مقالات مختارة
موقع “أساس”
مارلين خليفة:
تمكّن رئيس الجامعة الأميركية الدكتور فضلو خوري من جعل الصرح الأكاديمي الأعرق في لبنان والعالم العربي والعالم، الذي أُسِّس في عام 1866، يصمد وسط انهيار مالي واقتصادي عميق. يقول الدكتور خوري الذي عُيّن في منصبه في 2016، ومدَّد له مجلس أمناء الجامعة حتى عام 2025، بعد استمزاج آراء قرابة 75 شخصاً من أساتذة وطلاب ومتخرّجين، إنّ “صمود الجامعة في بيروت مضمون أقلّه للأعوام الثلاثة القادمة” بفضل خطة مالية وضعتها الإدارة الحالية.
قلّما رُبِطت جامعة بحراك شعبي مثلما رُبِطت الجامعة الأميركية بانتفاضة 17 تشرين الأول 2019، حيث تمكّن رئيسها بخطاب أمام الطلاب، لم يدُم أكثر من 10 دقائق، واُقتُطعت منه 3 دقائق غزت “السوشيل ميديا”، من أن يثير عاصفة من ردود الفعل المنقسمة بين إيجابية وسلبية، كما هي العادة في لبنان، لكنّها في كلّ الأحوال حرّكت المياه الراكدة في الشارع اللبناني. يبدو الطبيب والباحث في الأمراض المستعصية متعمّقاً في جذور أزمة لبنان. وهو لبنانيّ الأصل، نال الجنسية الأميركية بعد اضطرار والديه إلى السفر إلى الولايات المتحدة، حيث وُلد هناك يوم الجمعة في 13 أيلول من عام 1963. “وكانت حياتي ملأى بالحظ”، كما يقول.
لم يهاجر والده رجا خوري ووالدته سمية الخوري مقدسي، لكنّ الوالد الطبيب، الذي ورث مهنة الطب عن والده أيضاً، اضطرّ إلى التنقّل بين الولايات المتحدة الأميركية ولبنان لظروف تتعلّق بدراسته والعمل، فنال فضلو الجنسية الأميركية حين كانت العائلة في الولايات المتحدة الأميركية. “ولدت في عهد فؤاد شهاب، أعظم رئيس جمهورية، ووالداي يحملان الهويّة اللبنانية. كان من حظّي نيل الجنسية الأميركية، وقد عذّبوني قليلاً في لبنان قبل منحي الهويّة اللبنانية، ولم يكن الحصول عليها سهلاً في حقبة الستينيّات”.
تردّد فضلو إلى لبنان، إذ كان والده حريصاً على تعريف عائلته على المناطق اللبنانية من الجنوب إلى الشمال، دامجاً بين ثقافتين أميركية ولبنانية. كان في الخامسة من عمره، يعيش في هامدن بكونكتيكت، في جوار جامعة يال، حين كانت الحرب الفيتنامية في أوجها. يذكر صداقاته الأولى المتنوّعة: رفيق إيرلندي أميركي، وآخر إفريقي أميركي، وثالث يهودي أميركي. وقد حافظ على هذا التنوّع في صداقاته مع مرور الزمن. منذ صفوف الحضانة تفتّح وعيه السياسي على تظاهرات طلاب يخاطبون الرئيس لندن باينس جونسون: “Hey Hey Hey LBJ, how many kids did you kill today” (مهلاً.. مهلاً.. مهلاً.. إل بي دجي، كم من الأطفال قتلت اليوم؟).
كان فضلو خوري يجلس إلى جانب والده في المنزل، أمام شاشة تلفزيون أسود وأبيض، يشاهدان شريط أسماء مَن قضوا في الحرب، بلا أيّ صوت. “ليلة وراء ليلة كنت أشاهد كل هذه الأسماء، كان الجوّ مشحوناً، وساد الانقسام في الولايات المتحدة الأميركية، كما يحصل اليوم، لكنّ الأمور تعود إلى طبيعتها مع الرئيس جو بايدن”. اعتاد العيش في بلد منقسم. في السبعينيّات عاد إلى لبنان. “أذكر جوّ الأمان والجوّ الهادئ وجمال البلد الذي لم يكن يقطنه أكثر من مليونيْ نسمة”.
