ألمانيا توائم بتمويلها للبنى التحتية بين احتياجات النازحين والمجتمع المضيف
جميع النازحين الى لبنان يريدون جزءا من المبالغ التي سينفقها المانحون تبعا لمقررات مؤتمر لندن لدعم سوريا. أبرز هؤلاء اللاجئون الفلسطينيون الذين بدأوا بمطالبة الجهات المانحة الدولية بأن تخصص جزءا من أموال “لندن” لمساعدتهم.
هذه مثلا حال سكّان ما اصطلح على تسميته بـ”مخيّم” نهر البارد، في حين أنه بات “مدينة نهر البارد” بحسب ما مازح سفير ألمانيا في لبنان مارتن هوت مضيفيه الفلسطينيين الذين طلبوا مساعدة ألمانيا في استكمال بناء “المخيّم” الذي يحتاج الى 137 مليون دولار أميركي.
وكانت وكالة “الأونروا” وعدت سكان “نهر البارد” بأن تنجز أعمال البناء في غضون 3 أعوام بعد الحرب التي دمّرته كليا عام 2007، لكنّ اندلاع الحرب السورية منذ 5 أعوام وجه أولوية المانحين نحو الإستجابة الى تداعيات السورية، وهذا ما أشعر سكان “نهر البارد” بأنهم لم يعودوا أولوية دولية.
يمتدّ المخيم زهاء كيلومتر مربّع الى مساحات إضافية في المحمّرة (قضاء عكار) بسبب التوسّع الاسكاني، يعدّ 28 ألفا من المقيمين و5 آلاف مما زالوا مهجرين.
ثمة 5 تجمعات سكنية خارج المخيم القديم الذي يضمّ فعليا 8 قطاعات، أي حوالي 5500 مسكنا، أنجز منها 4 قطاعات ولا يزال ثمّة 4 قيد التنفيذ أو الإنشاء.
يعبّر أهالي “نهر البارد” عن ضعور باليأس والإحباط بعدما توقف الإعمار لفترة زمنيّة، ما دفع بعضهم الى الهجرة غير الشرعية منذ حوالي الـ 8 أشهر فراحوا يسافرون من خلال ميناء طرابلس أو عبر اللاذقية في سوريا في اتجاه أوروبا.
أين أبو عمّار؟!
أثناء توجهه الى لقاء مع شباب نهار البارد وأعضاء في اللجنة الشعبية سأل السفير الألماني مارتن هوت: لماذا لا أرى أيّة صور لأبو عمّار؟ّ
يجيب المحدّث الفلسطيني: إنها قليلة في الشوارع الرئيسية ولكنها موجودة في المنازل كلّها.
يقول السفير: هه…أنظر هذه صورة…
ويجيبه محدثه: نحن لا ننسى أبو عمّار فهو يمثل رمز القضية الفلسطينية.
يظهر أول بناء بالأبيض من “المخيم الجديد” وهو باكورة القطاعات الأربعة المبنيّة من أصل 8، وهي أبنية حديثة تدخلها الشمس والهواء وأفضل بكثير من البيوت التي دمّرت في حرب 2007
يقول المحدّث الفلسطيني: إن مستوى الحياة أفضل مما كان عام 2007 بالرغم من أن بعض المنازل ضاقت مساحتها بشكل ملموس بسبب توسيع الشوارع، وبالتالي تراوح مساحة المنازل اليوم بين الـ 40 متر الى 113 متر والمعدّل المتوسط لعدد العائلات 6 أشخاص. وفي زيارة للسفير هوت الى أحد هذه المنازل فإنها تبدو مؤثثة بشكل لائق ومريح وتشبه كثيرا منازل اللبنانيين أبناء الطبقات المتوسّطة.
شكاوى أبناء “المخيّم”
في الجلسة مع تجمع شباب المخيم وأعضاء اللجنة الشعبية إشتكى هؤلاء للسفير هوت من وجود ما يزيد عن 5 آلاف من سكان المخيم مهجرين الى مخيّم البدّاوي، لغاية اليوم. وطلبوا منه أن ينقل الى الحكومة الألمانية أن تكون سخية في دعمها من أجل إعادة إعمار مخيّم نهار البارد بالسّرعة الممكنة.
يقول أحد المحدثين الفلسطينيين ” في 9 أعوام لم يبن إلا 42 في المئة من المخيّم بسبب التقليصات المالية للدول المانحة التي انعكست على خدمات “الأونروا” بمجملها”.
ويشتكي ممثلو المخيم من تقليص المبالغ المخصصة لبدلات الإيجار ( يبلغ متوسط بدل الإيجار 250 دولار أميركي تسهم الأونروا بـ150 دولار منها).
وثمة 1880 أسرة في مخيّم نهر البارد لم تتلق بدل إيجار منذ 6 أشهر بحسب ما يروي هؤلاء المسؤولون.
كذلك اقدمت “الأونروا” على تخفيضات في الخدمات الصحية وهي تلزم العائلات الفقيرة بدفع 20 في المئة من الفاتورة الطبية.
