السلوك الدبلوماسي ملزم بالتقيّد بمفهومين: “الإتيكيت” و”البروتوكول” الذي يعتبر الأكثر دقّة لأنّه يؤدي الى توتّرات بين الدول، في حين تبقى “الإتيكيت” محصورة بين الأشخاص.
المحاضرة في أصول قواعد “الإتيكيت” و”البروتوكول” ومستشارة الصورة الشخصية نادين ضاهر تشير الى أهمية تقيّد الدبلوماسيين بهذه القواعد وتشرح لـ”مصدر دبلوماسي” الفوارق بين المفهومين.
“إتيكيت”
فـ”الإتيكيت” هو عقد إجتماعي يعمل به الفرد ولكن خرقه لا ينتج مشاكل بروتوكولية بين البلدان. يتعلق “الإتيكيت” بالمظهر وتأدية التحية وتقديم الذّات بشكل راق.
أبرز قواعد “الإتيكيت” التي تشرحها ضاهر هي: الحضور المهذّب للدبلوماسي من حيث المظهر والكلام والتصرّف. وتوضح بأنّ ذلك لا ينسحب على الأناقة التي تصفها بأنها “خيار”، لأن الدبلوماسيين والدبلوماسيات لا يكونون عادة في عروض أزياء، فالأهم يكمن في نظافة الهندام ولياقته”.
ومن أبرز قواعد الإتيكيت أيضا ” إحترام الذّات من حيث المظهر والكلام واحترام الإختلاف كي لا يتحوّل الى خلاف، وعلى الدبلوماسي أن يتقن كيف يقول “لا” بلغات عدّة كما قال يوما الرئيس المصري الراحل أنور السادات”.
ولعلّ التزام الحدود هو أحد مبادئ “الإتيكيت” أيضا، وبالتالي فإن على الدبلوماسي أن يتحلّى بحضور راق وخفيف ومتّزن وجميل ولائق وراق. كذلك تبرز صفة الصدق وهي من الصفات التي يواجهها الدبلوماسي كونه يعمد في صلب عمله الى إخفاء الحقائق أكثر من إبرازها.
تقول ضاهر عن هذا الموضوع:” لا يجب على الدبلوماسي أن يكذب بل أن يروّض الحقيقة ويدوّر الزوايا”. كذلك تفرض “الإتيكيت” على الدبلوماسي أن يكون متسامحا وأن يتمتّع بملكة الكلام ومستمعا جيّدا ومتحدثا لبقا يتقن كيفيّة التوجّه للآخرين.
البروتوكول…ومشكلة الكحول
بالإنتقال الى قواعد البروتوكول فهي تبدو أشدّ تعقيدا وتلقي مسؤولية مباشرة على الدبلوماسي لأنه يمثّل دولته وبالتالي فإن سلوكه يتماهى مع موقف بلاده.
تنطلق ضاهر من زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني أخيرا الى باريس حيث ألغى قصر “الإيليزيه” عشاء رئاسيا بسبب رفض البروتوكول الفرنسي رفع المشروبات الكحولية وخصوصا النبيذ الفرنسي عن المائدة. وتلفت ضاهر الى أنّ ” البروتوكول يوافق على كل ما تمنعه الديانات بالنسبة الى تناول اللحوم وسواها من التفاصيل لكنّ الإختلاف وقع في موضوع الكحول”.
وتشير الى أنّ “تقديم النبيذ هو جزء لا يتجزّأ من بروتوكول قصر “الإيليزيه”، وقد أقرّ البروتوكول الرئاسي الفرنسي على عدم تقديم النبيذ لأيّة شخصية من الوفد الإيراني على أن يقدّم لبقية الضيوف. لكن العادات الإيرانية تفرض بدورها عدم التواجد في مكان يقدّم فيه خمر”.
ما العمل في هذه الحالة؟
تشير ضاهر:” حين يزورني ضيف ما فالإحتكام يكون الى “أهل البيت” الذين يفرضون قواعدهم”. وتلفت الى نقطة مهمّة:” ليس العمل الدبلوماسي هو الأكل والشرب، فالمائدة ليست بأهمية القضايا التي يتناولها دبلوماسيو الدول والرؤساء. بذل الفرنسيون جهودا دبلوماسية لإنجاح الزيارة، لكنّ الخلاف وقع على المائدة فألغي العشاء وترك لكلّ طرف تناوله على طريقته، وهذا سلوك مثالي، لأنّه لو زار الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند طهران لما كان الإيرانيون سيسمحون بدورهم بتقديم الكحول”.
وتنتقد ضاهر المبالغة في تطبيق البروتوكول ما ينسفه من أساسه. هذا ما فعلته الرئاسة الإيطالية إبّان زيارة الرئيس روحاني أيضا الى روما حيث تمّت تغطية المنحوتات الفنية بقطع من القماش بحجّة أنها عارية ” وهذا سلوك خاطئ بروتوكوليا ويمحو هوية البلد الذي يزوره الضيف”.
أبرز أحكام قواعد البروتوكول التي ينبغي أن يتقيد بها سفير بلد معيّن: الأمانة الأخلاق، عدم الإعلان عن مواقف غير سويّة عدم خرق عادات وتقاليد البلد ما يؤدي الى الإساءة للعلاقات بين البلدين ويؤدي أحيانا الى استدعاء السفير أو اعتباره شخصية غير مرغوب فيها.
وتقدّم ضاهر مثالا عن خرق الرئيس الأميركي باراك أوباما لبروتوكول الدولة البريطانية أثناء عشاء مع الملكة إليزابيت.
إذ عمد أوباما الى رفع نخب الملكة قبل إلقائه خطابه كما هي العادة، ما أوقع الأوركسترا في حرج فراحت تعزف مقطوعة النشيد الوطني التي تعزف عادة عند احتساء النخب.
واحتوت الملكة هذا الخطأ الفادح بأن رفعت النخب بدورها علما بأن هذه الحركة كان ينبغي أن يقوم بها أوباما في نهاية النشيد الوطني وبعد اختتام كلمته. (مرفق الفيديو)،
وفي اليوم التالي ولحفظ ماء وجه الضيف الأميركي الرفيع أجمع الإعلام الإنكليزي بأن الأوركسترا هي التي وقعت في خطأ العزف المبكر!
ومن قواعد البروتوكول الدولية تكريم الضيف واحترام عاداته، ومن الأمثلة أن الملكة إليزابيت دعت مرّة شخصية دولية وفوجئت بأن هذه الشخصية رمت صحنها الى الخلف بعد تناول الطعام، فعمدت الملكة الى رمي صحنها الى الخلف أيضا تجنّبا لإحراج الضيف.
وفي الختام تشير نادين ضاهر التي تقدّم برنامج “إتيكيت” يومين في الأسبوع ( الثلاثاء والخميس) عبر محطّة “أم تي في” الى أنّ ” لدى لبنان مقوّمات عالية من حيث الحضور الدبلوماسي الراقي، كذلك يتمتّع الدبلوماسيون اللبنانيون بتعدد اللغات وبحضور جميل لكن الجيل الدبلوماسي الشاب يحتاج الى تدريب في معهد دبلوماسي متخصص، وتنصح بالإفادة من خبرات السفراء المتقاعدين أو وزراء الخارجية السابقين الذين لديهم خبرة واسعة يمكنهم نقلها الى الجيل الدبلوماسي اللبناني الشاب”.