تأثّر فضلو بوالدته سمية، التي كانت قريبة من عائلتها وأصدقاء الطفولة، لناحية المسافة التي تفصلها عن الأشخاص، فاستطاعت العيش براحة أكثر من والده الأقرب إلى الناس. لكنّ تأثّره الكبير كان بشقيقه رجا الذي يقول إنّه تعلّم منه الشجاعة.
إلا أنّ زوجته اللبنانية الفلسطينية لميا طنوس يبدو أنّها تركت فيه أثراً كبيراً أيضاً: “ما إن وضعت يدها بيدي نلت أكثر ممّا أستحقّه”. الدكتور فضلو، الذي لديه 3 أولاد، يصف زوجته قائلاً: “ذكّرتني بالأمور التي لم يكن يجب أن أنساها، وبأنّه يجب النظر إلى حسنات الإنسان قبل سيّئاته. ذكّرتني دوماً بأنّ كلّ إنسان غالٍ”.
لكنّ جدّ زوجته المناضل الفلسطيني عزّت طنوس، طبيب الأطفال في فلسطين قبل عام 1948، عام النكبة، كان له الأثر الأكبر فيه. “كان يطبّب الفلسطينيين واليهود، لكنّه ترك الطبّ بعدما شهد ما حصل لشعبه، فكان أوّل ممثّل للقضية الفلسطينية في الأمم المتحدة”. يضيف الدكتور فضلو بتأثّر واضح: “هناك أناس يتذكّرهم التاريخ، لكنّهم لا يظهرون في الصورة، مثل عزّت طنوس الذي بقي إلى الستينيّات ممثّلاً للقضية الفلسطينية بواشنطن. لكنّه كطبيب كان ضدّ حمل السلاح، مع أنّه صديق ومثل أعلى لجورج حبش. ولمّا بدأ النضال الفلسطيني المسلّح تقاعد ليهتمّ بعائلته، ويكتب قصة حياته”. ويشير إلى أنّ “إدوار سعيد كان يقول عنه بأنّه من أكثر الناس الذين احترمهم في العالم”. بدوره، درّس فضلو، وهو تلميذ في الـ”آي سي”، أطفالاً فلسطينيين في المخيّمات اللبنانية، فترك ذلك أثراً فيه سيظهر أخيراً في مشاكسته الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بعد نقله سفارة بلاده إلى القدس.
تابع دراسته في الـ”آي سي” في بيروت، وبعد تخرّجه انتقل إلى الجامعة الأميركية في بيروت، حيث درس البيولوجيا وعلم النفس، ليلتحق بعدها بجامعة “يال” حيث تخصّص في البيولوجيا وعلم النفس، وفي البحوث حول مرض السرطان في جامعة “كولومبيا”. “إنّ البكالوريا التي نلتها في لبنان جعلتني أتعرّف إلى أصدقاء العمر، منهم جرّاح أعصاب الأطفال الدكتور بني إسكندر، ويوسف عصفور، وباسل فليحان، ومالك وهبي”.
