قام بمبادرات عدّة لدى المسؤولين اللبنانيين أثارت تساؤلات منها على سبيل المثال إقتراحه منح إقامات للنازحين وتزويدهم برخص عمل.
وإذا كانت الأمم المتحدة تعمل في لبنان منذ أعوام عدّة فإنها المرّة الأولى التي تثير بعملها بضع شكوك وخصوصا بعد التقرير الذي سيرفعه أمينها العام بان كي مون في 19 الجاري الى المؤتمر الخاص باللجوء الذي دعا اليه في نيويورك على هامش أعمال الجمعية العامّة للأمم المتّحدة والذي زاد منسوب القلق اللبناني وخصوصا لجهة دعوته (بحسب ما سرّب منه) الى دمج اللاجئين في المجتمعات المحلية.
قبيل أيام من انعقاد المؤتمر الدولي الذي سيعقبه في الـ20 من الجاري مؤتمر ثان دعا إليه الرئيس الأميركي باراك أوباما تحدّث لازاريني الى “مصدر دبلوماسي” مجيبا عن مختلف الهواجس المطروحة لبنانيا.
يقول لازاريني بأن المخطط الأول للأمم المتحدة في ملف النزوح ” هو التوصل الى حلّ سياسي نهائي وخصوصا مع وجود حوالي 7 ملايين سوري مهجّرين داخل سوريا وحوالي الـ 4 ملايين خارجها موزعين خصوصا على الأردن ولبنان وتركيا، ويعتبر لبنان البلد الأكثر تأثرا نظرا للأعداد الضخمة التي يستضيفها (تقدرها الأمم المتحدة التي أوقفت تسجيل النازحين في 2014 بناء على طلب الدولة اللبنانية بحوالي المليون والـ400 ألف نازح) وقد زاد النزوح عدد السكان بنسبة تصل الى 40 في المئة”.
لبنان ليس بلدا لإعادة الإندماج ولا لإعادة التوطين
يشرح لازاريني اللغط الذي أثاره تقرير الأمين العام للأمم المتحدة حول مسألة اللجوء العالمية، فيقول لـ”مصدر دبلوماسي”: ” ينبغي الإيضاح أولا بأن لبنان ليس بلدا لإعادة إندماج اللاجئين، فأي إعادة إندماج ستكون عبر بلد ثالث في أوروبا أو كندا أو أميركا أو الدول الخليجية لكن ليس في بلدان الجوار”.
يضيف لازاريني:” بعد الزيارة التي قام بها أمين عام الأمم المتّحدة بان كي مون الى لبنان هيّأ تقريرا أرسله الى الجمعية العامّة للأمم المتحدة تمهيدا للمؤتمر الذي سينعقد في 19 الجاري، ولم يكن هذا التقرير يتعلق بلبنان بل بمسألة الهجرة واللجوء حول العالم. وقد أعادت الأمم المتحدة التأكيد على 3 حلول لمسألة اللجوء: وجوب الحل السياسي الذي يوفّر عودة آمنة وطوعية تحفظ كرامة اللاجئ العائد، وجوب التضامن الدولي ووضع كوتا دولية لإعادة توطين اللاجئين في بلدان ثالثة، والدمج المحلي.
ولعلّ النقطة الثالثة التي أثارت حفيظة البعض في لبنان هي التي يجب شرحها، فإعادة الدمج المحلي هي قرار سيادي لكل بلد ولا يمكن فرضها على أحد. لقد كان لبنان واضحا في هذا الإطار وقال ألا إمكانية للدمج فيه نظرا الى تركيبته المتنوعة طائفيا وللديموغرافيا الدقيقة. وبالتالي ليس من مؤامرة دولية تحاك على لبنان، وليس من أجندة سرية تخفيها الأمم المتحدة التي تريد دعم لبنان ومساعدته لتحمّل هذا العبء الموجود في غياب أي حل سياسي للأزمة السورية، وفي غياب أي إعادة توطين في بلد ثالث. جلّ ما تفعله الأمم المتحدة هو محاولة دعم البلد والمجتمعات المضيفة لتحمّل أعباء اللجوء كي لا يصبح الوضع أشدّ رداءة.
ولماذا لا تشجّع الأمم المتحدة عودة اللاجئين السوريين الى المناطق الآمنة في داخل سوريا؟
يقول لازاريني:” ثمة حرب قائمة في سوريا ولا حل سياسيا نهائيا لغاية اليوم يحمي الناس، وبالتالي لا يمكن دعوة الناس للعودة دون أن نكون متأكدين من متانة الوضع الأمني السائد فتكون العودة آمنة. تعني المناطق الآمنة تلك التي وافق جميع الأفرقاء على اعتبارها كذلك، وإلتزامهم بعدم التعرض لها، إذا لم يحصل ذلك فلا يمكن اعتبار أية منطقة آمنة. آخر ما خبره المجتمع الدولي كان إبان حرب البوسنة والهرسك حيث تمّ تعيين منطقة آمنة انتهت بمجزرة مريعة عام 1995، وما حدث لم يعد يفتح شهية المجتمع الدولي على هذا الحلّ، وبغياب حل سياسي نهائي في سوريا من الصعب القبول بهذا الأمر.
