يعيد “مصدر دبلوماسي” نشر هذا التقرير الذي نشره موقع “لبنان 24” اليوم في 16 آب على الرابط الآتي:
http://www.lebanon24.com/articles/1471330094286228800/
مارلين خليفة
تتسم العلاقات التركية-الإيراني بخصوصيّة تمليها الحدود المشتركة بين البلدين والتعاون التاريخي الإيجابي على مدى عقود ووجود “عدو” مشترك يتمثّل بالأكراد الموزّعين بين 4 بلدان هي تركيا إيران سوريا والعراق.
وكانت إيران البلد الأول الذي شجب محاولة الإنقلاب التي وقعت في 15 تموز الفائت ضدّ حكم الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان. وبعد زيارة الأخير الى مدينة بطرسبورغ الروسية ولقائه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، توجّه وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الى أنقرة في أول زيارة لمسؤول رفيع في المنطقة واجتمع مع أردوغان على مدى 3 ساعات. ووصف ظريف تركيا بأنها “دولة صديقة وشقيقة” وتمّ الإتفاق على عقد لقاء ثلاثي تركي إيراني وروسي.
لماذا هذا التشبّث الإيراني بالإستقرار التركي؟ وماذا تحاول طهران أن تكسب من أردوغان الذي لا يزال على موقفه المعلن إزاء الحرب السورية التي تعتبر طهران طرفا أساسيا فيها بدفاعها عن نظام الرئيس بشار الأسد في حين يدعو أردوغان الى إسقاطه؟
ما يحصل حاليا بحسب أوساط دبلوماسية مطلعة أن الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان لا يزال يستثمر الإنقلاب الفاشل لتوطيد علاقاته مع دول الجوار ومحاولة الحصول على مكاسب دون أن يغرق في الوعود، وبالتالي فإن الرئيس التركي الذي يوصف بـ”الداهية” لم يقدّم شيئا ملموسا بعد لا لروسيا ولا لإيران لكنّه يوجه رسائل “زكزكة” الى الولايات المتحدة الأميركية من دون أن يجرؤ على قطع الجسور معها محاولا الضغط عليها لتسليم غريمه فتح الله غولن الذي يتهمه بتدبير الإنقلاب الفاشل.
لغاية اليوم لم يقدّم أردوغان إجابات واضحة عن مدى تفاهمه مع الروس، ولم يقدّم إجابات حول تعامله مع الأكراد المدعومين أميركيا، ولم يجب الإيرانيين عن خطته البديلة في سوريا إن وجدت.
ولعلّ المشترك الجغرافي بين تركيا وإيران يملي على الأخيرة أن تحافظ على علاقات إيجابية مع الأتراك، “فتركيا بلد جار ومن مصلحة إيران أن يسود فيها الإستقرار والأمن” بحسب مصادر مطلعة على السياسة الإيرانية.
يرى الإيرانيون في “حزب العدالة والتنمية” الذي يتزعمه أردوغان حزبا إسلاميا ومن الواجب الشرعي الإسلامي دعمه.
وثمة قلق إيراني حقيقي من الأوضاع التي نشأت عقب الإنقلاب الفاشل، وخصوصا لجهة الإنشقاق الذي طاول هذه المرّة الجيش التركي حيث لأول مرّة يكون فيه جناح علماني وآخر إسلامي. وبحسب القراءات فإن سياسات أردوغان المستقبلية سوف تأخذ بالإعتبار هذا المعطى الجديد وستؤثر على مختلف الأجهزة التركية، وبناء على خطته للخروج من الأزمة الداخلية فإن من مصلحة أردوغان الحفاظ على سياسة خارجية متوازنة. وبالتالي فإن الإيرانيين لا يرون مشكلة مع تركيا حتى لو كان خلاف حول الملف السوري، فالحدود بين البلدين بقيت آمنة منذ أكثر من 300 سنة وهي ستبقى كذلك. ولا ينظر الإيرانيون بسطحية الى الحراك الكردي في إيران معتبرين هؤلاء “خصما مشتركا” بينهم وبين تركيا مع تأكيدهم بأن أكراد إيران يتمتعون بامتيازات غير موجودة في سوريا وتركيا وهم ليسوا “قومية مظلومة” بل إن انتماءهم لإيران كبير جدّا لكن ذلك لا يمنع الأيادي الخارجية من العبث بهذا المعطى. في المحصّلة: إن العلاقة الإيرانية التركية مرشحة لمزيد من التعاون لغاية الآن من غير إغفال عامل الصراع الفارسي العربي الذي تشكّل تركيا عامل توازن فيه لصالح إيران بالطبع.
مارلين خليفة