دخل المدرسة الطبّية في جامعة “كولومبيا” بنيّة التخصّص طبيباً نفسانيّاً. “كنت أرافق والدي، وفي الـ”آي سي” شعرت بأنّ الأمراض النفسية تفوق خطورتها تلك الجسدية”. مرّ العامان الأوّلان في كليّة الطب، وحدث تحوّل في تفكيره، “شعرت بأنّ مريض السرطان يحتاج إلى مَن يعالجه، وأنّ الأدوية لوحدها لا تكفي. فهو يحتاج إلى مَن يمسك يده ويحتضنه كما يحتضن طبيب التوليد الطفل الجديد”. ما الذي دفعه إلى التخصّص في طرق علاج مرض السرطان؟ يقول: “تنبّهت إلى عدد من المرضى الذين قضوا بالسرطان في بداية تعلّمي في جامعة “كولومبيا”، حيث درست الطب العامّ. كان المرضى يتعذّبون بشكل كبير، وسمعت عائلات تقول إنّ مرضاها لا يعيشون أكثر من 4 أو 5 أسابيع، ولا تتمكّن من توديعم، فشعرت بحاجة قصوى إلى البحث في أمراض السرطان، إضافةً إلى ملاحظتي في حينه أنّ أطباء السرطان كانوا قدوةً في التضحية والعطاء أكثر من الأطباء النفسانيين، لذا أُعجبت بالفريق الطبي المتخصّص بعلاج السرطان، وبمهنة معالجة السرطان والعلوم المتّصلة بها”.
تابع دراسته في الـ”آي سي” في بيروت، وبعد تخرّجه انتقل إلى الجامعة الأميركية في بيروت حيث درس البيولوجيا وعلم النفس، ليلتحق بعدها بجامعة “يال” حيث تخصّص في البيولوجيا وعلم النفس، وفي البحوث حول مرض السرطان في جامعة “كولومبيا”
عمل على بحوث عدّة تتعلّق بسرطان الرئة والفك والحنجرة. “عملنا منذ البداية بنظرية الملاحظة (Theory of observation and learning from the extremes)، بمعنى أنّ الكثير من الأشخاص الذين يُصابون بالمرض، ويكون عُضالاً، يعيشون لأعوام طويلة، في حين أنّ آخرين يموتون في ريعان الشباب. يجب على الطبيب أن يمتصّ كلّ المعلومات التي يحتويها المريض بسبب مرضه، وتحليلها لإيجاد العلاج الملائم، ومساعدته قدر ما يسمح وضعه، وهذا سيشكّل فائدة للمريض المقبل”.
كان يزور لبنان ويعاين المرضى في الجامعة الأميركية. بين هويّتيْه الأميركية واللبنانية، أيّهما الأقرب إليه؟ يجيب بابتسامة: “أشعر بأنّني إنسان أكثر من شعوري بأنّني لبناني أو أميركي. نشأت وكان لديّ 3 أصدقاء من أصل إفريقي وإيرلندي ويهودي. لذا لديّ حبّ للبنان وتعلّق بثقافته وبثقافة أميركا. أحبّ الثقافتيْن وأحترم الوطنيْن، ولديّ تعلّق بالشعبين. أشعر بأنّه يترتّب عليّ أن أخدمهما. وليست لديّ أيّة تفرقة”.
كان مستغرَباً أن يقوم الرئيس السادس عشر للجامعة الأميركية في بيروت، وأوّل أميركي لبناني، بما قام به الدكتور فضلو خوري إبّان إعلان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، حيث كتب له رسالة يعترض فيها على هذا القرار. وكانت سبقتها رسالة اعترض فيها على منع ترامب دخول بعض الجاليات من بلدان أكثريّتها مسلمة إلى الأراضي الأميركية.
عقب بيان خوري الأوّل، كان الرئيس سعد الحريري في زيارة لواشنطن، فصرّح ترامب من البيت الأبيض بأنّ العلاقة الأميركية اللبنانية أُسِّست مع تأسيس الجامعة الأميركية في بيروت، وقال إنّه كرئيس للولايات المتحدة الأميركية يشهد بريادة هذه الجامعة لأنّها تخرّج زعماء معتدلين للشرق الأوسط. يومها لم يُجِبْه الدكتور خوري “لأنّني لست من أنصار ترامب، فأنا ديموقراطي الهوى، لكن حتى لو كنت جمهورياً لَما كنت وافقت على قرار ترامب”. بعد هذا الكتاب المعترِض على نقل السفارة إلى القدس، صار فضلو خوري أكثر رئيس جامعة أميركية غير محبوب في الولايات المتحدة.