وهل تشجع الأمم المتحدة الحكومة اللبنانية على التنسيق مع النظام السوري في موضوع اللجوء؟
يقول لازاريني:” ليس لي أن أبدي رأيا في هذا الموضوع، وقد اعتمد لبنان سياسة النأي بالنفس. ما أستطيع قوله أن لبنان الرسمي التزم عبر حكومته بعدم إعادة اللاجئين بالقوة. التزمت الحكومة اللبنانية بروحية وثيقة جنيف للجوء (عام 1951) بالرغم من أنها لم توقعها وهو التزام إنساني وأخلاقي”.
وعن وجود نسبة عالية من النازحين الذين يعيشون في لبنان لأسباب إقتصادية ليس بسبب الحرب يقول لازاريني:” لا أعتقد أن هذا العدد الكبير نزح بهدف العمل بل هربا من الحرب الدائرة، وبالتالي فإن شروط العودة غير متوافرة لغاية اليوم. فلا منطقة آمنة لغاية الآن في سوريا. تعني المنطقة الآمنة تلك المحمية باتفاق التزم به جميع الأفرقاء وتكون نتيجة مفاوضات سياسية ولغاية الآن ليس من منطقة تتوافر فيها هذه الشروط، وحتى ذلك الحين يجب التركيز على الحلّ السياسي وعلى دعم المجتمعات المضيفة لتحمل الوضع وكذلك على تشجيع التضامن الدولي.
ولم لا تحمي الأمم المتحدة مناطق داخل الأراضي السورية يعود اليها النازحون؟
يقول لازاريني: “إن نشر قوات دولية يحتاج الى قرار بالإجماع من مجلس الأمن الدولي، ولغاية الآن قليلة هي المواضيع التي أجمع عليها أعضاء مجلس الأمن الدائمين.
وماذا سيصدر عن مؤتمر 19 الجاري؟
يجيب لازاريني:” هذا المؤتمر هو ذي طابع عالمي، سيتناول قضايا اللجوء والهجرة التي تفاقمت بشكل غير مسبوق منذ الحرب العالمية الثانية. نتوقع أن يعيد المؤتمر التأكيد على التضامن الدّولي وعلى إحترام القانون الدولي الإنساني، وأهمية دعم المجتمعات المضيفة وتقويتها. وأكرر أن المؤتمر لا يختص بلبنان”.
يضيف لازاريني:” في شباط الفائت نظّم الأمين العام للأمم المتحدة مؤتمرا يقترح إعادة توطين 10 في المئة من اللاجئين السوريين لكنّ لم نستطع إلا التوصل الى نسبة 5 في المئة فحسب”. ويوضح:” لا شيء ملزما سيصدر عن المؤتمر بل ثمة إعادة تأكيد على إلتزام المجتمع الدولي بهذه المسألة. وأكرر لن تكون إعادة توطين في لبنان، وليس للأمم المتحدة أية أجندة سرية، أما إعادة الدمج المحلي فقد كان لبنان واضحا إزاء عدم قدرته على ذلك وهذا القرار سيادي تتخذه الحكومة ولا أحد قادر على فرضه عليها”.
لكن الإندماج المحلي يحصل بطرق غير مباشرة وعبر الإلتفاف على قرار الحكومة من خلال اقتراحات منح الإقامات ورخص العمل؟
يجيب لازاريني:” لا أوافق على هذا الرأي، لم تطلب الأمم المتحدة سوى تأمين عمل ضمن القانون اللبناني لتوفير حياة لائقة وكريمة لهؤلاء ضمن أماكن نزوحهم. بالنسبة الى الإقامات فثمة 30 في المئة فقط من اللاجئين لديهم إقامات وإذا ألغيت الرسوم المفروضة وهي 200 دولار أميركي كل ستة أشهر فإن عدد الإقامات سيزيد وتلغى حينها صفة لاجئ غير شرعي عن العديد من اللاجئين الى لبنان، هذا يتيح للدولة اللبنانية معرفة أماكن تواجدهم وتنقلاتهم ويصبح لديها قدرة اكبر على رصدهم وتوقيف أي شخص قد يشكّل خطرا أمنيا، هذه خطوة تنظيمية وليست بهدف الإندماج المحلي.
وماذا عن تزويد النازحين برخص عمل؟
يقول لازاريني: “نركز في أحاديثنا مع السلطات اللبنانية على المكتسبات التي سيجنيها الإقتصاد اللبناني من خلال خلق فرص عمل في بعض القطاعات التي تستخدم أصلا عمالا سوريين كما قطاعات الزراعة والبناء والخدمات. وأعتقد أن الأهم من رخص العمل هو إلغاء الرسوم على الإقامات وهذا أمر أثرته مع وزير الداخلية والبلديات وقد قامت به الحكومة اللبنانية مرّة وبالتالي نحن لا نطلب أمرا جديدا وقد وافق وزير الداخلية على المبدأ لكن لم يتمّ تفعيل طلبنا لغاية الآن.