الفراغ الرئاسي اللبناني يقلق الرئيس السيسي
مارلين خليفة- “مصدر دبلوماسي”
سيشهد آب الحالي نشاطا دبلوماسيا مصريا عاديّا محوره الرئاسة اللبنانية يقوده سفير مصر في لبنان الدكتور محمّد بدر الدين زايد. بالرغم من أن الشغور الرئاسي لم يتح للسفير المصري تقديم أوراق اعتماده فبقي “سفيرا معينا” لعامين اثنين، فإن ذلك لن يثنيه عن الإستمرار في الحراك السياسي والدبلوماسي في الفترة المتبقية من ولايته في بيروت التي سيغادرها مطلع أيلول.
يقول السفير الدكتور زايد في حديث وداعي لـ”مصدر دبلوماسي”:
“يشعر الرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي بالقلق الشديد جرّاء استمرار الفراغ الرئاسي في لبنان، وهو أكد ذلك مرات عدّة وبشكل صريح”. يضيف: ” يرى الرئيس السيسي أنه يجب إبعاد لبنان عن الصراع الإقليمي، لأن إبقاء الوضع على ما هو عليه يشكل خطرا ليس على لبنان فحسب بل على المنطقة برمّتها”.
من هنا تلعب مصر ” دورا للتقريب في وجهات النظر بين جميع الأطراف اللبنانيين، وقد أجريت أخيرا سلسلة اتصالات كي لا يصل التوتر الى مرحلة خطرة وبغية المساعدة في التوصل الى تفاهمات وإنهاء الفراغ الرئاسي”.
يشير السفير الدكتور زايد:” لا يبدو أنّ ثمّة احتمال لأن ينتخب رئيس في الشهر الحالي وبالتالي حتّى لو تمّ ذلك فلن يتاح لي تقديم أوراق اعتمادي”.
في حواره، يقول السفير المصري الذي سينصرف فور عودته الى القاهرة الى الإنتاج الدبلوماسي الفكري بأن :” التأثير المصري تراجع في مرحلة الحرب الأهلية في لبنان بعد أن كان أكبر في أربعينيات وخمسينيات وستينيات القرن الفائت”، معتبرا بأن ” هذا التأثير يجب أن يعود لأنه مبني على عدة مبادئ وأهداف لا تتناقض مع المصالح اللبنانية بل تروم الحفاظ على لبنان ونموذجه كضرورة للنظام الإقليمي العربي”.
في ما يأتي نصّ الحوار:
“مصدر دبلوماسي:
أولت مصر أخيرا أهمية لمحاربة الإرهاب الذي أثر سلبا على قطاعها السياحي ماذا كانت استراتيجيتها في هذا المضمار وهل من تعاون مع الأجهزة الأمنية اللبنانية؟
زايد:
تراجع الإرهاب كثيرا في مصر، وثمة تعاون بين الأجهزة الأمنية في الأحوال كلّها، لكن لست أدري إن كان هذا التعاون كافيا أم لا. لكن في النهاية فإن مكافحة الإرهاب تقتضي أدوات عدّة أهمها تجديد الخطاب السياسي والديني وإضعاف الفكر المتطرف وتبادل المعلومات بين الأجهزة الأمنية. وقد ثبت بأن الإرهاب متصل ببعضه البعض. فأحد قيادات “الإخوان المسلمين” قال في ميدان رابعة أن عودة الرئيس (المخلوع) محمّد مرسي الى الحكم كافية لوقف الإرهاب في سيناء وهذا يدل على أن الإرهاب مترابط.
اعتمدت مصر القاعدة الآتية: لا بدّ من مواجهة من يحمل السلاح. ليس الشعب المصري بيئة حاضنة للإرهاب، وبعد المواجهة الأمنية المعطوفة على مواجهة الخطاب الديني المتطرّف تراجعت العمليات الإرهابية وهي أصلا كانت في مناطق محدودة جدّا في سيناء وهي باتت اليوم عمليات متقطعة ومتباعدة زمنيا.
“مصدر دبلوماسي”:
ماذا عن الكلام عن أن الإرهاب كان أيضا حجة لتوقيف الناشطين والمتظاهرين والصحافيين وإصدار أحكام قضائية قاسية بحقهم؟
زايد:
حصل عفو عن بعض هؤلاء وثمة أحكام قضائية غير نهائية في بعض الحالات، ثمة رغبة معبّر عنها في مجلس النواب من أجل مراجعة قانون التظاهر.