من هذا المنطلق، يتعجّب من سؤالنا إيّاه عن دوره في انتفاضة 17 تشرين، ويسأل: “كيف يمكن لأحد لا يحبّه رئيس الولايات المتحدة الأميركية أن يتحوّل إلى رأس حربة الولايات المتحدة في انتفاضة لبنانية”.
انتفاضة 17 تشرين لم تكتمل ولجامعتنا دور
يشدد رئيس الجامعة الاميركية في بيروت الدكتور فضلو خوري على أن الجامعة لا تركز على تخريج زعماء على صعيد حزبي أو سياسي، بل تهتم بتخريج قياديين لهم رؤية وتصور شامل وبعيد الأمد، يؤسسون لقيم التسامح والأمل وتقليص الهوّة بين الفقراء والأغنياء ويؤثرون على ما هو أبعد من جدران الجامعة: على المجتمع اللبناني والوطن العربي. في ظل شعار طالما ردده مفاده: نكون أكبر، وأفضل، وأكثر عدالة، وأكثر تأثيرا”، لا ينفي دور الجامعة في ما يطلق عليه “انتفاضة وليس ثورة 17 تشرين، انتفاضة لم تكتمل” كما يقول لـ”أساس”.
لم ترتق انتفاضة 17 تشرين الى مصاف الثورة، بقيت انتفاضة لم تكتمل. توقفت لسوء الحظ لأن السياسيين كانوا اشد ذكاء من المنتفضين، إذ اتوا بحكومة تكنوقراط فتوقف الناس عن التظاهر. هكذا أعطوا فرصة لهذه الحكومة التي حاولت قليلا ان تنجز امرا ما، لكنها لم تكن شجاعة”.
نقول له: هي حكومة الدكتور حسان دياب خريج الجامعة؟
يجيب:” لا، ليس خريجنا، كان احد نوابي الستة، لا اريد وضع كل اللوم على حسان دياب لكن الحكومة لم تستطع تحقيق المهمة التي كان يتطلع اليها الشعب، فتوقفت الانتفاضة لمنحها فرصة، وبين فشل هذه الحكومة وبداية الوباء و4 آب تعرقلت الانتفاضة”.
قيل الكثير حول الارتباط العضوي بين انتفاضة 17 تشرين ودور الجامعة الاميركية في بيروت يشير:” بالطبع كان لها دور، هنالك جامعتان لديهما مسؤولية لهذا البلد هما الاميركية واليسوعية ولهما ثقل، طلاب هاتان الجامعتان يهزّون البلد، لو انتشر كل الطلاب الباقين في الساحات دون طلاب تلك الجامعتين الاساسيتين لا يمكن ان تكون ثورة”.
وعن خطابه الشهير للطلاب المنتفضين يقول:” أنا تحدثت 10 دقائق تم اقتطاع ثلاث منها فحسب ووزعت عبر “السوشال ميديا”. ما قلته: أنا معكم وهذا حقكم أن تحلموا بمستقبل افضل في هذا البلد، لم يحظ جيلي بذلك فارغمنا على الهجرة، لكنني ضد العنف. وأنا أنصحكم، لأنكم بحسب ما قال المؤرخ العظيم كمال الصليبي: “انتم بيت بمنازل كثيرة”. منكم مع الثورة ومنكم ضدها، منكم علمانيين ومنكم متدينين، منكم مؤمنين ومنكم ملحدين، إبقوا سويا إذا هجم عليكم احد احتضنوه لكن اتركوا الكاميرات محميّة دوما لأن لا يمكن لأحد ان يضربكم بقسوة بوجود كاميرات. هذا ما قلته، على مدى 10 دقائق، وتحدثت اليهم عن أمل بمستقبل افضل”.
