تنوّه ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ بإجراء الإنتخابات البلدية والإختيارية معتبرة بأنها شكّلت “علامة ثقة بلبنان وبالأجهزة الأمنية وبوزارة الداخلية”.
وتقول في حوار مع “السفير” بأن الأمم المتّحدة” تلعب دورا متواضعا كونها تقدّم مساعدة تقنية في هذا المجال”. مؤكدة بأنّ الفضل في إجراء هذه الإنتخابات بطريقة منظمة “يعود أولا للبنانيين، وهو يعكس حياة ديموقراطية ونأمل بأن يتيح هذا المناخ الذي أوجدته الإنتخابات تحفيز النقاشات والتحضيرات للإنتخابات البرلمانية في العام القادم أو قبله”. وتركز كاغ أيضا على أهميّة ملء الشغور الرئاسي الذي أكمل هذا الأسبوع عامه الثاني.
الرئاسة وأولويات أخرى…
وهل بالإمكان إجراء إنتخابات نيابية بمعزل عن الإتفاق على الرئاسة الأولى وقانون الإنتخابات والحكومة؟
ترفض كاغ التكّهن في هذا الموضوع، تاركة إياه للسياسيين والفرقاء اللبنانيين ليقرروه في ما بينهم. ولكنها تشدد على” أنّ همّ إجراء الإستحقاق الرئاسي قائم منذ عامين، وهذا ما دفع الأمين العام للأمم المتّحدة بان كي مون ومجلس الأمن الدّولي الى التشديد دوما على ضرورة إجراء انتخاب رئيس بسرعة لأنه استحقاق داهم”، داعية لأن “يترفع السياسيون اللبنانيون عن المصالح ويعطون الأولوية لمصلحة البلد بغية التوصل الى حلّ”.
وتضيف بأن “الإنتخابات البرلمانية مهمّة جدّا، كذلك الإتفاقات السياسية الأخرى التي تتيح عمل البلد”. مستطردة:” نحن دوما ننوه بقيادة الرئيس تمام سلام للحكومة وقدرته على جعل الأمور تتحرّك باستمرار”.
الى ذلك تعرب كاغ عن قلق الأمم المتحدة من تآكل دور
مؤسسات الدولة على المستويات كافّة، وللمسها أن القلق يسود جميع اللبنانيين.
“نريد أن يكون لبنان أيضا حاضرا دوليا وأن يتكلّم بصوت واحد في الإستحقاقات الدقيقة، لذا من المهمّ أن يكون للبنان رئيس”.
وهل الإهتمام الدولي ينصبّ إذن على أولويّة إنتخاب رئيس فحسب؟
توضح كاغ: “لا أقول ذلك، أنا أعيد ما عبّر عنه مجلس الأمن الدّولي ومجموعة الدعم الدّولية، لكن على القادة اللبنانيين أن يقرروا ذلك. يبدو جليا بأنّ غياب رئيس ينعكس بشكل واضح على البلد ووقعه بات حقيقيا وملموسا، وبالتالي فإنّ ثمّة حاجة لإيجاد حلول من أجل مصلحة البلد”.
ماذا عن الحديث عن عمل دبلوماسي قائم تشاركين فيه شخصيّا بالتعاون مع دبلوماسيين آخرين ويتعلق بسلّة متكاملة تسهّل إجراء الإستحقاق الرئاسي؟
تجيب:” ليس من الحكمة البتّة إلقاء التكهّنات في وسائل الإعلام حول إقتراحات أو أفكار قدّمها آخرون. أعتقد أنه من المهمّ أخذ بعض العوامل بعين الإعتبار. يتمتّع السياسيون اللبنانيون بخبرة واسعة، وهم أمضوا عقودا في ممارسة السياسة وفي تحدّي الأزمات وخصوصا في المرحلة الراهنة. ندرك ان ثمّة حاجة لرئيس، وندرك أن ثمة نقاشات جارية حول القانون الإنتخابي وندرك أنّ ثمّة بعض العناصر الموجودة في إتفاق الطائف يطالب بعض الأفرقاء بتطبيقها، كذلك ثمّة نقاش متواصل حول اللامركزية الإدارية، كل هذه العوامل مهمّة لكن يترتب على المسؤولين اللبنانيين التقرير في شأنها”.
الجولات الإقليمية
بعد جولات عدّة قامت بها من إيران الى السعودية فموسكو ومصر وفرنسا والآن الى أبو ظبي ما هي الإستنتاجات للعراقيل التي تحول دون حلّ الملفّين اللبناني والسوري؟
تشير كاغ الى أنها تفضل حصر جوابها بالملفّ اللبناني لكنّها تقول أن “جميع النّقاشات حول لبنان تكون دوما ضمن المحيط الإقليمي، وتحديدا حول تأثير الأزمة السورية وكيفية انعكاسها على لبنان. وتلفت الى أنّ جميع هذه النقاشات هي بجهد من الأمم المتحدة التي تقوم بمساع حميدة نيابة عن الأمين العام حتى يبقى لبنان على الخريطة الدولية”.