توقف السياحة الروسية ضربت النقد
“مصدر دبلوماسي”
مذا عن الوضع الإقتصادي والمالي وانخفاض قيمة الجنيه المصري ودخول صندوق النقد الدولي على خطّ الأزمة؟
زايد:
ثمة مشروعات كبرى لإصلاح الإقتصاد الوطني، على سبيل المثال تمّ حل مشكلة الكهرباء التي نشأت في أعوام الثورة وبات التيار موجودا 24 ساعة على 24
عبر مشروعات عملاقة للطاقة. وهنالك مشروع الضبعة النووي الذي سيكون من أكبر المحطات النووية وهو بالتعاون مع روسيّا.
إن مشكلة تراجع قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار مصدرها إنخفاض السياحة والعائد بالدولار بسبب الموقف الروسي المتخوّف من السياحة ( خصوصا بعد إسقاط الطائرة الروسية) وثمة إتصالات مع روسيا لزيادة معايير الأمن في المطارات. تنشأ هذه الحوادث في العالم أجمع وقد وقعت في فرنسا حوادث إرهابية أشدّ خطورة.
أمامنا حلانك إما أن نستجيب لهدف الإرهاب ونوقف نمط الحياة العادية والسياحة أو نتحداه وتستمر السياحة ونمط الحياة. إنخفاض السياحة في مصر هو نتيجة السياستين الروسية والبريطانية تحديدا وهي الآن محل مفاوضات قائمة ونحن على وشك أن نعثر على حلّ لهذه المشكلة، علما بأن فرنسا وإيطاليا لم توقفا السياحة.
“مصدر دبلوماسي”
لماذا دخل صندوق النقد الدولي على الخط؟
زايد:
لأنه ثمة حاجة في هذه المرحلة الى قرض لتعويض العجز في الدولار، وهذا أمر لم نكن نتمناه في مصر ولكننا اضطررنا إليه وهذه الحاجة ستنخفض بشدّة بمجرّد حلّ هذه الأمور.
العلاقات مع السعودية وروسيا وتركيا
“مصدر دبلوماسي”:
ماذا عن العلاقة مع السعودية والخليج؟ وخصوصا بعد تراجع المصريين عن الإتفاق حول جزيرتي تيران وصنافير؟
زايد:
لم يحدث تراجع. حصلت إعتراضات والبرلمان المصري قال أنه لن يناقش هذا الموضوع إلا بعد أن ينتهي قضائيا. رفع أحد المحامين دعوى بعدم قانونية الإتفاقية وحكم مجلس الدولة لصالحه، وثمة طعن حاليا بهذا الحكم. وبالتالي إن وجود الدعوى في القضاء أرجأ نظر البرلمان فيها وهي لم تلغ نهائيا.
إن العلاقة مع المملكة العربية السعودية هي علاقة وثيقة وثمة علاقات إستراتيجية بجميع الدول وخصوصا مع الإمارات العربية المتحدة حيث العلاقة متينة جدّا.
“مصدر دبلوماسي”
ماذا عن روسيا؟
زايد:
إكتسبت العلاقة مع روسيا زخما متجددا بعد 30 يونيو وعودة السلاح الروسي، روسيا هي التي ستنج بالمشروع النووي الأول المتمثل بأكبر محطّة نووية الضبعة في الساحل الشمالي على البحر الأبيض المتوسّط.
“مصدر دبلوماسي”
ألا يؤثر هذا التقارب مع روسيا على علاقة مصر مع الولايات المتحدة الأميركية؟
زايد:
تحتاج هذه النقطة الى توضيح، إن العلاقات مع روسيا لا تعني إلغاء العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية، ثمة توجه مصري تاريخي لإحداث توازن في التسليح وفي العلاقات الخارجية، وفي الوقت التي تستمر فيه المساعدات العسكرية الأميركية لمصر وهي مليار دولار سنويا للجيش المصري يستمر في الوقت عينه إستئناف العلاقات مع روسيا وتعميق العلاقات المصرية الروسية.
مصير الأسد لا يهمّ مصر
“مصدر دبلوماسي:
ماذا عن الملف السوري؟
زايد:
إن الأولوية في حالة سوريا هي في الحفاظ على كيان الدولة السورية وعدم تفتيت المؤسسات السورية حفاظا على مصالح الشعب السوري. مصر استضافت بعض إجتماعات المعارضة السورية وساعدت على إتمام أخرى وهي أسهمت في إدخال المساعدات الإنسانية الى مناطق محاصرة في سوريا. تبقى مصر على اتصال وثيق بكثير من الأطراف السورية من أجل مبدأ الحفاظ على وحدة سوريا. وقد دعمت مصر منذ أشهر عدّة التحرك الروسي لمواجهة العناصر المتطرفة.