تمت مراسم تنصيب الدكتور فضلو خوري كرئيس للجامعة في 25 كانون الثاني 2016، وواجه تحديات ضاعفتها جنسيته المزدوجة. يقول:” كل انسان يتولى هذا المنصب يتم التعامل معه كأميركي حتى لو كان يتكلم العربية وغير العربية، ومن لا يحبون الجامعة الاميركية او يهابونها او يعتقدون بأنها تجلب حضارة تهددهم، والامر لا يقتصر على لبنان بل على بعض البلدان العربية، فهذه الجامعة هي الأهم ضمن جامعات الولايات المتحدة خارج الولايات المتحدة الاميركية، وهي الاقدم”. هنالك تحد اضافي لأن الدكتور فضلو خوري هو لبناني الاصل، وليس اميركي من اصل لبناني ولديه الهويتين، يعلّق:” أنا أميركي وأحاسب كأميركي لكن هنالك حساب جديد يكمن في أنني لبناني”.
يضيف:” المحاسبة والتقييم اللذان يحصلان هنا يمرّان عبر السؤال التقليدي الذي يطرح دوما لسوء الحظ: ما هي طائفتك، مع مين ضد مين؟ وهذا ما ينقّز الناس لأنني بروتستانتي. وما يزيد في الأمر أنني نشأت في هذا البلد واعرف الكثير من السياسيين، فإذا التقطت لي صورة مع أحدهم يبدأ القيل والقال. لكنني اقول بأن الجميع يعرفونني لكن لا يحاولوا التوسط معي طائفياً وبالعموم، تعلّموا الدرس منذ السنة الاولى التي توليت فيها منصبي”.
تستمر الجامعة الاميركية في بيروت صامدة وسط انهيار اقتصادي شامل، ولعلها تمر بأصعب حقبة في تاريخ لبنان: انهيار للدولة والاقتصاد والعملة وانفجار 4 آب 2020 ووباء كوفيد-19، و “انهيار الأمل لدى كثر” بحسب الدكتور خوري.
قال يوما: باتت الجامعة تواجه صعوبة أكبر بكثير في توفير تعليم عالمي المستوى لأفضل الطلاب وألمعهم، وبغضِّ النظر عن قدرتهم على دفع الرسوم، يجب أن نعالج هذه المشكلة التي تقوّض صميم هويتنا كجامعة غير ربحية تسعى إلى إحداث فارق في مجال التعليم العالي”.
انخفضت قيمة الاقساط في غضون عامين من 220 مليون دولا سنويا الى 30 مليون اي بنسبة 84 في المئة بحسب الارقام التي قدمها الدكتور خوري. أما عدد طلابها فيبلغ اليوم 8400 طالب بانخفاض الف، وذلك “بسبب انفجار 4 آب وانهيار الوضع الاقتصادي والأمني والإجتماعي “.
وضعت الجامعة الاميركية اعلانا في صحيفة “النيويورك تايمز” يطلب دعما ماليا ومعنوياً من خريجيها وأصدقائها حول العالم، اتخذ هذا القرار منذ أشهر على مستوى لجنة المستشارين العالميين للجامعة ومنهم من نالوا جائزة نوبل وسواهم “هؤلاء يحبون الجامعة ويقدّمون النصح لي ولمجلس أمناء الجامعة.” يقول خوري، ويروي:” رحم الله فارتان غراغوريان كان رئيس مجلس ادارة مؤسسة كارنيغي الانسانية وهو ارمني قدم من ايران الى لبنان وامضى اعواما في فلك الجامعة الاميركية في بيروت ويصفها بأنها الاهم عالميا. وقال انه يجب وضع هذا الاعلان لكي نذكّر الناس في الولايات المتحدة الاميركية بأهمية هذه الجامعة لها وللعالم اجمع ولذا وضع هذا الاعلان وقد نلنا تضامنا لا بأس به”. ويشير:” نحن صامدون ولدينا خطة مالية وإقتصادية أقله لثلاثة اعوام”.