تضيف:” خارجيا عندما يتمّ النظر الى الأولويات الجيوبوليتيكية تبقى سوريا في المقدّمة وكذلك اليمن، أما لبنان فإنه ينظر إليه بأنه في مكان أفضل نسبيا.
ولذا أركز في كلامي دوما على ألا يتمّ نسيان لبنان والى النظر الى تعقيد التحديات التي يواجهها، وأشدد دوما على 3 ركائز رئيسية تعمل عليها الأمم المتحدة: السلام والأمن والإستقرار وعدد من العناصر منها الرئاسة الى ملفات مترابطة، والركيزة الثالثة هي ترسيخ الإستقرار الإقتصادي والإجتماعي المتعلّق بالمساعدة الإنسانية والتنموية، لمساعدة لبنان على تخطي هذه المرحلة الإنتقالية.
أما الأحاديث فتختلف من بلد الى آخر: فللروس اهتمامات معنية وكذلك واشنطن لكن القاسم المشترك هو كيفية الحفاظ على أمن لبنان واستقراره.
في بعض البلدان تحدثت في ملف دعم الجيش اللبناني، وفي بلدان أخرى أثرت الإستراتيجية التي نعمل عليها من أجل تطوير متابعة الإستراتيجية الشاملة لتجنب التطّرف العنيف الذي يمكن معالجة بعضه عبر اجتثاث الفقر والتعليم ولكن أيضا عبر الأمن، وبالتالي تتنوع النقاشات.
وبالطبع فإنّ الرسائل في زيارتنا الى السعودية وإيران تتعلق دوما بأن لبنان ممكن أن يكون واحة سلام ترفع الثقة بالمنطقة وبالتالي يجب حمايته من التوترات الإقليمية وتلك القائمة أيضا بين الدولتين، وأنه يجب بذل كل الجهود وكل الدّعم من أجل إيجاد حلّ في لبنان، لكنّ الحلّ ينبغي أن يكون دوما لبنانيا”.
الأمن جيد ولكن…
وبالنسبة للوضع الأمني تشير كاغ :
أريد التعبير أولا عن تقديري الشديد واحترامي للجيش اللبناني ولجميع الأجهزة الأمنيّة، وأعتقد أنه من المثير للملاحظة أن لبنان تمكن من تجنّب أسوأ الحوادث (باستثناء الإنفجار الإرهابي الرهيب في برج البراجنة) بالرغم من المخاطر المجاورة على الحدود السورية والحرب التي تدور على حدوده. لكنّنا ندرك بالطبع أن ثمة معدّلا معينا من التوقيفات اليومية أو محاولات مجهضة يقوم بها أفراد. أما المؤشرات فتقول بأننا لا نعيش في سويسرا. وبالتالي، نظرا الى التحديات في الجوار الخطر الذي نعيش فيه فإن استقرار لبنان لافت. لكن ما يحتاجه لبنان ايضا هو توطيد مؤسساته وزيادة الإستثمارات وقلب المؤشرات السلبية وهو أمر مهمّ جدّا بسبب كل هذا التأثير السلبي على الأمن”.
وتشير كاغ الى أن “البطالة والتهميش وإستبعاد بعض الأشخاص من المجتمع هو خطر قد يؤدي في بعض الحالات الى التطرّف والى استغلال بعض المجموعات لهؤلاء الأشخاص بغية تجنيدهم. وبالتالي لا يمكن الإجابة عن الوضع الأمني بنعم أو لا، فالوضع ليس أسود أو أبيض وأعتقد أن ما نحتاجه هو حذر دائم وإيجاد حلول”.
كلام نصر الله حول المزارع
وكيف ستتعامل الأمم المتّحدة مع كلام أمين عام “حزب الله” السيّد حسن نصر الله الذي أطلق معادلة جديدة مهدّدا الإسرائيليين أنّه “إذا امتدّت يدهم الى أيّ مجاهد من مجاهدينا سيكون ردّنا مباشرا وخارج مزارع شبعا” وأيّ دور ستلعبه الأمم المتّحدة في هذا الإطار؟
تقول كاغ: “أولا وبالعودة الى تقارير الأمين العام للأمم المتّحدة ليست هي المرّة الأولى التي يتمّ فيها استخدام عبارات تهديد مماثلة”.