“مصدر دبلوماسي”
كيف تنظر مصر الى مصير الرئيس السوري بشار الأسد؟
زايد:
لا تعتبر مصر هذا الموضوع هو القضية الرئيسية. بل إن القضية الرئيسية هي حماية سوريا.
“مصدر دبلوماسي”
هذا الموقف يتناقض مع السياسة السعودية والخليجية؟
زايد:
لم يكن منذ البداية تطابق تام في وجهات النظر بين الدول العربية في كيفية علاج الأزمة السورية، وبالتالي فإن الأطراف الأوروبية أيضا تراجع سياساتها وتعدّلها. وأغلبية الأطراف تعتبر اليوم بأن القضاء على “داعش” هو الأولوية. إن الخطر الذي تسببه “داعش” دوليا يجعل الجميع يعتبرها الخطر الأكبر.
تركيا
كيف ستتطور العلاق مع تركيا بعد محاولة الإنقلاب الفاشلة وبعد عرقلة مصر لإصدار مجلس الأمن الدولي بيان يدين الإنقلاب ضدّ الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان؟
زايد:
إن العلاقة مع تركيّا ليست في أفضل حالاتها بسبب الموقف التّركي الرافض لإرادة الشعب المصري بإطاحة حكم “الإخوان المسلمين”، لكنّ العلاقات بين الشعبين المصري والتركي مختلفة. نأمل أن تقوم تركيا بمراجعة موقفها وتقدير إرادة الشعب المصري، الى ذلك الحين لا يزال سحب السفراء قائما والعلاقة الدبلوماسية تقتصر على القائمين بالأعمال. إن مصر تحترم ما يريده الشعب التركي وهذا هو الفارق بين موقفنا وموقف تركيا.
لا تعديل في المبادرة العربية
“مصدر دبلوماسي”
ثمة دور فرنسي ناشط حاليا لإعادة إنعاش المبادرة العربية حول فلسطين المحتلة، هل من تحرّك مصري في هذا الإطار؟
زايد:
إن الرئيس السيسي أعلن منذ عدة أشهر ضرورة تحريك الموقف الفلسطيني مرة أخرى، ودعا الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي الى استئناف المفاوضات لتحقيق الهدف النهائي وهو قيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس. وحصلت لقاءات مستمرة بين الرئيس السيسي والرئيس أبو مازن (محمود عباس) ثم زيارة من وزير الخارجية سامح شكري الى عباس ثم زيارته الى إسرائيل. تعمل مصر مع الجانب الفرنسي لتحريك الموقف حول مبادرة السلام العربية ولا نيّة لدى مصر لتعديل هذه المبادرة.
مياه النيل وإثيوبيا…والغاز
“مصدر دبلوماسي”
ماذا عن مشروع “سدّ النهضة” الذي تقوم به إثيوبيا على النيل والذي من شأنه أن يخفض وصول المياه الى مصر؟
زايد:
هذا المووضع حيوي، والمفاوضات جارية مع إثيوبيا وتدور حول محور محدد، قالت مصر أن للسدّ أبعاد فنيّة بالغة الأهمية والخطورة، وأشارت أنّه يجب أن تكون هنالك شركات إستشارية تشرف على المشروع، كان هنالك خلاف مصري إثيوبي حول هوية الشركات وقد تمّ الإتفاق على ذلك ونحن على وشك توقيع إتفاق حول هذا الموضوع. وبمجرد الإتفاق على تكليف شركة عالمية بإجراء دراسات خاصّة بمواصفات الأمان وبالجوانب الفنية المطلوبة للسدّ فإن جزءا كبيرا من الخلاف سوف يزول. سرت شائعة عن رغبة مصرية بتوسيط إسرائيل في هذا الموضوع مع إثيوبيا وقد نفينا ذلك وأوضحنا بأن العلاقات المصرية الإثيوبية تاريخية ولا تحتاج الى أي وسيط.
“مصدر دبلوماسي”
ماذا عن حقل الغاز الذي تمّ اكتشافه في المياه المصرية؟
زايد:
في مصر أكبر حقل غاز تمّ إكتشافه في شرق حوض البحر الأبيض المتوسّط. والشركة الإيطالية والدولية شغالة في الإستثمارات اللازمة، يقال أن حوض البحر الأبيض المتوسط متواصل بأكمله لكننا نعمل في المنطقة المصرية فحسب.
وقد بدأ العمل على البنى التحتية المطلوبة ومن المفترض أن يبدأ التنقيب في البحر عام 2018.