صدرت اخبار منذ مدة بأن الجامعة ستنتقل الى احدى البلدان الخليجية وكانت ردة فعل عاصفة من الطاقم الاكاديمي والطلابي للجامعة ما حقيقة هذا الامر؟ يقول الدكتور فضلو خوري: “لم يجر اي حديث لا بيني ولا بين مجلس الامناء ولا في مجلس الامناء ولا بيني وبين ادارة الجامعة بأن نترك لبنان، لن نترك لبنان، كل ما نفكر به هو خلق ما يعرف “بتوأم الحرم الجامعي” أو “حرم مزدوج” خارج لبنان والتي تعمل بالتنسيق مع الجامعة الاميركية في بيروت سواء في الطب او في التعليم العالي. لا اعرف من اشاع تلك الاخبار ولا مصدرها لغاية اليوم، كل ما أستطيع تأكيده اننا لسنا مصدرها لأننا لم نفكر بذلك يوما”.
لا تزال الجامعة تستقطب طلابا عرب، في آخر احصاء يعود الى عام كانت النسبة 76 في المئة لبنانيين و24 في المئة من الطلاب العرب والاجانب. اليوم انخفضت النسبة لكنها لم تنزل عن الـ20 في المئة وهي النسبة الاعلى عربياً باستثناء جامعة قطر.
يحرص الدكتور خوري عند كل حفل تخرج على بث روح الامل والايجابية في الطلاب:”
قلت لدورة المتخرجين اخيرا في التمريض والطب أن التاريخ يعلمنا عبرا عدة، وثمة شخصيات تغير التاريخ، والناس تحب الاخبار السيئة لكن يجب ان تتذكروا أوتو فان بيسمارك مؤسس دولة المانيا في القرن التاسع عشر وكان أول مستشار لألمانيا، لكن بسمارك لم يوحد المانيا لوحده، دائما يوجد اشخاص تكون على الهامش الصورة وهؤلاء يغيرون العالم نحو الافضل، وانا رسالتي لكم ان تكونوا انتم الاخبار الافضل وامل الغد”.
في العام الفائت، اتخذت ادارة الجامعة الاميركية قرارا بتسريح 600 موظف وعدم تجديد الاتفاقيات مع 244 موظفا آخرين، وبلغ العدد الاجمالي لهذا “القرار الصعب” 850 موظفا، أما عدد من الذين غادروا المستشفى بقرار شخصي منهم فكانت الاسباب تتراوح بين افلاس البلد وانفجار 4 آب وانعدام الحل السياسي او الاقتصادي او المالي وطول امد الازمة. يؤكد الدكتور خوري لـ”أساس” أنه” لا يوجد اي نقص على مستوى المعدات والادوية في مستشفى الجامعة الاميركية، لدينا أدوية ونحن الوحيدين الذين لديهم مختبرا يستقبل جميع المرضى من خارج المستشفى. لكن ما حصل أنه في زمن الوباء حوّلنا الكثير من طاقتنا التي انخفضت بشكل ملموس إذ ترك المستشفى قرابة الـ90 طبيبا، معظمهم مؤقتاً لفترة عام الى الخليج او الولايات المتحدة الاميركية بسبب الانهيار المالي او النفسي. وسط هذه الظروف كنا مرغمين على مواجهة الوباء واضطررنا الى أن نخلق أسرة وجلب اختصاصيين وتكريس قسم للوباء، واجزاء من المستشفى، فتم تفريغ نصف طابق هو العاشر. واليوم بما أن معدلات الاصابة انخفضت نعود الى فتح كل الاقسام ونحاول جلب ممرضات تخرّجن حديثا”.
