“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
عاد لبنان من مؤتمر روما (2) خالي الوفاض من أي دعم سعودي خصوصا وخليجي عموما لقواه المسلحة والأمنية.
افتتح مؤتمر روما (2) في 15 الجاري سلسلة مؤتمرات أقربها زمنيا مؤتمر “سيدر” في باريس المقرر في 6 نيسان المقبل، وكان المؤتمر الذي جمعت فيه إيطاليا 41 دولة ومنظمة دولية يطمح لتحقيق أكبر قدر ممكن من الدعم الدولي للجيش اللبناني وللقوى الأمنية اللبنانية، لكنّ النسخة الثانية من المؤتمر الذي انعقد للمرة الأولى في 17 حزيران 2014 خلت مجددا من اي تعهّد سعودي وخليجي واضح حيال الجيش والقوى الأمنية اللبنانية، وعوض التعهّد بمنح وبمساعدات وضعت تلك الدول شروطا على لبنان بانت واضحة في النقاشات الداخلية.
وإذا كانت المملكة العربية السعودية تمثلت بمساعد وزير الدفاع محمد بن عبد الله العايش فإن دولا خليجية بارزة لم ترسل ممثلين عنها الى المؤتمر المذكور، في حين انخفض مستوى تمثيل دول أخرى الى مستوى سفير أو مستشار علما بأن المؤتمر كان بحضور أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتريس ورئيسة الإتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريرني ورئيس الحكومة الإيطالية باولو جنتيلوني الى وزراء خارجية دول عدة ومسؤولين رفيعي المستوى كمساعد وزير الخارجية الأميركي دايفيد ساترفيلد و نائب وزير الخارجية الروسي والمبعوث الرئاسي الخاص الى الشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف.
شروط خليجية…
بدا من خلال النقاشات المغلقة بأن الدول الخليجية لا تزال متشبثة بموقفها الرافض لاي دعم للمؤسسات العسكرية والأمنية بلا تعهّد واضح وصريح من الحكومة اللبنانية بما يمكن تسميته “مأسسة” موضوع النأي بالنفس، اي عدم الإكتفاء بالتصريح به كإعلان نيات بل وضع آلية واضحة له من قبل الدولة اللبنانية تمنع “حزب الله” من التدخل في شؤون هذه الدول أو في المحيط، وكذلك التعهّد اللبناني بإصدار بيان في هذا الخصوص يلقى تأييدا معلنا من “حزب الله” فضلا عن الطلب الحكومي اللبناني الرسمي من “حزب الله” وقف مشاركته في الحرب السورية. وتشير أوساط دبلوماسية واسعة الإطلاع لموقع “مصدر دبلوماسي” الى أنّ هذه الدول تنتظر قبل التعهّد بدعم لبنان على المستويات كافة تطورات إقليمية كبرى قد تكون قادمة على المنطقة وخصوصا في الملف السوري حيث تهديدات أميركية جدية لضربة تستهدف النظام وحلفائه.
الكلمة السعودية في روما (2)
وعلى عكس ما ظهّر فريق رئيس الحكومة سعد الحريري من عدم وجود أية شروط تفرضها الدول الخليجية على لبنان مقابل تقديم مساعداتها العسكرية أو اللوجستية لمؤسساته العسكرية والأمنية، فإن كلمة مساعد وزير الدفاع السعودي محمد بن عبد الله العايش جاءت لافتة وهي خلت من أي تعهّد مادي واضح.
وقد حصل موقع “مصدر دبلوماسي” على نص الكلمة وهنا أبرز ما فيها: (…):” نجتمع اليوم هنا، بغية حشد الدعم اللازم لمساعدة الجيش اللبناني وقوات الأمن الداخلي اللبنانية في إطار تجمّع دولي تتظافر فيه الجهود لمساندة دولة تواجه ظروف سياسية واجتماعية صعبة. لذلك تحرص المملكة العربية السعودية على أن تلتقي رؤيتها مع أهداف عقد هذا المؤتمر الذي يسعى للمحافظة على أمن واستقرار لبنان في ضوء قرار مجلس الأمن الرقم 1701 الذي يحدّد الجيش اللبناني القوة الشرعية الوحيدة في لبنان وفقا للدستور اللبناني وما نص عليه اتفاق الطائف، وتؤكد المملكة في هذا الجانب على وضع تصوّر واضح لآلية دعم الجيش اللبناني، حسب احتياجاته، للتأكد من توظيف ذلك الدعم لصالح وحدة لبنان والحفاظ على استقلاله وسيادته والإمتناع عن التدخل في شؤونه الداخلية لتحقيق الأمن والإستقرار فيه”.