ممثل الحراك الشعبي والشباب في المخيم توجه الى السفير الألماني بالقول: (…) نحن كشباب عندما نرى أهلنا عند أبواب المستشفيات يتحولون الى متسوّلين مهددين بالموت، تصبح لدينا أزمة إجتماعيّة داخل البيوت مما لا يمكّننا من متابعة حياتنا التعليمية أو المهنية، ونحن نتمنى رفع معاناة أهل المخيم والإسهام في إعماره ومساعدة المجتمع الفلسطيني الذي هجّر قسرا في حرب يهودية صهيونية شنّت علينا فأخرجونا من بيوتنا”. أضاف الشاب:” أعيدونا الى وطننا ولا نريد خدمات، أما أن نستمرّ خارج وطننا فنحن نريد منكم أن تلتزموا في كلّ ما تعهّدتم به، في دعم منظمة “الأونروا” وتمويلها لأنّها شاهد على نكبة الشعب الفلسطيني”.
ويشتكي الفلسطينيون من أن المخيّم لا يزال ضمن الحالة العسكرية المغلقة.
وردّ السفير الألماني مارتن هوت على كل هذه المطالب بقوله:
“هي المرة الأولى التي أزور فيها مخيّم نهر البارد، ولدي إقتراح بعد أن رأيت المدخل بأن نغيّر الإسم من مخيّم نهر البارد الى مدينة نهر البارد. لأنني في الواقع لم أر أيّة خيمة”.
فأجابه أحد الحضور: خلينا مخيّم حتى تستمرون بمساعدتنا.
شبكات الصرف الصحي للجميع
هذه المعاناة التي يقاسيها الفلسطينيون تنسحب أيضا على المجتمع اللبناني المحيط بالمخيم وفي المنطقة برمّتها، وتسعى الحكومة الألمانية الى المواءمة في المشاريع الإنمائية التي تمولّها بين الفلسطينيين واللبنانيين وحتى السوريين عبر مشاريع يستفيد منها الجميع وتبعد شبح التوتّر بين هذه الكتل البشرية.
من الأمثلة: تأهيل شبكات الصرف الصحي في طرابلس. وقد حضر السفير هوت حفل إستلام مشروع “البرنامج الطارئ لتأهيل المياه والصرف الصحي” في مرحلته الثالثة والذي بلغت كلفة تمويله 216 مليون يورو، وجاء تمويل هذا المشروع ضمن البرنامج الطارئ لمساعدة لبنان عام 2007 على شكل منحة بقيمة 12 مليون يورو، أضيف إليها منحة بقيمة 4 مليون يورو أعلن إليها عام 2008 بمؤتمر فيينا لإعادة إعمار المناطق التي تضررت جرّاء حوادث نهر البارد، ووقعت الإتفاقية الثانية عام 2009
بدأ العمل بالمشروع عام 2010 وانتهت كافة مراحله عام 2015. يتضمن المشروع تشييد خط رئيسي لمياه الصرف الصحي يمتدّ من حدود مخيم نهر البارد الى محطة معالجة الصرف الصحي في طرابلس، أي على مسافة 20 كلم، بالإضافة الى إنشاء 3 محطات ضخّ وخطوط فرعية وشبكات تجميع لمياه الصرف الصحي في المناطق المجاورة لمخيم نهر البارد وبحنين والمنية ومركبتا.
تمّ تنفيذ المشروع من قبل “بنك الإقراض لإعادة الإعمار” عبر متعهدين محليين، وإشراف من شركة ألمانيّة وبالتعاون مع مجلس الإنماء والإعمار.
وتأمل الجهات اللبنانية أن تترجم الإعلانات التي حصلت أخيرا في مؤتمر لندن منحا إضافية في القريب العاجل.
علما بأنّ ألمانيا دفعت على هذا المشروع 60 مليون يورو في حين قدّمت الدولة اللبنانية التخطيط والإدارة.
مخيّم حلبا للنازحين السوريين
إنتهت جولة السفير الألماني مارتن هوت الشمالية في مخيّم حلبا للنازحين السوريين الذي يشكّل نقيضا صارخا لظروف الحياة المريحة في مخيّم نهر البارد.
يوفّر “مركز الإحسان الأكاديمي” الدعم النفسي والدراسي لـ 260 تلميذا سوريّا في فترة قبل الظهر قبل أن ينقلهم بعد الظهر الى المدارس الرسمية في المنطقة ويعيدهم الى المخيمات التي يعيشون فيها وهي 18 مخيّما موزعين في أرجاء المنطقة برمّتها. ينظّم المركز الذي تموّله ألمانيا أنشطة عدّة، في الخياطة والأشغال اليدوية وتعليم الكومبيوتر.
وقد زار هوت عائلة في المخيّم، وحرص على الإصغاء الى مطالبها، وجلس أرضا يحتسي الشاي مع رجال وشيوخ أخبروه عن معاناتهم في النزوح وقال له أحدهم: زيارتك لنا منحتنا شعورا بالأمل وسط اليأس الذي نعيش فيه.
وردّ هوت باستفسارات عدّة عن ظروف المعيشة مكرّرا جملة واحدة: نتمنّى ألا يبقى الوضع على حاله وأن تعودوا قريبا الى سوريا.