“مصدر دبلوماسي”
أصدرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الخميس 15 أيلول تقريراً يظهر أن أكثر من الأطفال ممن هم في سن الدراسة والبالغ عددهم ستة ملايين والذين ينضوون تحت ولايتها – أي 3.7 مليون طفل- لا يرتادون المدارس.
وأشار التقرير الى وجود 1.75 مليون طفل لاجئ لا يذهبون إلى المدرسة الابتدائية إضافة إلى 1.95 مليون لاجئ في سن المراهقة لا يذهبون إلى المدرسة الثانوية. وقد ازدادت أرجحية عدم ذهاب اللاجئين إلى المدرسة خمس مرات عن المعدل العالمي.
وقال فيليبو غراندي، المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين: “يشكل ذلك أزمة لملايين الأطفال اللاجئين. فتعليم اللاجئين مهمَل بشكل كبير، في حين أنه واحد من الفرص القليلة التي نملكها لتحويل وبناء الجيل التالي ليتمكن من تغيير حظوظ عشرات ملايين المهجرين قسراً حول العالم”.
ويقارن التقرير بيانات المفوضية بشأن تعليم اللاجئين مع بيانات اليونسكو بشأن الالتحاق بالمدارس في العالم. ويحصل 50 في المئة فقط من الأطفال اللاجئين على التعليم الابتدائي مقارنةً بالمعدل العالمي الذي يتخطى 90 في المئة ومع تقدّم هؤلاء الأطفال في العمر، تتحول الفجوة إلى هوّة: إذ أن 22 في المئة من المراهقين اللاجئين يذهبون إلى المدرسة الثانوية مقارنةً بمعدل عالمي يبلغ 84 في المئة وعلى مستوى التعليم العالي، يذهب 1 في المئة فقط من اللاجئين إلى الجامعة مقارنةً بمعدل عالمي يبلغ 34 في المئة.
وصدر التقرير قبل اجتماع قادة العالم في 19-20 أيلول في قمة الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن اللاجئين والمهاجرين وقمة القادة بشأن أزمة اللاجئين العالمية التي يستضيفها رئيس الولايات المتحدة. وتدعو المفوضية في القمتين الحكومات والجهات المانحة والوكالات الإنسانية والشركاء الإنمائيين فضلاً عن الشركاء من القطاع الخاص إلى تعزيز التزامهم لضمان حصول كل طفل على التعليم ذي الجودة. وستقوم المناقشات على الهدف 4 من أهداف التنمية المستدامة وهو “ضمان التعليم الجيد المنصف والشامل للجميع وتعزيز فرص التعليم مدى الحياة للجميع” والذي لن يتحقق بحلول عام 2030 دون تلبية الاحتياجات على صعيد التعليم للسكان الضعفاء، بما في ذلك اللاجئين والأشخاص النازحين قسراً.
وقال غراندي: “بما أن المجتمع الدولي ينظر في كيفية التعامل بأفضل طريقة مع أزمة اللاجئين، من المهم أن نفكر بما هو أبعد من البقاء على قيد الحياة. فالتعليم يمكّن اللاجئين من التخطيط إيجابياً للمستقبل في بلد لجوئهم وبلدهم الأم عندما يعودون يوماً ما إلى وطنهم”.
وفي حين يسلط التقرير الضوء على التقدمّ الذي أحرزته الحكومات والمفوضية والشركاء في تسجيل أعداد أكبر من اللاجئين في المدرسة، إلا أن ارتفاع أعداد اللاجئين يشكل الصعوبة الكبرى. وفي حين أن العدد العالمي للاجئين في سن الدراسة كان مستقراً نسبياً عند 3.5 مليون خلال الأعوام العشرة الأولى من القرن الـ21، إلا أنه ارتفع بمعدل 600,000 طفل ومراهق سنوياً منذ عام 2011. وفي عام 2014 وحده، ارتفعت نسبة السكان اللاجئين في سن الدراسة بحوالي 30%. وعلى هذه الوتيرة من النمو، تقدر المفوضية بأنه ثمة حاجة لـ12,000 صف إضافي و20,000 معلمة إضافية على الأقل سنوياً.
وغالباً ما يعيش اللاجئون في مناطق تعاني فيها الحكومات أصلاً لتعليم الأطفال من المواطنين؛ فيواجهون الصعوبة الإضافية بإيجاد المدارس والمعلمين المدربين والمواد التعليمية لعشرات أو حتى مئات آلاف القادمين الجدد، الذين لا يتحدثون غالباً لغة التعليم المستخدمة والذين فاتهم في الكثير من الأحيان ثلاثة إلى أربعة أعوام من التعليم. ويعيش أكثر من نصف الأطفال والمراهقين في سن الدراسة في العالم في سبعة بلدان فقط وهي: تشاد وجمهورية الكونغو الديمقراطية وإثيوبيا وكينيا ولبنان وباكستان وتركيا.