أضاف العايش :” إن المملكة العربية السعودية تدرك الضغوط التي تتعرض لها الجمهورية اللبنانية من النواحي الأمنية والسياسية، مما يخلق وضعا خطرا فيها يدعو المجتمع الدولي الى التحرك والى الحاجة للإرادة الدولية الجادة والقوية لمساندة الجيش اللبناني حتى يقوم بمهامه المطلوبة منه، ولذلك فإن المملكة تدعو المجتمع الدولي لتركيز اهتمامه على الإحتياجات الفعلية للجيش اللبناني حسب الخطط الموضوعة من قبله لبناء القوات المسلحة اللبنانية، هذا بالإضافة الى أهمية أن يشعر الشعب اللبناني قبل الجيش بتضامن ووقوف الأسرة الدولية الى جانبه فعليا”. وتعهد المسؤول السعودي في ختام كلمته قائلا بأن “بأن المملكة ستدعم المؤسسات العسكرية والأمنية اللبنانية وفق احتياجاتها وفي مقدمتها الجيش اللبناني ليتمكن من توفير الأمن والأستقرر لكافة أبناء الشعب اللبناني الذي يعلق أهمية كبرى عليه لأنه يمثل الشعب اللبناني بكل أطيافه وان ما يقوم به الجيش اللبناني وقوات الأمن الداخلي اللبنانية من حفظ الأمن والإستقرار والسعي الى بسبط سيادة الدولة مقدّر ومطلوب من الجميع” (…).
عربيا أيضا، قدّم أمين عام جامعة الدول العربية أحمد ابو الغيط خطابا خلا من اية تعهدات عربية لدعم الجيش اللبناني كرر فيه “الإشادة بالدور الوطني الذي يقوم به الجيش اللبناني والقوى الأمنية اللبنانية في صون الإستقرار والسلم الأهلي ودعم الجهود الممبذولة من أجل بسط سيادة الدولة اللبنانية على الحدود المعترف بها دوليا وتثمين التضحيات التي يقدمها الجيش اللبناني في مكافحة الإرهاب ومواجهة التنظيمات الإرهابية والتكفيرية…(…)
تعهدات أميركية روسية أوروبية
من جهتهم، بدا الإيطاليون أنهم حققوا مكسبا مهما جدّا بجمعهم الأسرة الدولية للتحدث في شراكة أمنية وعسكرية مع لبنان وكان حضور الوزير السعودي أمرا مهما للجهة المنظمة.
وقد أعلنت ايطاليا عن تعهّد 2،5 مليون يورو لتجهيزات للجيش اللبناني وهي بصدد الإعداد لمزيد من المساهمات، في حين تعهّدت بريطانيا بمبلغ 13 مليون دولار تضاف الى 110 مليون دولار تم التعهد بها سابقا لغاية 2019.
أوروبيا، كان لافتا صدور بيان أوروبي عقب المؤتمر يعيد تأكيد أنّ الإتحاد الأوروبي أعلن حزمة بقيمة 50 مليون يورو لدعم قطاع الأمن في لبنان كجزء من التزامه الطويل الأمد بإستقرار لبنان وامنه ولتعزيز حكم القانون ومكافحة الإرهاب. في حين اقرضت فرنسا لبنان 400 مليون يورو لصالح الجيش والقوى الأمنية.
أما الولايات المتحدة الأميركية التي مثلها نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي دايفيد ساترفيلد فقد أعلنت أنها تعهدت في الأشهر القادمة وبعد موافقة الكونغرس المنتظرة بمبلغ 9 ملايين دولار كتدريب وأدوات لوجستية للجيش اللبناني. وذكّر ساترفيلد في كلمه بأن الولايات المتحدة الأميركيةأسهمت بأكثر من 1،7 مليار دولار لصالح الجيش والقوى الأمنية اللبنانية منذ 2006.