وتشير كاغ الى “أن لغة مشابهة إستخدمها سابقا السيد نصر الله في 16 شباط الفائت، ويومها أدان بان كي مون هذا الكلام، وكان ذلك حين تمّ التهديد باستهداف إسرائيليين مدنيين من قبل صواريخ “حزب الله”. إن الأمين العام للأمم المتحدة يحثّ ويطلب في كل تقاريره المتعلقة بالقرار 1701 جميع الأفرقاء على الإمتناع عن استخدام أية مفردات وتعابير تؤجج التوتّرات مباشرة أو غير مباشرة لأنها تسبب خطرا على الإستقرار عند الخطّ الأزرق، وهي تؤدي أيضا الى تصعيد محتمل قد يؤدي بدوره الى نزاع.
وهل أوضحت هذا الأمر مع “حزب الله”؟
تقول كاغ: ” ثمة نقاشات دائمة، وأنا على تواصل مع عدد من المسؤولين في “حزب الله” وسأثير هذا الامر بالتأكيد علما بأنني أتحدث به دوما في إحاطتي الدورية أمام مجلس الأمن الدولي وخصوصا بعد وقوع حادث معيّن أو مثول خطر ما، فنحن حينها نتصل بجميع الأفرقاء وننقل ذلك الى مجلس الأمن.
ملف النازحين السوريين
هل من جواب من أمين عام الأمم المتّحدة على الرسالة التي سلّمك إيّاها وزير الخارجيّة والمغتربين جبران باسيل رافضا فيها استيعاب النازحين السوريين في أماكن تواجدهم وضرورة إندماجهم في المجتمعات ووضع السياسات الوطنيّة من قبل الدّولة للتكيّف مع بقائهم وصولا الى إعطائهم الجنسية؟ وقد أكد باسيل على موقف لبنان برفض التوطين والتجنيس وأي شكل من أشكال البقاء الطويل، معتبرا بأنّ الحلّ الوحيد هو بعودتهم السريعة والآمنة الى وطنهم سوريّا؟
تقول كاغ: “لا، أولا إستلمت الرسالة يوم الجمعة الفائت في حين أن الأمين العام موجود في اسطنبول حاليّا. وأية رسالة تحتاج الى وقت للإجابة عليها. ثانيا، وهو الأهم، قرأتم بياني حول تقرير الأمين العام الأخير حول اللاجئين وهو تقرير عالمي وليس ملزما، وهو موجّه لإجتماع في الجمعية العامة. ونحن نتطلع لأن يبلور لبنان مواقفه كعضو في الأمم المتحدة في ما يتعلق بوضعه الخاص خلال هذا المؤتمر وبموقفه أيضا من موضوع الهجرة الذي سيتطرق إليه الإجتماع أيضا، وللبنان إنتشار واسع من المغتربين ويفيد من الهجرة. لكن من المهمّ معرفة أنّ هذا التقرير كان عالميا وليس ملزما ولا يتعلق بلبنان.
كما أنه لم يتم ذكر أي بلد بحدّ ذاته، وهذا الموضوع يتطلب جهدا جماعيا وتقاسم المسؤوليات. ثمة فرصة ضخمة للبنان ليطلب تعاون البلدان الأخرى وتقاسم المسؤولية معها. لأن لبنان كما يقول الأمين العام دوما أن لبنان يحمل على عاتقه عبئا ضخما مقارنة بقدراته، وللبنان خصوصيته الديموغرافية وتاريخه وماضيه وسياساته الخاصة. لا أحد يطلب من لبنان أو يقترح عليه توطين أحد فيه، هذا الأمر واضح والأمين العام طالما تحدّث عن إعادة توطين في بلدان أخرى، أي خارج لبنان.
نحن ندرك القلق ونفهم بأن الشعب قلق على المستقبل بسبب امتداد الأزمة في سوريا، وهي دخلت عامها السادس.
لكننا نحتاج أيضا الى الطلب من دول أخرى أعضاء أن تبذل المزيد من الجهد في سبيل النازحين وأن تأخذ المزيد منهم وأن توفر مساعدة ملموسة أكبر للبنان ليست إنسانية فحسب وإنما تتعلّق أيضا بالإنماء والإقتصاد ومصالح لبنان ومنها البنى التحتية والخدمات الإجتماعية وسواها.
وبعد أن شرحت كاغ هذا الأمر لوزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل هل اقتنع بالموضوع؟ تقول:”ينبغي سؤاله شخصيا، أنا أتحدّث بالوقائع ، وهذه الوقائع تمثل موقف الأمم المتّحدة”.
تنفي كاغ أن يكون ايّ اجتماع قريبا لمجموعة الدّعم الدّولية حاليا وهو اجتماع سيحصل في المستقبل لكن يبقى الإتفاق على التوقيت ومكان انعقاد الإجتماع وهي تفاصيل قيد البحث”.
(نشر في “السفير” 18 أيار 2016)