بمبادرة شخصية من الدكتور فضلو خوري قرر مجلس امناء الجامعة الاميركية توفير بين الـ20 والـ25 في المئة من رواتب كل الموظفين والأساتدة على 3 أعوام بـ”الفريش دولار”. يقول:” بمجرّد أن انهارت الليرة اللبنانية عن الـ6000، أي انها خسرت جزءا كبيرا من قيمتها واليوم خسرت 90 في المئة، وبمجرد ان انخفض الناتج القومي المحلي منذ السنة الماضية من 50 مليار دولار اميركي الى 19 مليار دولار. يمكن استخدام الليرة لشراء الغذاء او ارتياد مطعم لكن الفريش دولار يجعل بعض الناس يوفرون متطلبات مهمة لعائلاتهم. وهنا يشير الى أن الـ850 موظفا الذين غادروا المستشفى زودتهم الجامعة بشبكة أمان، “اعطيناهم ليس فقط ما طلبته وزارة العمل أي رواتب عام واحد بل اعطينا رواتب عامين لبعض الناس، وعملنا شبكة أمان حيث تتم معالجتهم ونساعد الكثير من اولادهم في المدارس.”.
يضيف:” أخذنا في الاعتبار بأن هنالك فقط 40 الى 45 في المئة من الناس في لبنان اليوم لديهم وظيفة توفّر لهم ليس الطعام والغذاء فحسب، إنما الطبابة والتقاعد والقليل من الأمل. وبالتالي نحن فهمنا بأن موظفينا، يكونون في بعض الاحيان الوحيدين في عائلاتهم الكبرى، فهنا أن الـ250 دولار شهرياً أو أكثر ستساعد عائلة كبيرة برمتها”. وأود الإشارة هنا بأننا عملنا بجهد كبير مع نقابة عمال ومستخدمي الجامعة الأميركية في بيروت.
بالنسبة الى الاعتراضات الطلابية حول دفع الاقساط بالدولار يقول:” نحن زدنا المنح والمساعدات لغاية 90 مليون دولار أميركي، انا لا احب نسبة الـ 99 في المئة لانها تشبه نسبة الانتخابات في العالم العربي، لكن في الحقيقة أن 99 في المئة من الطلاب دفعوا القسط الذي يترتب عليهم بلا نقاش، وبالتالي يجدر السؤال لم نسبة الـ1 في المئة أو اكثر بقليل نظموا تظاهرات وجلبوا طلابا من جامعات اخرى للتظاهر معهم؟ وانا اقول لأن لديهم مشروع سياسي هو مشروع علماني شيوعي. وانا اضيف “معليش” ينبغي أن يكون لدى الطلاب مبادرات، وقدرة على محاسبتنا ومشاريع سياسية وهذا الامر ليس سيئا”. وكيف توقفت التظاهرات؟ هل قمعتهم؟ نسأله. يجيب:” بالعكس انا اشجعهم على الثورة وعلى ان ينتقدوني لأنه ما هو البديل؟ هل البديل ان يكونوا منكسرين؟ أنا لا اريد ذلك البتّة”.
يعود الى فترة الدراسة في “الآي سي” حين درّس في المخيمات الفلسطينية:” يقول:”انا لبناني فلسطيني سوري اسود ابيض، حين كنت صغيرا جعلتنا مدرسة “الآي سي” ندرّس طلابا من الصفوف الصغرى، وسئلت إن كنت ارغب بذلك وهكذا اتقاضى المزيد من النقود. طلب مني الذهاب للتعليم في المخيمات الفلسطينية قبل الحرب، كنت انظر الى هؤلاء الطلاب الاصغر مني سنّا، ورأيت بأن شغفهم للعلم اقوى من شغفي باشواط، فأنا العلم قدّم الي على طبق من فضة، إبن عائلة متوسطة. تعلمت من هؤلاء الطلاب التقدير والشغف، ولم أخسرهما منذ ذلك الحين. ومنذ أن أصبحت رئيس للجامعة الأميركية في بيروت وأنا أرى هذا التقدير وهذا الشغف في كل طلاب الجامعة. بالنسبة اليه كل انسان من حقه ان يتعلم، لذا اناقش طلابنا حين يقولون بأن العلم حق، نعم لكن نحن كجامعة خاصة مضطرين للحفاظ على حقوق جميع العاملين فيها”.