وشدد نائب وزير الخارجية الروسي والمبعوث الرئاسي الخاص الى الشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف على ضرورة مساعدة لبنان في مواجهة قضية النزوح السوري الى أراضيه. وقال بأنه تم توقيع اتفاقية تعاون ثنائية عسكرية وللتعاون التقني بين لبنان وروسيا في شباط 2010، وهنالك تحضيرات جارية حاليا لتوقيع اتفاقية حول التعاون العسكري تتيح تبادل المعلومات بين البلدين في مجال الدفاع وبغية توثيق التعاون في مكافحة الإرهاب وتبادل التدريب العسكري، الى التدريب في مجال العناية الصحية والتربية والطوبوغرافيا. وقال بوغدانوف بأن بلاده في صدد وضع اللمسات الأخيرة على اتفاقية تعاون مع وزارة الداخلية اللبنانية تصب في مصلحة البلدين. وأعلن أنه بسبب الأزمة الإقتصادية التي يمر بها لبنان قررت روسيا تقديم معدات عسكرية مجانية للبنان من ضمن التعاون التقني والعسكري.
من جهته، قال وزير خارجية قبرص نيكوس كريستولونيدس أن بلاده قدمت للجيش اللبناني منذ عام 2015 مساعدات عسكرية بقيمة 40 مليون يورو تقريبا، وقد اقترحت قبرص في مؤتمر روما 2 استحابة للخطة الخماسية التي قدمها الجيش تأسيس مركز للإنقاذ البحري يكون مفيدا في حالات الهجرة غير الشرعية التي تتم عبر المتوسط، وبحسب التقديرات القبرصية فإن هذا المركز يكلّف قرابة المليونين يورو ستشارك فيها قبرص مع طلبها دعم الدول المشاركة.
من جهته، أكد وزير الخارجية اليوناني تيرينز سبينسر نيكولاوس دعم بلاده المستمر للجيش اللبناني متعهدا بتقديم حزمة تدريبات جديدة لتقوية الجيش وذلك على الأراضي اليونانية عام 2019.
ومثل اليابان نائب وزير الخارجية الياباني مانابو هوري، الذي ذكر بتعاون بلاده مع الجيش اللبناني في مجال نزع الألغام عبر مركز إزالة الألغام وذلك منذ عام 2001 وقد قدمت اليابان مبلغ 4 ملايين دولار أميركي لهذا المركز منذ عام 2015، وقال بأن بلاده قدمت ايضا مبلغ 150 مليون دولار كمساعدات إنسانية للبنان في أزمة النزوح السوري الأخيرة منذ 2012. وأكد استمرار اليابان بدعم استقرار لبنان وبمتابعة تطبيق برنامج بناء القدرات لتحسين أمن الحدود وتطوير قدرات السلطات الأمنية اللبنانية في هذا المجال. وأعلن أخيرا أن اليابان قررت توفير مليون دولار إضافية لبرنامج دعم حكومة لبنان في مواجهة التحديات الحدودية الأمنية والإنسانية في منطقة المصنع.
وأعلنت كوريا الجنوبية عبر السفير شوي جونغ-هيوم استمرار التزامها بالمشاركة في قوات “اليونيفيل” في جنوب لبنان حيث توفر مساعدات لزيادة قدرات الجيش اللبناني بالإضافة الى مساعدت إنسانية وطبية تطاول أكثر من 100 ألف شخص بالإضافة الى بناء المدارس والطرق الى تطوير نظام الصرف الصحي.
وتحدث الممثل التركي السيد تورالدين كانيكلي عن أن تركيا تعدّ حاليا لحزمة مساعدات جديدة تتكون من معدات فردية لتجهيز الفوج النموذجي الجديد في جنوب لبنان بأكمله وذلك ب1395 بندقية فردية و1399 من السترات الخارجية التي تستخدم كدروع الى خوذات باليستية الى أجهزة اتصالات متطورة فضلا عن 119 مسدسا. وتتوخى تركيا ايضا توفير بعض المدافع الرشاشة ومدافع الهاون وقاذفات القنابل الأوتوماتيكية. ولفت الى أنه تبعا لافاقية الخدمات اللوجستية الخارجية الموقعة بين قواتنا المسلحة عام 2016 قدمت تركيا 147 من قطع الغيار للدبابات وناقلات الجنود المدرعة التي وصلت الى مرفأ بيروت في آذار 2018 لنقلها للجيش اللبناني.
وقد تعهدت الدول و المنظمات الدولية المشاركة والتي بلغ عددها 41 بزيارة مستوى التدريبات المقدمة للجيش اللبناني ولقوى الأمن الداخلي ومضاعفته في 2018 بحسب مصادر دبلوماسية واسعة الاطلاع حضرت المؤتمر.