ويأخذ التقرير سوريا كمثال، ليبين كيف أن الصراع قادر على عكس اتجاهات التعليم الإيجابية. ففي حين أنه، وفي عام 2009، كان 94 في المئة من الأطفال السوريين يذهبون إلى المدراس الابتدائية والثانوية، فقد انخفضت نسبتهم في يونيو 2016 إلى 60 في المئة فقط، فبقي 2.1 مليون طفل ومراهق من دون إمكانية الحصول على التعليم في سوريا. وفي البلدان المجاورة، سُجل أكثر من 4.8 مليون لاجئ سوري لدى المفوضية، من بينهم حوالي 35 في المئة في سن الدراسة. أما في تركيا، فقد سُجل 39 في المئة فقط من الأطفال والمراهقين اللاجئين في سن الدراسة، في التعليم الابتدائي والثانوي، و40 في المئة في لبنان و70 في المئة في الأردن. وهذا يعني أن حوالي 900,000 طفل ومراهق لاجئ سوري في سن الدراسة هم خارج المدرسة.
وفي شباط الفائت وخلال مؤتمر دعم سوريا والمنطقة المنعقد في لندن، التزمت الجهات المانحة بخطة للوصول إلى 1.7 مليون لاجئ سوري وإلى أطفال وشبان متأثرين في المجتمعات المستضيفة في لبنان والأردن ومصر والعراق وتركيا و2.1 مليون طفل خارج المدرسة في سوريا. وقبل بداية العام الدراسي الجديد في سبتمبر، يُعتبر العمل الذي تقوم به الحكومات المضيفة هائلاً مع تعزيز الأردن ولبنان لنظام الدوامين في مدارسهما، وتسجيل 90 في المئة من الأطفال اللاجئين السوريين في المدرسة في مصر، وقيام تركيا بمضاعفة جهودها للتشجيع على التسجيل. ولكن لم يتم الالتزام بشكل كامل بتعهدات التمويل المقدمة في هذا المؤتمر، الأمر الذي يهدد بإعاقة هذا التقدم بعض الشيء.
وقال غراندي: “يشير التقدم الملحوظ في مصر والأردن ولبنان وتركيا إلى إمكانية تحسين الآفاق التعليمية للاجئين، ولكن ذلك سيكون ممكناً فقط إذا استثمر فيه المجتمع الدولي”. وأضاف: “تعتبر جمهورية إيران الإسلامية وتشاد أمثلة جيدة على الحكومات التي تتبع سياسات تشجع بشكل فاعل التحاق الأطفال اللاجئين في المدارس المحلية”.
ويتناول التقرير أيضاً بعض أوضاع اللجوء التي طال أمدها والتي تلاقي اهتماماً أقل، ويتضمن قصة مؤثرة عن فتاة شابة من جنوب السودان، تُدعى إيستر، تعيش في مخيم كاكوما في شمال كينيا، وقد فوتت أعواماً من التعليم قبل أن تتمكن من بلوغ العام الأخير في المدرسة الثانوية. هناك 3 في المئة فقط من الأطفال في مخيم كاكوما مسجلون في المدرسة الثانوية، وأقل من 1 في المئة يصلون إلى التعليم العالي.
ويدعو التقرير الحكومات إلى إعطاء الأولوية للإدماج الفعال للأطفال اللاجئين في الأنظمة المحلية وخطط قطاع التعليم المتعددة الأعوام. وفي تشاد، دعم التحول الأخير لجميع المدارس للنظام الوطني كلاً من الأطفال اللاجئين وأطفال المجتمع المضيف. ولكن النقص في التمويل يؤدي إلى الاكتظاظ في الصفوف وإلى عدم توفر الموارد الكافية فيها.
ونظراً إلى أن معدل فترة نزوح اللاجئين في الأوضاع التي يطول أمدها يبلغ حالياً 20 عاماً، يدعو التقرير الجهات المانحة للانتقال من نظام الطوارئ إلى التمويل المتعدد الأعوام والقابل للتوقع الذي يسمح بالتخطيط المستدام ووضع البرامج الجيدة وبالمراقبة السليمة لتعليم الأطفال والمراهقين من اللاجئين والمواطنين.
ويختتم التقرير بقصة ناوا الملهمة، وهي لاجئة صومالية بدأت تعليمها في الـ16 من العمر في مركز تعليم جماعي في ماليزيا. وبعد أربعة أعوام، من المقرر أن تبدأ دورة تأسيسية في الجامعة بينما تتطوع كمعلمة في مدرستها.
واختتم غراندي قائلاً: “قصة ناوا تثبت أن الأوان لا يفوت أبداً للاستثمار في تعليم اللاجئين. والاستثمار في تعليم لاجئ واحد يعني استفادة المجتمع بأكمله”.